الفساد كأسلوب حياة - عماد الغزالي - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 3:02 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الفساد كأسلوب حياة

نشر فى : الإثنين 14 أبريل 2014 - 6:05 ص | آخر تحديث : الإثنين 14 أبريل 2014 - 6:05 ص

يقول علماء إن صحراء مصر ترقد على كنز هائل من مياه جوفية تكفى لزراعة ملايين الأفدنة، ويزعم آخرون أن باطنها يخفى بحيرات شاسعة من النفط والغاز الطبيعى، وهذا كله مما يختلف عليه أهل الاختصاص، وتعوزه الأدلة والبراهين، لكنك لن تجد من يخالفك حين تقول إن مصر تسبح فى بحر من الفساد، وأنه ــ الفساد ــ صار جزءا من بنية الدولة، وأسلوب حياة معتمد لدى غالبية المصريين.

أحيلك هنا إلى مؤشر الشفافية العالمية لقياس الفساد فى العالم والذى صدر فى العام الماضى، واحتلت مصر فيه المركز 114 بين 177 دولة، وهو تقريبا نفس الموقع الذى احتلته فى العام الذى قبله، ما يعنى أن أشياء كثيرة تتغير فى واقع المصريين، ويبقى الفساد فى موقعه دون تغيير.

ينبغى الإشارة هنا إلى أن هذا المؤشر لا يقيس كل أشكال الفساد، وإنما يقتصر على أداء القطاع الخاص وعلاقته بالجهاز الحكومى، خصوصا الرشاوى والعمولات التى يدفعها رجال الأعمال لتسيير اعمالهم، ما يعنى أن هذا المؤشر يفيد فقط المستثمرين سواء كانوا حكومات أو أفرادا، لكنه لا يقدم صورة كاملة عن الفساد الذى أعنيه: «الفساد كأسلوب حياة».

الفساد الذى أقصده هو ذاك الذى يسمح باستيراد أغذية فاسدة ولحوم مسرطنة تجلب الموت للناس بدلا من أن تسد جوعهم، هو الذى يسمح بابتلاع الأرض الزراعية وتجريفها ويزيد الفجوة الغذائية اتساعا، هو الذى يمنح تراخيص تعلية لأشخاص بالمخالفة لشروط البناء والمعايير الهندسية المتبعة، هو الذى يمنحك رخصة قيادة على الرغم من أنك لم تجلس خلف مقود سيارة مرة واحدة فى حياتك، هو الذى يمنحك وظيفة لا تستحقها ويحرم منها آخرين اكثر منك جدارة وموهبة، هو الذى يسمح باستيراد أجهزة ومعدات «معيوبة» يتم تكهينها فور استلامها برغم أن شهادات الصلاحية تؤكد جودتها، هو الذى يمنح بعضهم ملايين الأمتار لإقامة مشروعات صناعية وهو يعلم أن نصفها سيدخل «كردون المبانى» بعد شهور قلائل، هو الذى يسمح باستيراد أدوية مغشوشة ويصنّع بدائل خالية من المادة الفعالة، فيقرب المرضى من الموت بدلا من ان يعدهم بالشفاء، هو الذى يخفى سجل قضية من محكمة فيشوش معالمها ويضيع حقوق الناس، ويجعل الجانى بريئا ويضع المجنى عليه خلف القضبان، هو الذى يمكّنك من الحصول على عدة بطاقات شخصية بوظائف ومهن مختلفة وكلها سليمة ومختومة بخاتم النسر، ويعينك على ممارسة كل أشكال النصب والاحتيال دون أن تطالك يد القانون، هو الذى يستفيد من تمدد العشوائيات واحتلال الباعة الجائلين للشوارع والميادين وسيادة قوانين الميكروباص على حركة المرور.

هل تكفيك هذه الأمثلة؟

أعرف طبعا أن الفساد ظاهرة عالمية، وأن أكثر دول العالم تقدما وديمقراطية لا تخلو منه، وأنه لدينا يرتبط بغياب القانون وبالانتقائية فى تطبيقه، فضلا عن مجموعة أسباب أخرى تتعلق بالفقر والتقافة المجتمعية والفشل الإدارى والعلاقة الملتبسة بين سلطات الدولة.

أعرف أيضا انه من الحماقة توقّع القضاء على الفساد كليا، وأن أقصى ما نطمح إليه خلال السنوات المقبلة هو تخفيف حدته، بتأكيد سلطة القانون على الكبير قبل الصغير، واعتماد آليات فعالة للرقابة والمحاسبة والشفافية.

غاية ما أتمناه أن يصبح الفساد مع رئيس جديد نختاره بعد شهور قلائل، عرضا استثنائيا، لا أسلوب حياة.

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات