الخدعة - عماد الغزالي - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 7:18 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الخدعة

نشر فى : الأحد 14 يونيو 2009 - 10:46 م | آخر تحديث : الأحد 14 يونيو 2009 - 10:46 م

على مدى أسبوعين ستطالعنا الصحف بصور بنات يبكين على صدور أمهاتهن من صعوبة الامتحانات، وسيصدر وزير التربية والتعليم ومعاونوه تصريحات متتالية يؤكدون فيها أن الامتحانات جاءت فى مستوى الطالب المتوسط، ثم أخبار عن عمليات غش جماعى وتسريب أسئلة فى عدة محافظات، برغم الاحتياطات الأمنية والسرية التامة التى أحاطت بها الوزارة عمليات طبع الأسئلة ونقلها، والتى نشرت الصحف تفاصيلها أولا بأول.

لاجديد فعلا، فالغش يجرى من عقود، ومازلت أذكر كيف كان أحدهم يمسك ميكروفونا يدويا ويعتلى سطح بناية قريبة من لجنة الامتحانات، ثم يبدأ فى إملاء إجابات الأسئلة واحدا تلو الآخر، قبل أن تهاجمه الشرطة ــ التى لسبب أو لآخر كانت تتأخر بعض الوقت ــ فيهرب منها ويحتمى بأحد البيوت.

الجديد فى الغش أنه زاد جرأة وحرفية وبجاحة، بعد أن صار اعتياديا ضمن سلوكنا العام، كالرشوة والابتزاز وتفتيح المخ.

لكن مايحيرنى فعلا هى حكاية مستوى الطالب المتوسط، إذ من المفترض أن يقيس أى امتحان قدرات الطلاب، وأن يميّز بين الطالب المتفوق والطالب العادى، والقاعدة المتبعة هى أن يخصص نصف الامتحان للطالب العادى، ونصفه الآخر للمجتهدين والمتميزين، وهكذا نقيس مستويات الذكاء والاستيعاب لدى الطلاب، فلماذا هذا الإصرار على حكاية الطالب المتوسط؟

يحيرنى أيضا هذا الغضب العارم الذى يجتاح أولياء الأمور والحالة الهستيرية التى تمسك بتلابيب الطلبة والطالبات إذا عجزوا عن إجابة سؤال أو اثنين فاقا قدراتهم؟

لدى اجتهاد فى المسألة أطرحه عليكم..

مع حالة الانهيار الشاملة التى أصابت المحروسة، والتى تبدت فى التعليم أكثر من أى مجال آخر، لم يعد للمدرسة ولا للمدرس وجود، وانكشفت تماما خدعة التعليم المجانى، وتجاوز إنفاق الأسر على التعليم أكثر من 50% من دخلها، وكان لافتا أنه فى الوقت الذى زادت فيه تكلفة التعليم وأعباؤه، فإن العائد منه تضاءل إلى حد العدم، وإزاء هذه الحالة العجيبة، جرى تعاقد غير مكتوب بين الدولة ومواطنيها، مفاده أنها ستمنحهم تعليما ضحلا وشهادات بلاقيمة، ولاشأن لها بعد ذلك بتوظيفهم، كل واحد وشطارته.

لهذا السبب، فإن الناس يشعرون بأن الحكومة تخدعهم إذا جاءت الأسئلة «صعبة حبتين»، أى ليست فى مستوى الطالب المتوسط، فيثورون ويغضبون ويعتدون على المراقبين، وفى حالات عدة احتجزوهم كرهائن، إذ مادامت الدولة لاتعلمهم ولاتوظفهم، وتتركهم نهبا لأباطرة الدروس الخصوصية، فلماذا حرق الدم والأعصاب.

هذا هو السيناريو المعتاد، والذى جرى طوال السنوات الماضية وسيتواصل بنجاح هذا العام والذى يليه، مادام منطق الشطارة والفهلوة هو السائد، ومادامت حالة التواطؤ المخزية بين الناس والحكومة مستمرة، والمستفيد الوحيد هو عبقرى الكيمياء وصاروخ الفيزياء وفيثاغورث الرياضيات وفلتة الفلسفة، أصحاب الملخصات، الذين حولوا الطلبة إلى حمير تحمل أسفارا. 
 

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات