رؤية إسرائيل لمسيرة التطبيع مع العرب - هدى رءوف - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:40 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رؤية إسرائيل لمسيرة التطبيع مع العرب

نشر فى : الأحد 14 أغسطس 2016 - 9:30 م | آخر تحديث : الأحد 14 أغسطس 2016 - 9:30 م
يتصاعد هذه الفترة جدل داخل بعض الدول العربية ما بين ضرورات التطبيع مع إسرائيل، ومحظوراته، سواء اقتصر ذلك على العلاقات الثنائية لكل دولة على حدة أو امتد من خلال مظلة تشمل عددًا من الدول العربية. لكن إسرائيل التى تعد الآن مرتكزًا لعدد من التحولات السياسية والاقتصادية فى الإقليم سواء بعودة العلاقات مع تركيا أو علاقاتها بالدول العربية، هل مازالت مهرولة تجاه مشروعات التقارب العربى الجديدة، وكيف ترى أسبابه؟، وكيف توظفه؟ خاصة أنها كانت حريصة من قبل على عدم تسريب أية أخبار عن علاقاتها ببعض الدول العربية حفاظًا على استمرارها.

إذا نظرنا إلى علاقتها بمصر باعتبارها أول دولة عربية عقدت اتفاق سلام، تسبب فى مقاطعة محيطها العربى لها، فإنه لا يمكن القول بوجود مسار جديد فى التعامل مع إسرائيل، فالعلاقات المصرية ــ الإسرائيلية سارت وفق الأطر والحدود التى ترتبها اتفاقية السلام بين البلدين إلا أنها لم تسر منذ توقيع الاتفاقية فى 1979 على وتيرة واحدة، بل إن تطور هذه العلاقة اتخذ أشكالًا عدة نتيجة للشد والجذب الذى كان يحدث بينهما تأثرا بالأوضاع الإقليمية فى الشرق الأوسط والسلوك الإسرائيلى فى المنطقة وتسوية القضية الفلسطينية وقضية منع انتشار أسلحة الدمار الشامل. كما أنه على الرغم من وجود بعض الخلافات كانت هناك خطوط حمراء لا يمكن تعديها فى العلاقات بين البلدين، حرصًا على مصلحة كل طرف. لكن التحركات العربية حاليا تعتبرها إسرائيل مؤشرًا نحو مسار جديد فى العلاقات معها على أكثر من مستوى؛ انطلاقًا من تحقيق مصالح اقتصادية وأمنية للدول العربية، فرضتها التطورات التى يشهدها الشرق الأوسط. فكان الاتفاق النووى الإيرانى محفزًا للتقارب السعودى ــ الإسرائيلى، كما ظهرت اللقاءات بين عدد من المسئولين السعوديين العسكريين وأعضاء الكنيست الإسرائيلى للعلن معلنين أنها لتشجيع الحوار على مبادرة السلام العربية، كما اعتبر أن الإعلان عن التزام السعودية بتعهدات مصر بشأن حرية مرور إسرائيل بعد قضية تسليم جزيرتى تيران وصنافير لها، بأنها رسالة موجهة لإسرائيل لبدء مرحلة جديدة من العلاقات المباشرة. وجميعها تعد مؤشرات لمرحلة جديدة فى العلاقات مع إسرائيل.

تحديات عربية وفرص إسرائيلية

ما شهدته المنطقة من تغييرات حمل تهديدات فعلية لبعض دول المنطقة خاصة الدول العربية السنية مما دفعها لمحاولة وضع ترتيبات إقليمية جديدة قائمة على التعاون الإقليمى الاقتصادى والأمنى، ومن ذلك دمج إيران فى المجتمع الدولى ومنح شرعية لدورها الإقليمى عبر الاتفاق النووى، ومن ثم حاجة السعودية المتطلعة لقيادة إقليمية للحد من محاولات الهيمنة الإيرانية المنافسة لها، أيضًا هناك خفوت الدور الأمريكى فى قضايا المنطقة، فضلًا عن تزايد خطر الجماعات الجهادية ومشكلات تفكك الدولة القومية التى أصبحت تهدد كثير من الدول العربية. علاوة على ذلك، يضاف عبء المشاكل الداخلية، فمصر تحارب الإرهاب داخل المدن وفى سيناء، وتعيش أزمة اقتصادية، وامتدت الأزمات الداخلية لتطول الدول العربية النفطية. فالسعودية بإعلانها عن خطة اقتصادية تسمى «الرؤية العربية السعودية عام 2030»، والتى تهدف للحد من الاعتماد على النفط بحلول عام 2020 وتكييف الاقتصاد السعودى مع قواعد الاقتصاد الحديث، تحاول أن تتعامل مع التحديات الاقتصادية والأمنية التى فرضتها الاضطرابات الإقليمية. وبالتالى، تحقيق رؤية 2030 تمثل تحديًا للاستقرار الداخلى، كما أن الترويج للرؤية يشكل أيضًا تحديًا شخصيًا للأمير بن سلمان وخصومه داخل البيت الملكى.

***

كل ما سبق قد شكل تحديات دفعت بعض الدول العربية للمضى نحو تأسيس محور إقليمى يضم إسرائيل، لكن ما مدى خطورة هذه التهديدات من منظور الأمن القومى الإسرائيلى؟. نجد أن كل ما سبق من تحديات غيرت الوضع الجيوــ سياسى للدول العربية والذى يتعامل معه الداخل الإسرائيلى، حيث قدمت تلك التحديات فرصًا لتحسين البيئة الاستراتيجية المحيطة بالدول العربية، وذلك فى ضوء تراجع تهديدات الجيوش العربية بسبب التركيز على المشاكل الداخلية التى تعانيها تلك الدول بحسب تقارير محلليها. كما ساهم التدهور الأمنى فى تطوير التعاون الاستراتيجى معها، وساهم الموقف من إيران فى التقاء المصالح، كما أنها ليست حتى الآن على أجندة المنظمات الجهادية فى سوريا أو العراق أو سيناء، فضلًا عما لديها من قوة ردع وقدرات وإمكانات اقتصادية وعسكرية وتكنولوجية تمكنها من التعامل مع أى تهديدات. فقد ذكر «عاموس يادلين» رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق «أمان» فى تقدير موقف بعنوان «استعدادات إسرائيل لمواجهة التحديات الأمنية المتوقعة» بمعهد دراسات الأمن القومى، أن تفكك الجيشين السورى والعراقى وانشغال مصر بأوضاعها الداخلية مكن إسرائيل من تقليص نفقاتها الأمنية على خلفية اختفاء التهديدات التقليدية.

وتستمر كل التقديرات فى رؤيتها بأن ثمة شرق أوسط جديدًا يتشكل منطلقًا من مبادرات عربية وهو ما فشلت إسرائيل فى تحقيقه سابقًا مع رفض الدول العربية دعوات قديمة لـ«شيمون بيريس» نحو شرق أوسط جديد. كما ترى أن المبادرات العربية التقارب الآن ناجمة من مصالح عربية لكل دولة فرضها تغير الأوضاع الجيوــ سياسية بالإقليم؛ وهو ما يعنى وفقًا لإسرائيل أن التطبيع معها لم يعد دالة فى العلاقات الإسرائيلية ــ الفلسطينية، ولم تعد المحفز لعلاقات التطبيع وغير مرتبطة به بل بالمصالح الاقتصادية والأمنية لتلك الدول التى تسعى لخلق نظام إقليمى جديد من شأنه أن يشمل جهود تعاونية أكثر انفتاحًا مع إسرائيل من أجل الاستقرار الأمنى والرفاهة الاقتصادية فى المنطقة.

ومع ذلك فهذا لم يمنع التوظيف الإسرائيلى للتحركات العربية على أكثر من مستوى، فعلى مستوى القضية الفلسطينية نجد أن نتنياهو رحب بدعوة الرئيس السيسى جميع الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية لإحراز تقدم فى التسوية، وأبدى الرغبة فى المشاركة فى قمة القاهرة مع الرئيس السيسى والرئيس محمود عباس على أن تكون القمة جزءًا من جهد إقليمى لتجديد عملية السلام الإسرائيلية ــ الفلسطينية. أى استعداده لقبول المبادرات الإقليمية فى ظل رفضه الدائم لأى مبادرات دولية على غرار المبادرة الفرنسية التى مازال يعلن رفضه لها. فقد سبق وصرح عن رغبته فى خطوات كبيرة كجزء من مبادرة إقليمية من شأنها أن تفتح الطريق أمام إجراء محادثات مباشرة مع الدول العربية إلى جانب المحادثات مع الفلسطينيين وذلك خلال لقائه وزير الخارجية الأمريكى «جون كيرى» فى روما منذ فترة. وهو ما يستهدف منه تعزيز وضع إسرائيل كشريك إقليمى شرعى للدول العربية. لذا تعتبر التقديرات الإسرائيلية أن دخول المملكة العربية السعودية على خط التفاوض بين إسرائيل والفلسطينيين قد يشكل أهمية لجهة قدرتها على جذب حماس تجاهها، لرغبتها فى قطع الطريق على الدعم الإيرانى الذى يستخدم الورقة الفلسطينية عبر حماس، كما أن السعودية التى رفعت الميزانية الممنوحة للسلطة الفلسطينية فى يونيو 2015 من 14 مليون دولار إلى 20 مليون دولار سيتزايد تأثيرها على السلطة فى رام الله. لكن كل التقديرات تصب فى اتجاه معاكس عما تستهدفه التسوية، فقد صدرت دراسة عن معهد الأمن القومى والمعروف بقربه من دوائر صنع القرار ويترأسه «عاموس يادلين» The Palestinian Authority: A State Failure تستعرض الواقع فى الشرق الأوسط، قدمت فى توصياتها لصانع القرار أنه من الصعب فى ظل تزايد مؤشرات الدولة الفاشلة فى عدد من الدول العربية ــ والتى ترتبط بتهديدات يتوجب على إسرائيل الاستعداد لها ــ تأسيس دولة فلسطينية فاشلة ضمن عدة دول فاشلة بالمنطقة، تتحول هى الأخرى إلى بؤرة للتنظيمات الجهادية المنتشرة بالإقليم.

***

على جانب آخر، توظف إسرائيل علاقاتها بالعرب بجانب ما تقوم به من نشاط فى عدد من الدول الأفريقية مؤخرًا لمجابهة حملات نزع الشرعية الدولية والمقاطعة التى تتعرض لها والتى تعتبرها التحدى الحقيقى الذى تواجهه حاليًا. فقد صرح بنيامين نتنياهو على هامش منتدى دافوس الاقتصادى لمحطة CNN بأن الدول العربية تتعامل مع الصراع الفلسطينى ــ الإسرائيلى بواقعية أكثر من الاتحاد الأوروبى، كما صرح مدير وزارة الخارجية الإسرائيلية دورى جولد أثناء المؤتمر السنوى لمعهد دراسات الأمن القومى «بأن من يتحدثون عن عزلة إسرائيلية لا يعرفون عما يتكلمون» مشيرًا إلى زياراته لبعض الدول العربية بحسب صحيفة جيرروزاليم بوست.

بكلمات أخرى فإن إسرائيل تحاول أن تستفيد من التقارب العربى المنطلق من أرضية التهديدات الإقليمية والأزمات الداخلية التى لم تطل سوى الدول العربية السنية فى محاولة إثبات أن القضية الفلسطينية لم تعد محورية فى الشرق الأوسط وخرجت عن دوائر الاهتمام الإقليمى، ومن ثم لا معنى لحملات المقاطعة التى تتعرض لها إسرائيل دوليًا على خلفية تعنتها تجاه الفلسطينيين.

إجمالًا قد ترى الدول العربية أنها مدفوعة لذلك فى ظل وضع إقليمى مضطرب لتحقيق مصالحها انطلاقًا من قاعدة أنه لا يوجد أعداء دائمون بل مصالح دائمة، إلا أن الأمر سيظل مرهونًا شعبيًا وسياسيًا بخطوات ملموسة من جانب إسرائيل التى تتعامل مع محاولات إعادة إحياء مسار التسوية المقدمة من العرب من قبيل إدارة الصراع مع الفلسطينيين وليس حله.
هدى رءوف باحثة متخصصة في الأمن الإقليمي
التعليقات