بعد العاصفة - عماد الغزالي - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 7:51 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بعد العاصفة

نشر فى : الإثنين 13 يوليه 2015 - 11:40 ص | آخر تحديث : الإثنين 13 يوليه 2015 - 11:40 ص

انقشعت أزمة المادة 33 من قانون مكافحة الإرهاب أو كادت، ويسير الاتجاه الآن نحو تغليظ العقوبة المالية، لتصل الغرامة إلى 500 ألف جنيه فى حدها الأقصى و250 ألف جنيه فى حدها الأدنى، على من «ينشر أو يذيع بأى وسيلة، معلومات عن الجرائم الإرهابية تتناقض مع المعلومات الرسمية».

حسنا فعلت الحكومة باستجابتها لرغبة الجماعة الصحفية بإلغاء الحبس وزيادة الغرامة، التى أتمنى أن تكون رادعا لحالة الفوضى والعك التى تتزايد باضطراد مزعج، حتى بات الإعلام المصرى مرادفا للبذاءة والعشوائية وفقدان المهنية.

والحقيقة أننا ومنذ ثورة 25 يناير، نئن تحت وطأة حالة من القصف الإعلامى المتواصل، موجات متوالية من الشائعات والأكاذيب والحقائق المبتورة.

للتذكرة: الأمن يقصف المتظاهرين فى محمد محمود بالأسلحة الكيماوية فيقتل ويصيب 900 ــ احتجاز مئات المتظاهرات فى سجون سرية بالمتحف المصرى وإجراء كشوف عذرية عليهن – جهات سيادية وضعت الخطة 100 لتهريب السجناء وإرهاب الثوار – الإمبراطورية الاقتصادية للجيش تسيطر على أكثر من 60% من الاقتصاد المصرى – فتنة بين المسلمين، والأقباط بعد بناء كنيسة فى جزيرة الماريناب بأسوان – الأمن يسحل أهالى الشهداء فى احتفالية بمسرح البالون.. وأخيرا: مقتل أكثر من 70 من أفراد الجيش المصرى وأسر العشرات بأيدى مقاتلى داعش وإعلان «ولاية سيناء» سيطرتها الكاملة على الشيخ زويد.

هذه مجرد عينة من مئات الأكاذيب التى استنزفت جهدنا وطاقتنا طوال السنوات الأربع الماضية، تبثها ماكينة شيطانية تعمل لحساب أطراف إقليمية ودولية عدة، ما زالت تواصل عملها وتتناقل الصحف والمواقع الإخبارية سمومها بلا خجل، برغم أننا تأكدنا من أن حكاية الأسلحة الكيماوية – فضلاً عن مجافاتها للمنطق – كان مصدرها طبيب مزيف حاصل على بكاوريوس تجارة ومقيم بالمستشفى الميدانى بالتحرير، وأن الخطة 100 أكذوبة اخترعها البلتاجى للتغطية على مؤامرة الإخوان لتهريب مسجونيها، وأن حجم مشروعات الجيش ضمن هيكل الإقتصاد المصرى لايتجاوز 2%، وأن الماريناب لم تكن بها كنيسة أصلا، أما حكاية سحل أهالى الشهداء فى مسرح البالون، فقد رواها لى الدكتور عماد أبوغازى وزير الثقافة آنذاك ونشرتها فى حينه، وكذبت روايته كل ما نشر حول هذا الموضوع، وأخيرا كانت عملية الشيخ زويد التى تناقلتها المواقع نقلاً عن مصدر مجهول لوكالة الأسوشيتدبرس، واتضح أنها كاذبة جملة وتفصيلاً.

طبعا هناك مشكلة فى حرية تداول المعلومات، ومشكلة ثقة بين المصادر الرسمية والصحفيين، لكن ذلك لا يمكن أن يكون مبررا للضرب بالمعايير المهنية عرض الحائط، ولا أن تتحول الصحف من مصادر موثوقة للأخبار، إلى تابع يلهث خلف تدوينات النشطاء على تويتر وفيسبوك، ومعظمها مغرض وموجه، فإذا أضفت إلى هذا كماً هائلاً من الأخبار المجهلة، والاحتفاء ببيانات لجماعات وأشخاص لا وزن لهم، بهدف إرباك المشهد العام وإثارة أكبر قدر من القلاقل، أمكنك أن تعرف حجم المشكلة.

الحديث عن أن كل الإعلاميين شرفاء، دعاية انتخابية قد يمارسها عضو نقابة بهدف حصد مزيد من الأصوات، أما نحن فنعلم أننا لسنا مجتمعا من الملائكة، كأى مهنة بيننا الصالح والطالح، أما ما استجد فى أعقاب السنة السوداء لحكم الإخوان، فهو أن صار بيننا من يسعى لهدم الدولة وعرقلة مشاريعها، وإشاعة أكبر قدر من اليأس والإحباط فى نفوس الناس.

صار بيننا من يسعده تفجيرمحولات الكهرباء وقطع خطوط الغاز والمياه، وتنفرج أساريره شماتة فى شهداء الوطن من جنود الجيش والشرطة والقضاء ممن يسقطون ضحايا لعمليات إرهابية خسيسة، وهذا فعل خيانة لا صلة له بنقد النظام أو معارضته.

أتمنى أن تكون هذه الأزمة بداية لتصحيح المسار، وإذاكنا انتفضنا دفاعا عن حريتنا، فنحن مطالبون بانتفاضة مماثلة تعيد الاعتبار للمعايير الأخلاقية والمهنية، والتى أدى غيابها إلى تدهور حاد فى الإعلام المصرى، فى زمن باتت الصراعات الدولية تدار عبر الفضائيات والوسائط الإلكترونية.

هامش:
فى عام 1904، قضت المحكمة بالتفريق بين الشيخ على يوسف صاحب جريدة المؤيد وزوجته السيدة صفية السادات لعدم التكافؤ، إذ لم يكن لائقا أن يتزوج شخص يمتهن مهنة حقيرة – جورنالجى ــ بابنة الشيخ السادات، وهو من الأشراف، لكن فيما بعد، صارت الصحافة مهنة عظيمة حين انتسب إليها كتاب ومفكرون عظام من عينة توفيق دياب والتابعى وطه حسين، وهيكل وإحسان عبدالقدوس والحمامصى والأخوان مصطفى وعلى أمين، وبهاء وعشرات غيرهم.
يا أصدقائى: المهن بأصحابها.

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات