صمت الرئيس - ضياء رشوان - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 3:50 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صمت الرئيس

نشر فى : الإثنين 13 يوليه 2009 - 9:49 م | آخر تحديث : الإثنين 13 يوليه 2009 - 9:49 م

 فى جميع النظم السياسية على اختلافها ما بين رئاسية وبرلمانية ومختلطة، يكون هناك دوما شخص على قمة النظام السياسى تتجمع فى يديه الحزمة الأكبر من السلطات والصلاحيات التى تجعله الرجل الأول فى البلاد سواء كان لقبه رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء. وقد جرت العادة فى جميع هذه النظم على اختلاف أنواعها من ديمقراطية أو استبدادية أن يكون هناك مكان ما للشعوب التى تحكمها فى العملية السياسية. ففى النظم الديمقراطية تقوم هذه الشعوب بانتخاب نظمها بصورة حرة وتظل بعد ذلك حاضرة تراقب عمل من انتخبتهم، والذين يظلون بدورهم حريصين على أن يطلعوها على القرارات الكبرى التى يتخذونها قبل إقرارها بصورة نهائية. وفى معظم النظم الاستبدادية حيث تنتزع فئات سياسية أو اجتماعية الحكم دون إرادة شعبية حرة، يتحول الشعب إلى موضوع للتعبئة السياسية التى يتوجه بها إليه النظام المستبد من أجل حشده حوله لتأييد سياساته ومساندة مواقفه. وفى الحالتين، سواء الديمقراطية أو الاستبدادية، يكون لرئيس النظام دور مهم فى إقناع الرأى العام أو تعبئته حول سياساته وتوجهاته، وفى الحالتين أيضا تكون هناك عملية مخاطبة وتواصل من النظام ورئيسه إلى الشعب الذى يحكمه تحمل معلومات ورؤى بغض النظر عن صحتها أو دقتها بهدف تعريفه بالحقيقة ومعرفة رأيه أو تعبئته وحشده حول ما يريده النظام.

أما فى مصر، فالحال يختلف عن كل ما يعرفه العالم من تقاليد ديمقراطية أو استبدادية فيما يخص العلاقة بين النظام السياسى ورأسه وبين المصريين بما يؤكد النتيجة التى يخلص إليها معظم الدارسين والمحللين بأنه نظام فريد من نوعه يستعصى على التصنيف والتعريف. فالادعاء الدائم للنظام أنه ديمقراطى منتخب وأن حزبه الوطنى هو بالفعل صاحب الأغلبية بين المصريين وأنه فى كل ممارساته التشريعية والتنفيذية يصدر عما تريده هذه الأغلبية التى يحسن قراءة مطالبها ويعبر عن طموحاتها، فى حين أن الواقع يؤكد على عكس ذلك تماما. فالنظام السياسى المصرى لا يهتم بالمصريين وبآرائهم باعتبارهم «رأيا عاما» يستحق المخاطبة الشفافة والإقناع من أجل الحصول على تأييدهم لسياساته وتوجهاته ولا باعتبارهم «كتلة جماهيرية» يمكن تعبئتها وحشدها وراء هذه السياسات والتوجهات. والحقيقة أن هذا التجاهل والإهمال للمصريين، أيا كانت نظرة النظام إليهم، يتركز أكثر فى القضايا الداخلية عنه فى القضايا والموضوعات التى تتعلق بالسياسة الخارجية. ففيما يخص تلك الأخيرة يتبع النظام بكل أركانه وأدواته إستراتيجية التعبئة الإعلامية والسياسية بكل عناصرها المعروفة فى النظم الاستبدادية ساعيا لاستثارة الحمية الوطنية لدى المصريين والتلاعب بها وتوظيفها فى مساندة سياساته وقراراته التى لم يستشرهم قط بشأنها.

أما فى القضايا الداخلية فإستراتيجية النظام تقوم بالكامل تقريبا على تجاهل المصريين واتباع منهج الصمت تجاههم وتركهم نهبا للشائعات والتوقعات والتخمينات دون أى تدخل فى أى لحظة قبل اتخاذ القرارات أو إقرار السياسات لتعريفهم بما هو مقدم عليه. وقد تكرر هذا التجاهل وهذا الصمت عشرات المرات خلال الأعوام العشرين الأخيرة إزاء عديد من القرارات والسياسات الجوهرية التى لم يكن المصريون طرفا فى اتخاذها أو إقرارها وكانوا دوما فى موضع المتلقى لها بصورة مفاجئة وفى التوقيت الذى يختاره النظام وليس هم. وفى كل هذه المرات كانت وسائل الإعلام والمنتديات السياسية تمتلئ بالنقاشات الساخنة والشائعات الكثيفة التى تتحدث عن سيناريوهات مختلفة لقرارات وسياسات يقال إنها تعد بداخل النظام، دون أن يدفع ذلك أركان النظام وفى مقدمتهم رئيس الجمهورية إلى مخاطبة المصريين وتوضيح الحقيقة من الشائعة لهم.

أما لماذا التركيز على دور رئيس الجمهورية فى هذا الأمر فهو لأنه صاحب الصلاحيات الأكبر فى البلاد سواء بحكم الدستور أو بحكم الواقع ولأن معظم القضايا التى يثار حولها النقاش والشائعات هى من صميم صلاحياته ولا يملك أحد اتخاذ القرار النهائى فيها. ويكفى أن نتأمل ما هو مثار على الساحة المصرية خلال الشهور الأخيرة من قضايا لكى نكتشف أنها جميعا تتعلق بصلاحيات الرئيس وأنه ظل صامتا تجاهها جميعا حتى اللحظة تاركا المصريين يضربون أخماسا فى أسداس فيما يتعلق بقضايا تمس حياتهم ومستقبلهم. فالحديث عن وجود نية لتوريث مقعد رئاسة الدولة لنجل الرئيس السيد جمال مبارك هو القضية الأكثر مناقشة وإثارة للجدل بين المصريين طوال العامين الأخيرين على الأقل، وهو الأمر الذى لم يدفع الرئيس إلى الحديث للمصريين عن صحتها بصورة واضحة تقطع الشكوك أو تثبتها على الرغم من أنها تتعلق بالمنصب الأكثر تأثيرا على حياة كل منهم اليومية. وأتت فى الأسابيع الأخيرة قضية احتمال إجراء انتخابات رئاسية مبكرة باعتزال الرئيس مبارك الحكم لأسباب صحية لكى تطغى على النقاش العام فى البلاد، وهو الأمر الذى لم يجد أيضا من الرئيس الذى تدور حوله شخصيا «الإشاعة» أى اهتمام بحسمها بالتأييد أو النفى حتى يعرف المصريون «رءوسهم من أرجلهم» فيما يخص المنصب الأعلى والأسمى فى بلادهم، وبدا كأن الأمر يدور حول رئيس آخر فى بلد غير بلدنا.

كما جاءت أيضا قضية حل مجلس الشعب والتى يعلم القاصى والدانى أن صاحب الحق الوحيد فيه دستوريا هو الرئيس مبارك نفسه، لكى نقرأ ونسمع تصريحات وتحليلات لكل المسئولين فى البلاد والذين لا يملك أى منهم هذه الصلاحية عدا صاحبها الرئيس مبارك الذى يصر على الصمت تجاهها تاركا بذلك كل الأبواب مفتوحة أمام كل أنواع التحليلات بل والشائعات الممكنة. وقبل كل هذه القضايا وطوال الأعوام السابقة وبخاصة العامين الأخيرين ظلت قضية حالة الطوارئ المفروضة منذ عام 1981، والتى لا يملك الحق فى فرضها سوى الرئيس نفسه وتعرض بعد ذلك على مجلس الشعب للحصول على موافقته، فى حالة ضبابية وغموض لا يعرف أحد إذا ما كانت سوف تمدد لفترة أخرى أم لا حتى يصدر القرار الجمهورى قبل أيام معدودة من انتهائها ويعرض على مجلس الشعب فى ساعات معدودة ليحصل على الموافقة المعتادة.

إن أحدا لا يطالب الرئيس بأن يقضى كل وقته فى الحديث إلى المصريين ــ شعبه ــ عما ينتوى اتخاذه من قرارات وسياسات، ولكن أحدا أيضا لا يمكنه أن يقبل أو يفهم هذا الصمت الطويل من الرئيس فيما يخص هذه النوعية من القضايا التى يتوقف عليها حاضر المصريين ومستقبلهم.

ضياء رشوان  كاتب مصري وباحث في شئون الجماعات الإسلامية
التعليقات