العرب وأفريقيا - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العرب وأفريقيا

نشر فى : الأربعاء 13 أكتوبر 2010 - 9:40 ص | آخر تحديث : الأربعاء 13 أكتوبر 2010 - 9:40 ص

 بدأ الاهتمام العربى بأفريقيا فى إطار حركة عدم الانحياز وانعقاد مؤتمر آسيوى أفريقى فى باندونج، أبريل 1955. وفى الجانب الاقتصادى قادت إسرائيل التحرك العربى فى الداخل والخارج. فعندما طال تلكؤ عملية إقامة الوحدة الاقتصادية العربية التى أقرت فى 1957، طالب ضباط مكاتب الاتصال لمكاتب المقاطعة الإقليمية للكيان الصهيونى فى أوائل 1960 بالتعجيل بالوحدة الاقتصادية والتنسيق الصناعى، بعد أن شعروا بضعف جدوى المقاطعة العربية، وضرورة اتخاذ خطوات إيجابية لبناء اقتصاد عربى قادر على مقاطعة المنشآت التى تتعامل مع الكيان الصهيونى. وفى أوائل 1961 استجاب المجلس الاقتصادى بجامعة الدول العربية لطلب اتحاد الغرف التجارية العربية بتشكيل بعثة تزور عددا من الدول الأفريقية بغرض تنمية أوجه النشاط الاقتصادى والفنى والعسكرى ومنع التغلغل الإسرائيلى فيها، على أن تعاونها الأمانة العامة للجامعة وسفارات وقنصليات الدول العربية لدى الدول التى تجرى زيارتها.

وأقر المجلس (قرار 197/ يونيو 1962) توصيات البعثة بتدعيم الخطوط الملاحية العربية إلى غرب أفريقيا وتكثيف نشاطها، ومد المؤسسات المالية العربية نشاطها إلى أفريقيا مع إشراك رأس المال الأفريقى، ومد شركات المقاولات العربية نشاطها إلى البلاد الأفريقية، وقيام الشركات والمؤسسات الصناعية العربية بدراسة إمكانيات إنشاء مؤسسات صناعية فى أفريقيا بمشاركة رءوس أموال المواطنين والمغتربين العرب، وإنشاء مصافٍ للبترول على شواطئ البلدان الأفريقية، وإقامة شركات تجارية فيها وعقد اتفاقيات تجارية معها. كما أوصى المجلس بتنمية الصلات الثقافية مع البلاد الأفريقية بشتى الطرق والوسائل، وتعزيز السياحة المتبادلة. كما أكد وضع خطة محكمة لتوثيق العلاقات بين الدول العربية والأفريقية باعتبارها ميدانا رئيسيا للصراع فى المستقبل بين الدول العربية وإسرائيل فى المجال الاقتصادى، بما فى ذلك تنظيم تقديم المعونات المالية والفنية والعلمية لها، بصورة ثنائية أو عن طريق الجامعة.

من جهة أخرى دعا إلى تتبع محاولات ربط دول أفريقية بمنظمات السوق الأوروبية المشتركة فى الوقت الذى تعمل إسرائيل على الارتباط بها، وكذلك تعزيز الصلة باللجان الاقتصادية الإقليمية للأمم المتحدة لمواجهة سعى إسرائيل لتوثيق صلاتها من خلالها بالدول الأفريقية والآسيوية. وفى ديسمبر 1963 أوصى المجلس الحكومات والهيئات الخاصة العربية بالمساهمة فى حصة 30% المفتوحة للاكتتاب فى رأسمال البنك العربى الأفريقى المنشأ بين مصر والكويت لأن نشاطه يمكنه من العمل فى السوق الأفريقية لمنافسة المؤسسات الإسرائيلية المماثلة.

وهكذا مضت الفزاعة الإسرائيلية تستنفر القرارات العربية دون أن تستفز بالضرورة جهودا على أرض الواقع. أذكر أنه فى 1964 حينما كنت أعمل أستاذا فى معهد التنمية الاقتصادية والتخطيط لأفريقيا الذى أنشأته الأمم المتحدة فى دكار (السنغال) أن أقام مدير المعهد (وكان شابا من داهومى/ بنين) حفلا سلمه فيه السفير الإسرائيلى مجموعة من المطبوعات المتعلقة بالتخطيط والتنمية فى إسرائيل، واحتججت عليه لأن المعهد يضم فى مجلس إدارته ممثلين لدول عربية/أفريقية فى حالة حرب مع إسرائيل. وعقبها زار د. حسين خلاف (رحمه الله) دكار كوزير للثقافة، وطالبته بأن تقوم مصر بتزويد المعهد بوثائق مصرية، وطلب منى كتابة مذكرة بذلك. ولا أريد الاسترسال فى القرارات التى ربطت توثيق العلاقات العربية الأفريقية بالتحذير من «التغلغل» الإسرائيلى (الذى يبدو أنه سيتوقف قريبا)، ولكنها كعادة العرب ظلت بدون آليات فعالة للتنفيذ والمتابعة والمراقبة، اللهم إلا أن يلقى على عاتق العاملين فى الأمانة العامة للجامعة بالمتابعة ورفع التقارير للسادة الوزراء الذين يجتمعون كمجلس، ثم يلقون نظرة على أوراق تضيق بها صدورهم، فسرعان ما يقرروا فض المجلس.

وحينما تقرر عقد قمة عربية أفريقية فى القاهرة منذ ثلث قرن، كان نصيبى منها ــ كوزير للتخطيط ــ مرافقة ممثل بوروندى، ولم أسمع شيئا عن نتائج المؤتمر، ربما لأنه تقرر الإفراج عنى من الاستوزار عقبه بقليل. فإذا كانت هناك علاقة بين الأمرين فإننى أحمد الله عليها.

وبمناسبة عقد قمة ثانية فإن هناك ملاحظات جديرة بالتأمل قبل انعقادها، ولعلها تبقى صالحة لما بعدها. الأولى هى مفهوم القمة، لأن أى قمة تمثل الجزء العلوى من كيان محدد، بضم بالنسبة لمنظومة إقليمية رؤساء أعضائها. فالقمة العربية هى مجلس جامعة الدول العربية منعقدا بعضوية رؤساء تلك الدول. أما فى حالة أفريقيا فالمفترض أن تكون المنظومة هى منظمة الوحدة الأفريقية التى تطورت على الورق إلى ما يسمى الاتحاد الأفريقى. الأمر الثانى يستوجب من الناحية الإجرائية أن تُجرى أعمال تسبق اجتماع القمة تحضيرا له، وأخرى تليه تنفيذا لما ارتآه. أما من الناحية الموضوعية ــ وهى الأهم فى أى نشاط بشرى ــ فلا بد من تكليف بعض ذوى الاختصاص بإعداد المادة التى تعرض على السادة الرؤساء، يحتارون عادة من بين المسئولين فى الأجهزة التى تضمها المنظومة أو خبراء، سواء كانت دائمة أو عارضة فى شكل لجان وتكليفات لهيئات تشكل لأداء مهام محددة.

غير أن انعقاد القمة لأكثر من منظومة يستدعى إعدادا تشارك جميعا فيه. وهنا يكون السبق للأمور الموضوعية لأن اللقاء يدور حول موضوعات تستدعى لقاء بين منظومتين أو أكثر يجرى الاتفاق على عناوينها، ثم على كيفية الإعداد لها كى تطرح على اللقاء المشترك، أخذا فى الاعتبار الإمكانيات المتاحة للتنظيمات القائمة لتنفيذ ما يترتب على القرارات بشأنها، وإقامة ما يلزم لذلك من ترتيبات. وحتى يكون للقاء جدوى، يجب أن تكون أوضاع كل من المنظومتين مستقرة، وأن يكون لدى كل منهما رؤية واضحة عما ينتظره فى المستقبل، بوجه عام، وعما يواجه كلا منهما من تحديات، وما يكون بوسعهما أداءه بصورة مشتركة لتعزيز قدرة كل منهما على حلها.

فأين نحن الآن من هذا؟ فى الوقت الذى يعد فيه للقمة المشتركة، يعقد العرب قمة تحدد مسار وهيكل تجمعهم، بل واسمه الذى يقال إن مبارك يطبق عليه قاعدة الاستقرار بإبقائه «جامعة الدول العربية» حتى وإن أدت المراجعة إلى تغييرات مهمة فى تكوينها ومهامها، حتى لا نخدش تاريخها المجيد، ربما تحسبا للمقولة القانونية الشهيرة «يبقى الخل ــ أقصد الحال ــ على ما هو عليه».

أما الاتحاد الأفريقى، فدعونا نبحث عن دولة أولا (ومنها دول عربية) وعن تجمعاته الإقليمية ــ بما فيها الكوميسا ــ ثانيا، ونتساءل عن مآل مبادرة التنمية المسماة النيباد. وأخيرا لعلنا نأخذ فى اعتبارنا الجارة العزيزة أوروبا، ومصير اتحادها الذى اتخذناه نموذجا يحتذى دون إدراك كيفية اختلاف بين تجمع لدول تشاركت معا فى صنع تقدمها، وشاركتنا فى صنع تخلفنا. وعلينا أن نناقش أوضاع كل من التجمعات الثلاثة، بدءا بالتجمع العربى، آخذين فى الاعتبار الموقف من الفزاعة التى يبدو أن المخاوف منها هدأتها المبادرة العربية التى أحيت مهزلة المفاوضات التى بدأت فصولها منذ عقدين، ويبدو أنها ستكون القاسم المشترك فى علاقات التجمعات الثلاثة.

اعتذار وتصويب
ورد فى بداية الفقرة الأخيرة من المقال السابق: «وبدأت الحقبة الجديدة فى أبريل 1968» وصحة التاريخ 1974.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات