المظاهرات الإيرانية وما تحمله من تحديات - هدى رءوف - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 2:37 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المظاهرات الإيرانية وما تحمله من تحديات

نشر فى : الأحد 14 يناير 2018 - 9:50 م | آخر تحديث : الأحد 14 يناير 2018 - 9:50 م

اندلعت مظاهرات إيران لتعكس مرحلة يدفع فيها النظام الإيرانى تكلفة مشروعات الهيمنة والطموح الإيرانى فى المنطقة. وهذا تحديدا ما يجعل المظاهرات الحالية تختلف عن مثيلتها التى شهدها عام 2009. وذلك على مستوى الهتافات التى رفعها المتظاهرون أو نطاق المظاهرات وحتى تعاطى النظام الإيرانى والسياق الدولى معها أو التحديات التى تفرضها فى مواجهة النظام. ونحاول فى هذا المقال الوقوف على أهم هذه الاختلافات.

فقد شهدت إيران عام 2009 مظاهرات واسعة عرفت بالحركة الخضراء انطلقت من المدن الكبرى احتجاجا على نتائج الانتخابات الرئاسية التى أتت بأحمدى نجاد لولاية ثانية وخرجت المظاهرات المنددة بالنتيجة رافعة شعار «أين صوتى» وهى الاحتجاجات التى اعتبرت فى مواجهة التيار المتشدد الذى ينتمى إليه نجاد. وقد تمكن النظام من قمع المظاهرات من خلال قوات الحرس الثورى. وكان أهم رموز التيار الإصلاحى المرتبطة بالاحتجاجات مير حسين موسوى ومهدى كروبى اللذين اعتقلا على إثرها. ولم يكن الموقف الدولى متوافقا مع قدر القمع الذى تعرض له المتظاهرون. ففى ذلك التوقيت كانت إدارة أوباما تفتح حوارا مع النظام فى إيران فى محاولة لاحتوائه وتسوية الملف النووى الإيرانى. وهو ما جعل ردة الفعل الأمريكية وصفت بالسلبية.

***

أما احتجاجات 2017 فقد شهدت سياقا محليا وإقليميا ودوليا مغايرا. فاليوم إيران وقعت الاتفاق النووى JCPOA مع دول (5 +1)، والتى كان يبشر بها حكومة حسن روحانى بأنها ستغير الوضع الاقتصادى الداخلى، وعلى الرغم من توقيع العديد من الاستثمارات بمليارات الدولارات مع الدول الأوروبية إلا أن الوضع الداخلى لم يتحسن، ونتيجة لذلك شهدت الانتخابات الرئاسية الإيرانية التى عقدت فى مايو 2017 منافسة بين المرشحين من مختلف التيارات على أساس القضايا الاقتصادية. وقد اختار الناخبون المحبطون من أزمات البطالة المزمنة ومعدلات التضخم المرتفعة روحانى تجنبا لتوجه المجتمع للتشدد أكثر فى حال انتخاب مرشح التيار المتشدد، وأملا فى تحرك المجتمع نحو مزيد من الحريات والتى لم تتحقق خلال ولاية روحانى الأولى. وقبيل ذلك طلب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية من أحمدى نجاد تجنب ترشحه تفاديًا لأى انقسام فى المجتمع كتلك التى شهدها فى 2009. وعلى الرغم من ذلك لم يمنع الوضع الاقتصادى المتأخر والتفاوت الطبقى الشديد من اندلاع احتجاجات واسعة النطاق فى كثير من المدن.

واتسمت الاحتجاجات هذه المرة بانطلاقها اقتصادية ثم تحولها إلى الشأن الخارجى تنديدا بالسياسة الخارجية الإيرانية فى الإقليم والتى يدفع تكلفتها المواطن الإيرانى، سواء بالضغوط الأمريكية والإقليمية فى مواجهة السلوك الإقليمى الإيرانى المتمدد أو بتوجيه مخصصات الموازنة لصالح المؤسسات الدينية والحرس الثورى ذى النشاط الإقليمى.

ونلحظ تباين ردة الفعل لكل من التيارين الإصلاحى والمتشدد منذ بدء الأزمة، ففى حين اعتبر تيار روحانى أن المظاهرات خرجت بدفع من التيار المتشدد للضغط على حكومته، اعتبرها المتشددون دليل فشل سياسات روحانى، إلا أن توجيه الهتافات فى مواجهة المرشد ورئيس الجمهورية معا قد دفعت ردود الفعل إلى اعتبارها موجهة بفعل قوى خارجية وإنكار لتردى الأوضاع داخليا.

***

أما عن التحديات التى تحملها المظاهرات الآن فى مواجهة النظام الإيرانى، فهى تتجاوز برنامج روحانى بل تتعداه إلى مواجهة النظام ككل. فالهتافات التى تراوحت ما بين المجالات المعيشية للمواطنين والسياسة الخارجية مرورا بالرموز المقدسة للنظام السياسى الإيرانى وهو المرشد، أى المساس بأسس الجمهورية الإسلامية – ولاية الفقيه ــ نجد أن التحديات كبيرة فى مواجهة النظام، وبالتالى من الممكن أن تتجه الحكومة إلى تقديم بعض الجهود لتحسين المستوى المعيشى للمواطنين أو الإفراج عن بعض المسجونين والطلاب، وتحرير بعض الحريات أو سيضاعف روحانى جهوده لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية وهو أمر يعد من أهم المعضلات التى تواجهه وذلك لأن الحرس الثورى الذى يسيطر على الاقتصاد الإيرانى لن يسمح بتسهيل وجود استثمارات أجنبية تنافسية أو لأن الشركات الأجنبية ستتردد فى الاستثمار داخل إيران التى تشهد حاليا حالة من عدم اليقين.

ليس هذا فحسب بل هناك أيضا تحدى مشروعات الهيمنة الإقليمية التى بات المواطن الإيرانى متيقنا أنه يدفع تكلفتها. فهل هذه الاحتجاجات ستدفع المرشد وذراعه من قوات الحرس الثورى إلى تغيير سياستهم الإقليمية والتى هى جزء من الطموحات الإيرانية لملء فراغ القوة فى الإقليم واستعادة أحلام الإمبراطورية الفارسية.

جانب آخر من التحديات التى يواجهها النظام، هو اندلاع المظاهرات من الأقليات غير الفارسية، فإيران دولة متعددة الأعراق (الأذربيجانيين، الأكراد، والعرب والتركمان والبلوش)، هذه العرقيات لديها ارتباطات قومية ودولية، وتبرز أوضاعها عموما عدم المساواة التى تحددها الانتماء للشيعية والفارسية والأقليات الأخرى التى ليس لديها هذه الخصائص. وبالتالى تمرد هذه الأقليات قد يثير مخاطر أخرى تهدد وحدة الدولة الإيرانية. فتعدد دول الجوار أضاف أعباء على الأمن القومى الإيرانى فهى مطالبة بالدفاع عن أمنها فى مواجهة تركيا ودول الخليج ودول آسيا أى أن يكون لها أكثر من نظام أمنى، الأمر الأخطر هو أن الكتلة السكانية الأساسية وهى الفرس مرتكزة فى الهضبة الإيرانية أى وسط الدولة فى حين تتوزع على حدود الدولة بقية السكان ذات الصلة بالأعراق الممتدة داخل الدول المجاورة لإيران.

***

آخر هذه التحديات يرتبط بالموقف الأمريكى، فقد صوت الكونجرس على قرار يؤيد الاحتجاجات ويحث على استخدام سلاح العقوبات ويطالب الإدارة الأمريكية بعقد جلسات فى مجلس الأمن وحقوق الإنسان لوضع آليات لمراقبة انتهاك حقوق الإنسان. كما تزامنت التظاهرات الإيرانية مع موعد توقيع الرئيس الأمريكى على قانون تفويض الدفاع الوطنى (NDAA) 2012 والذى بموجبه يمد إعفاء العقوبات المفروضة على إيران وإبراز مدى التزامها بالاتفاق النووى، وقد وقع دونالد ترامب على مد الإعفاء بعد اجتماعه بمسئولى السياسة الخارجية ومسئولى الأمن القومى فى إدارته. حيث يعد عدم استمرار تخفيف العقوبات انتهاكا للاتفاق النووى مع طهران. ولطالما انتقد ترامب الاتفاق وهدد بإلغائه وتزايد انتقاده مؤخرا فى ظل احتجاجات طهران، ويذكر أنه قد يمنح الأوروبيين والكونجرس فرصة لتحسين الاتفاق أو الانسحاب منه، ويتوقع أن يتم تعديله بتضمين برنامج الصواريخ الباليستية أيضا. وتستخدم الولايات المتحدة ورقة أخرى للضغط على طهران بعيدا عن العقوبات المرتبطة بالاتفاق النووى، فيمكنها تشديد العقوبات فيما يتعلق بملفى حقوق الإنسان والصواريخ الباليستية، وفرض عقوبات على شخصيات وكيانات مرتبطة بالنظام الإيرانى. فقد أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية أن لديها السلطة لمراقبة ومحاسبة مرتكبى العنف ضد المتظاهرين، كما وافقت الولايات المتحدة على فرض عقوبات على خمسة كيانات مقرها إيران أعلنت أنها مملوكة أو تسيطر عليها شركة صناعية مسئولة عن تطوير وإنتاج الصواريخ الباليستية التى تعمل بالوقود الصلب الإيرانى.

الأيام القليلة القادمة ستوضح إلى جانب الأداة القمعية والاعتقالات، ما هى حدود التنازلات التى سيقدمها النظام لإخماد المظاهرات التى يعكس استمرارها اهتزاز شرعيته أمام العالم. فى الأغلب لن تؤدى المظاهرات إلى تغيير فى السلوك الإقليمى الإيرانى لأنه مرتبط بإدراك النخبة السياسية الإيرانية لدورها فى المنطقة والعالم. لكن من المتصور تقديم مزيد من الحريات للنساء والإفراج عن بعض المسجونين، ومعاقبة المتورطين فى قضايا فساد وذلك بالتنسيق بين التيارين المتشدد والإصلاحى للخروج من الأزمة. لكن من المؤكد أن روحانى هو أهم الخاسرين فى المشهد، حيث فقد جزءا كبيرا من قاعدته الشعبية الداعمة باعتباره رجلا إصلاحيا، وذلك على خلفية عدم تحقق أى من وعوده، واتباعه سياسة برجماتية لتخفيض التوتر مع الحرس الثورى.

هدى رءوف باحثة متخصصة في الأمن الإقليمي
التعليقات