الحج.. وجه آخر للصراع الطائفى - هدى رءوف - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 7:53 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحج.. وجه آخر للصراع الطائفى

نشر فى : الإثنين 12 سبتمبر 2016 - 9:30 م | آخر تحديث : الإثنين 12 سبتمبر 2016 - 9:30 م
فى إطار تصاعد التوتر بين القوتين الإقليميتين المتنافستين على النفوذ الإقليمى فى المنطقة، والتى تقف كل منهما على طرفى النقيض من أزمات المنطقة. ففى إدارة الصراع بينهما كان للدين نصيبه كأحد أدوات الصراع لهجوم كل منهما على الآخر. استخدمت إيران فريضة الحج كسبب للهجوم على السعودية. يتجدد الخلاف بين البلدين حول الحج من وقت لآخر. الأمر الذى نتج عنه عدم سماح إيران لمواطنيها للحج هذا العام، وتبادلت السعودية وإيران الاتهامات حول المسئول عن عدم حج الإيرانيين.

ومنذ الاضطرابات الإقليمية التى تشهدها المنطقة واتخاذ كل من القوتين الإقليميتين ووقوف كل منهما على طرفى النقيض من تلك الأزمات، تحاول كل منهما استخدام أوراقها للضغط على الأخرى، ويبدو أن العلاقات بين البلدين تتجه مؤخرا نحو مزيد من التوتر، فمنذ حادثة منى العام الماضى ومقتل الحجاج، تحاول إيران الضغط على السعودية من خلال قيامها برفع مطالب بفتح تحقيق فى الحادث واعلانها نيتها مقاضاة السعودية لوفاة ما يزيد على 400 حاج، وأخيرا قامت بالمطالبة بتدويل تنظيم الحج. ثم جاء إعدام السعودية لرجل الدين الشيعى «نمر باقر النمر» وهو ما ترتب عليه هجوم على السفارة السعودية بطهران، ومن ثم قامت السعودية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران.

كل هذه التوترات أدت إلى فشل الطرفين فى التوصل إلى اتفاق فى مايو الماضى بشأن تنظيم أمور الحجاج الإيرانيين، وأعلنت السعودية رفض إيران التوقيع على الاتفاقية المنظمة للحج، على الرغم من استجابة السعودية لمطالب الوفد الإيرانى، المتعلقة بإصدار التأشيرات الكترونيا من داخل إيران، ومناصفة نقل الإيرانيين بين الناقل الجوى السعودى والناقل الجوى الإيرانى، والموافقة على تمثيل دبلوماسى للإيرانيين عبر السفارة السويسرية لمتابعة شئون حجاجهم، إلا أن وزارة الحج والعمرة السعودية أعلنت أن الوفد الإيرانى سافر دون التوقيع على محضر انهاء الترتيبات لحين عرضها على مرجعيتهم. ومنذ ذلك الحين تتهم إيران المملكة بعرقلة حج الإيرانيين وبالتالى فإنهم لن يتجهوا للحج هذا العام. وقد سبق أن قاطعت ايران الحج لمدة ثلاث سنوات بين عامى 1988 و1990 بعد اشتباكات وقعت بين الحجاج الإيرانيين والشرطة السعودية فى عام 1987 أسفرت عن مقتل نحو 400 شخص. وقد أعيدت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مجددًا فى عام 1991، وفى يناير من هذا العام قطعت العلاقات مرة أخرى بعد قيام المتظاهرين الإيرانيين بإشعال النار فى السفارة السعودية والقنصلية بعد إعدام المملكة العربية السعودية للزعيم الشيعى البارز جنبا إلى جنب مع 47 من «الإرهابيين».

***

ومع حلول الذكرى الأولى لحادثة منى، لم يفت الزعماء الإيرانيون محاولة تسييس الحج وإعادة استخدامه كورقة ضغط فى مواجهة السعودية، فقد أصدر الإمام خامنئى بمناسبة حلول ذكرى حادث منى والحرم الشريف، بيان نشر على المواقع الإلكترونية يهاجم فيه السعودية ويندد بتقصيرها فى مباشرة الحادثة، موجها نداءه للعالم الإسلامى ومطالبًا بضرورة التفكير الجاد فى حلّ لإدارة الحرمين الشريفين وقضية الحج. كما تروج المواقع الإيرانية لإحجام عدد كبير عن الحج وخاصة بين السعوديين نظرا لعدم قدرة المملكة على ارسال تطمينات للحجاج، وهذا فى ظل وقوع بعض الحوادث الإرهابية والتى وقع آخرها قرب المسجد النبوى الشريف. ومن الجلى أن إيران تستهدف بعث رسائل مفادها عجز وقصور سعودى عن تأمين الحجاج الأمر الذى قد ينذر بحادثة جديدة. والغرض هنا هو التركيز على قضية تدويل الحج التى تنادى بها ايران منذ سنوات لوضع إدارته تحت سيطرة لجان دولية بدلا من قصرها على السعودية.

إن حديث المرشد الإيرانى كان بداية لتراشق وحرب كلامية بين المسئولين السعوديين والإيرانيين، وهى اللغة التى غلب عليها الطابع الطائفى والتى عكست جزءًا كبيرًا من أبعاد الصراعات فى المنطقة، ومن الواضح دخول الرئيس روحانى والذى يمثل تيار المعتدلين على خط أزمة التراشق بين الطرفين، وليس معسكر المتشددين فقط. وهو المعسكر الذى اعتبر الهجوم على السفارة السعودية فى طهران بمثابة احراج لمسعاه نحو فك العزلة عن ايران، وانفتاحها على الآخرين، حيث دعا إلى معالجة المشاكل ومعاقبة السعودية حسب تصريحاته.

كما اتهم مفتى المملكة الإيرانيين بأنهم ليسوا مسلمين بل مجوس. وقد دخل على خط الأزمة مجلس التعاون الخليجى الذى ندد رئيسه عبداللطيف بن راشد الزيانى بأن كلام خامنئى غير مناسب وهجومى، كما نددت هيئة كبار علماء الأزهر بمحاولات الدول الاقليمية تدويل قضية الحج.

***

ويبدو جليا محاولة إيران استخدام الحج للضغط على السعودية، باعتبار أن الحج هو أحد أهم العوامل المعززة لقوة السعودية عربيا واسلاميا لما للأماكن المقدسة من رمزية تعزز من صورة السعودية كحاضنة للعالم الإسلامى، وممثلة للعالم السنى.

وتعمل ايران على تصدير صورة أن السعودية منعت الايرانيين من الحج هذا العام فى محاولة اعتبرها البعض موجهة بالأساس للداخل الإيرانى لتفادى انتقادات المتشددين بعدم سماح ايران للمواطنين بالحج، خاصة وأن الحج لمكة يعد امتياز للإيرانيين فى ظل حصره بعدد محدود من الحصص تحدده السعودية. إلا أن المملكة أرادت تفويت الفرصة بإتاحة الفرصة للإيرانيين المقيمين بدول أوروبا للتقديم للحج، وقد سارع عدد من الإيرانيين المقيمين بالخارج التقدم للحصول على تأشيرات الحج.

يبدو أن تسييس الحج هو أحد أوجه الصراع بين القوتين الإقليميتين المتنافستين، والذى يتخذ بعدًا طائفيا، ظهر من خلال السجال العنيف على نحو غير مسبوق قد يجر المنطقة إلى مزيد من التوتر بين السنة والشيعة.
هدى رءوف باحثة متخصصة في الأمن الإقليمي
التعليقات