ذل السؤال (3) - عماد الغزالي - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 3:12 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ذل السؤال (3)

نشر فى : الإثنين 14 سبتمبر 2009 - 9:57 ص | آخر تحديث : الإثنين 14 سبتمبر 2009 - 9:57 ص

 كان الظاهر بيبرس هو أول سلطان يهتم بحل مشكلة التسول فى زمن المماليك، فقد أمر فى عام 1265 بتخصيص قرية للمتسولين فى الفيوم، وفى عام 1330 أمر السلطان الناصر بن محمد بترحيل كل المجذومين والبرصاء إلى الفيوم أيضا، وأجبر السلطان برقوق المتسولين على مغادرة القاهرة وضواحيها وأعدم من خالفوا أوامره، وذهب السلطان برسباى إلى مدى أبعد فأرسلهم فى عام 1438 إلى الأناضول.

وفى زمن المماليك أنشئت أول مؤسسة تهتم بشئون الفقراء وهى مؤسسة «مودع الحكم» غير أن الأمراء نهبوها.

وكانت الزكاة إحدى وسائل محاربة التسول، وحسب المقريزى، فإن صلاح الدين الأيوبى كان أول حاكم يرتب لجمع الزكاة فى مصر، وأمر بتوزيعها فى مصارفها الشرعية، وكان العاملون فى ديوان الزكاة على درجة عالية من الأمانة والحرص، وانتهى أشراف الدولة على جمع الزكاة فى عصر السلطان قلاوون، وصار دفعها خيارا فرديا، حتى اليوم.

وكما يجرى فى زمننا، تحول التسول إلى حرفة مارسها الحرافيش، سواء كانوا محتاجين فعلا أم لا، وهو أمر أشار إليه كثير من الرحالة والمستشرقين، الذين كتبوا عن إلحاح الشحاذين وسماجتهم، كما سجل الأدب العربى حيل الشحاذين فى إبداعات عدة صارت تعرف بأدب «الكدية»، وفيه استخدم بعض المتسولين مواهبهم فى النظم والنثر لاستجداء عطف الناس، وحفظت لنا كتب التراث بعضا من هذا الفن الظريف، ومنه هذه الوصفة السحرية أو «المانفيستو» الذى تركه أحدهم لأبناء مهنته من المتسولين، يقول غريب الساسانى لرفقائه: سيروا فى البلاد وانصبوا الشباك على العباد، واعلموا أن الفلس يجمع الدينار (... ) اركبوا قوارب الإلحاح والبسوا دروع الوقاح، وتعاموا مبصرين وتطارشوا سامعين، وتعارجوا فالسبق لذى العرج، ركبوا جلودا مسلوخة واشربوا نقيع التبن لتصبح وجوهكم مصفرة وبطونكم منفوخة، واخترقوا الصفوف فى الجوامع، وحثوا على الإحسان بالطلب فى الشوارع، ولتكن أفخر ملابسكم الأسمال، وأكثر همكم جمع المال، وسيروا بهاتين تأمنوا من الإفلاس والدين.

سبحان الله، أى تشابه بين ما فعله الشحاذون فى زمن المماليك وما يسير عليه المحدثون من المتسولين، أى تشابه بين زمن تغافلت فيه الدولة عن فقرائها وتنازلت عن دورها فى حمايتهم من العوز والحاجة وزماننا، هل يمكن أن تكون الزكاة وحدها وسيلة ناجعة لتقليل الفقر ومحاصرة ظاهرة التسول، هل يمكن اتخاذ إجراءات عملية لحصر المحتاجين وتلبية حاجاتهم الأساسية، وتجريم التسول باعتباره ظاهرة اجتماعية مشينة؟

هل يمكن أن نطرح أفكارا لمواجهة الظاهرة تشارك فيها الدولة والجمعيات الأهلية والقادرون من أبناء المحروسة؟

فى الأسبوع المقبل نطرح بعض هذه الأفكار.

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات