بين مقاطعة الانتخابات والمشاركة فيها: موقف ثالث - ضياء رشوان - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 4:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بين مقاطعة الانتخابات والمشاركة فيها: موقف ثالث

نشر فى : الإثنين 12 يوليه 2010 - 11:57 ص | آخر تحديث : الإثنين 12 يوليه 2010 - 11:57 ص

 تشهد ساحة المعارضة المصرية خلال الأسابيع الأخيرة جدالا واسعا حول قضية التعامل مع انتخابات مجلس الشعب المقبلة المقرر إجراؤها فى شهر أكتوبر المقبل، وذلك للإجابة عن سؤال واحد مركزى هو: هل الأكثر مناسبة لمصالح الوطن وشعبه هو الاشتراك فيها أم مقاطعتها؟

واللافت ــ والإيجابى فى نفس الوقت ــ هو أنه باستثناء حزب سياسى واحد، هو الجبهة الديمقراطية الذى تبنى المقاطعة، لم يتخذ أى حزب أو قوة سياسية أو تجمع جبهوى بعد قرارا نهائيا بالمشاركة أو بالمقاطعة. إلا أن هذه الحقيقة لا تنفى حقيقة أخرى معروفة للجميع وهى أن معظم الأحزاب والقوى السياسية باتت أقرب لقرار المشاركة منها لقرار المقاطعة بينما يبقى العدد الأقل منها مائلا أكثر للمقاطعة، على الرغم من أن جميعها لم تعلن بعد قرارها النهائى والأخير.

والدخول فى هذا الجدال الواسع حول المشاركة أم المقاطعة يستلزم قبل كل شىء معرفة أمرين والتأكيد عليهما: الأول هو أن جزءا كبيرا من الخلاف ناتج عن تعارض واضح بين مصالح لأحزاب وقوى سياسية ترى قياداتها أن مشاركتها أو مقاطعتها للانتخابات المقبلة سوف تتحقق عن طريق أحد القرارين. فالأحزاب عموما تعتقد أن تمثيلها فى مجلسى البرلمان والمجالس المحلية المنتخبة المتراجع بصورة واضحة من انتخابات لأخرى خلال العقدين الأخيرين كان أحد الأسباب الرئيسية لتراجع دورها فى الحياة السياسية المصرية،

ومن ثم فهى ترى أن مشاركتها بكثافة فى الانتخابات المقبلة قد تعدل هذا الوضع بما يعيد إليها ولو بعضا من حيويتها المفتقدة خلال هذه الفترة الطويلة. ويرى بعض هذه الأحزاب أن التقدم الواضح لجماعة الإخوان المسلمين فى الانتخابات البرلمانية السابقة وخصوصا فى عامى 2000 و 2005 قد أثر بصورة سلبية كبيرة على أوضاعها فى الحياة السياسية للبلاد، وأن هذا التقدم للإخوان والتراجع لها نتج عموما عن سياسات خاطئة اتبعها الحزب الوطنى الحاكم تجاه الطرفين، بالحصار والضغوط المتواصلة عليهما عبر قوانين وإجراءات استثنائية كثيرة،

نجح الإخوان فى مواجهتها والإفلات منها نظرا لوضعهم غير القانونى ومهارتهم وخبرتهم فى التعامل معها لفترة زادت على خمسين عاما بينما فشلت إزاءها الأحزاب نظرا لخضوعهم للقوانين السارية وافتقادهم كثيرا من المهارة والتجديد والخبرة فى التعامل مع هذه الضغوط والأوضاع القاسية. ويرى بعض الأحزاب المعارضة أن تقدم الإخوان وتراجعهم لم يكن فقط رهنا بذلك بل أيضا بما يرون أنها «تفاهمات» أو «صفقات» جرى عقدها بين الحزب الحاكم والإخوان فى عدة مناسبات انتخابية واعترف ببعضها قيادات كبرى من الجانبين.

على الجانب الآخر يرى عدد أكبر من القوى السياسية وعدد أقل من الأحزاب الشرعية أن مصالحها تكمن فى مقاطعة الانتخابات المقبلة، وخصوصا جماعة الإخوان المسلمين، حيث ترى أن هناك اتجاها حكوميا واضحا لمنعها من الحصول على ما تستحقه من مقاعد فى مجلس الشعب لو تمت الانتخابات بصورة نزيهة.

ويستند الداعون للمقاطعة إلى الحقائق التى يعرفها الجميع اليوم فى مصر والخاصة بالطريقة التى أجريت بها الانتخابات العامة فى مصر بعد التعديلات الدستورية عام 2007 والتى اتسمت بدرجة كبيرة من التدخلات الإدارية والحكومية والأمنية وغابت عنها المعايير الأولية للنزاهة والحرية، وخصوصا ما نتج عنها من الفشل التام لجميع مرشحى الإخوان ليس فى النجاح بل فى الحصول حتى على نتائج مشرفة.

كذلك يستند الداعون للمقاطعة إلى أن المشاركة هذه المرة من قوى المعارضة الرسمية وغير الرسمية سوف توفر غطاء شرعيا للنظام السياسى يحتاج إليه بشدة بعد أن هزت تشريعاته وإجراءاته وطريقته فى إدارة الانتخابات خلال الأعوام الخمسة الأخيرة ما تبقى له من شرعية للحكم. ويذهب بعض المعارضين للمشاركة إلى اتهام الأحزاب السياسية عموما بأن أوضاعها الداخلية هى السبب الحقيقى لتراجع مكانتها ودورها فى الحياة السياسية فى البلاد، وأنها من أجل تجاوز ما هى المتسببة فيه راحت هى التى تسير فى طريق «التفاهمات» أو «الصفقات» مع الحزب الحاكم لتأمين مقاعدها فى الانتخابات المقبلة.

أما الأمر الثانى الذى تجب معرفته والتأكيد عليه من واقع الجدال المعارض حول الموقف من انتخابات مجلس الشعب المقبلة، فهو أن موقفى الدعوة للمشاركة أو للمقاطعة ينطلقان فى أغلب الأحوال من اعتبارين معا أو من أحدهما على الأقل: الأول هو ما أشرنا إليه سابقا من مصالح خاصة ومباشرة لبعض الأحزاب والقوى السياسية، والثانى هو الرغبة فى اتخاذ موقف تجاه الانتخابات المقبلة يعبر فى حقيقته عن موقف أوسع من الحكم الحالى فى البلاد.

فهو فى حالة الدعوة للمشاركة يرى أصحابها أنها ستكون فرصة لتقوية المعارضة ــ وخصوصا الحزبية ــ فى البرلمان ومن ثم فى الشارع والحياة السياسية مما يعطيها الفرصة فى المدى المتوسط لأن تملك قوة أكبر لمعارضة الحكم الحالى وإحراجه ووضعه فى مآزق لن يستطيع تجاوزها.

وأما فى حالة الدعوة للمقاطعة فإن أصحابها يرون أنها تمثل موقفا واضحا لرفض الممارسات غير الديمقراطية للحكم الحالى وتعد أبرز صور الاحتجاج عليها فى واحدة من أهم المناسبات السياسية فى البلاد وهى انتخابات مجلس الشعب، الأمر الذى سيضعه فى موقف المنفرد وحده بإدارة كل شىء فيها بما يبرز بشدة طبيعته غير الديمقراطية.

ومع كل الاحترام والتقدير والتفهم للاعتبارين اللذين ينطلق منهما ــ على تعارض مضمونهما ــ الداعون للمشاركة أو للمقاطعة، فإن ما يبدو أكثر غيابا فى المشهد الكلى للجدال الدائر حولهما هو ما يمكن أن يؤدى أى موقف منهما من تطوير للأوضاع الأكثر من سيئة التى تمر بها مصر على الصعيد السياسى والديمقراطى، أو بعبارة أخرى: كيف يمكن الاستفادة من موقف المشاركة أو المقاطعة من أجل الحصول على مساحة أوسع من الديمقراطية للمصريين جميعا يمكن أن تؤدى بدورها إلى مساحة أكثر اتساعا فيما بعد.

وهذا المدخل المختلف ــ ولو قليلا ــ للنظر فى قضية الموقف من الانتخابات البرلمانية المقبلة يدفع بنا مباشرة إلى أهم شروط نجاح أى من الموقفين المعارض للمشاركة أو الموافق عليها، وهو ضرورة أن يتوافق على أحدهما الكتلة الرئيسية من المعارضة المصرية، وبصورة محددة الأحزاب الرئيسية الأربعة، أى الوفد والتجمع والناصرى والجبهة الديمقراطية، والإخوان المسلمون والقوى الناصرية واليسارية الأساسية غير الحزبية.

ولكى يمكن تحقيق هذا الشرط الأولى والرئيسى لنجاح أى من الموقفين فإن المقترح هنا هو أن يبدأ الأمر من إعلان موقف واحد محدد لها جميعا يتم البناء عليه بعد ذلك، وهو الموافقة المشروطة على المشاركة فى الانتخابات المقبلة.

ويعنى ذلك أن القوى والأحزاب المصرية تبدأ معركتها السياسية بمناسبة هذه الانتخابات بموقف موحد لا يزايد عليه يبرز رغبتها فى الإصلاح السياسى والممارسة الديمقراطية الحقيقية، مما يفتح الباب أمامها بعد ذلك لنشر مطالبها أو شروطها الديمقراطية العادلة فى أوسع نطاق ممكن بين الجماهير والنخبة.

وهنا، فإن هذه القوى مطالبة لكى يكون موقفها أكثر جدية وإقناعا لعموم الناس وخصوصهم أن تتوافق على قائمة موحدة لمرشحيها على مستوى الجمهورية تتجاوز فيها تجارب التنسيق الفاشلة السابقة ومعها مصالحها الصغيرة الضيقة. وميزة إعلان هذه القائمة التى يجب أن تضم أكبر عدد ممكن من المهتمين بالشأن العام فى البلاد والذين يتابع عموم المصريين أنشطتهم بالتوازى مع قائمة مطالب المعارضة لتحسين شروط الانتخابات، هى أنها ستخلق ضغطا حقيقيا على الحزب الوطنى وحكومته من أجل الاستجابة لما يجعلها أكثر نزاهة وحرية.

وأما عن قائمة المطالب فهى فى الحقيقة موجودة ومصوغة ومتوافق عليها من كل الأحزاب والقوى السياسية تقريبا، ويبقى فقط أن يتم تلخيصها وتبنى ما هو مرتبط مباشرة بالانتخابات المقبلة لكى يتم اعتباره مطالب أو شروط المعارضة للمضى فى قرارهم بالمشاركة فيها.

وفى مغامرة ــ أو مبادرة ــ منا للقيام بهذا التلخيص، نعاود نشر بعض من المقترحات التى سبق نشرها فى هذا المساحة خلال الشهور الماضية. تقوم جميع المطالب أو الشروط على أساس إجراء تعديلات فى بعض التشريعات القانونية المنظمة للانتخابات وليس فى الدستور بما يوصل للحد الأدنى من النزاهة والحيدة. وفى هذا السياق يأتى أولا تعديل تشكيل واختصاصات اللجنة العليا للانتخابات، التى ستكون المفتاح الرئيسى لمستقبل الانتخابات البرلمانية فى مصر، بتعديل المادة (3) مكرر (أ) من قانون مباشرة الحقوق السياسية الحالى، بحيث يتم تشكيل اللجنة من 11 عضوا منهم ستة قضاة حاليون وثلاثة سابقون، على أن تقوم الجمعيات العمومية لمحاكم الاستئناف والإدارية العليا والنقض باختيارهم بمعدل قاضيين حاليين وقاض سابق لكل محكمة.

أما العضوان الباقيان فيمكن أن يمثل أحدهما الحزب الحاصل على أغلبية المقاعد المنتخبة فى مجلسى البرلمان ويمثل الآخر أحزاب المعارضة الممثلة فيهما بعد توافقها على اسمه. كذلك تحتاج اختصاصات اللجنة العليا للانتخابات الواردة حاليا فى المادة (3) مكررا (و) من نفس القانون إلى التعديل بما يتيح لها أن تقوم بالإشراف الكامل والتفصيلى على كل ما يتعلق بالعملية الانتخابية من إعداد جداول الناخبين وتحديد الدوائر وحتى إعلان النتائج وكل ما يتوسط ذلك من إجراءات وعمليات متعلقة بالانتخابات.

كذلك لكى يكون هناك الحد الأقصى من الإشراف القضائى المباشر على الانتخابات، فيجب تعديل المادة 24 من نفس القانون بما يؤدى إلى إلغاء الحد الأقصى الحالى لعدد أعضاء الهيئات القضائية فى اللجان العامة على مستوى الدوائر الانتخابية بحيث يتوافق عددهم الجديد مع وجود واحد منهم على الأقل فى مقر كل «لجنة موسعة». وتتكون هذه اللجنة من ضم عدد من اللجان الفرعية لا يتجاوز الأربع فى مقر واحد يضمها جميعا بشرط عدم وجود أى حواجز أو فواصل بينها، وهو ما يمكن أن يكون سرادقا يقام فى فناء المقر الانتخابى أو قاعة كبيرة أو مسرحا موجودا به. ويتيح هذا التعديل أن يكون رؤساء اللجان الموسعة من القضاة، حيث إن عددها المتوقع فى الجمهورية كلها سيتراوح بين سبعة وعشرة آلاف لجنة وهو ما يتناسب مع عدد القضاة فى البلاد.

كذلك يجب توفير ضمانات كافية للرقابة الشعبية على الانتخابات بإدخال ثلاثة تعديلات على التشريعات الحالية المنظمة لها. الأول بإعطاء المرشحين الحق فى أن يكون مندوبوهم فى اللجان الفرعية من المقيدين فى نفس الدائرة التى توجد فيها اللجنة التى يمثلونهم فيها وليس كما ينص الشرط الحالى على أن يكونوا مقيدين فى نفس اللجنة. ويعطى التعديل الثانى المرشحين الحق فى أن يكون لهم عدد من الوكلاء العامين فى نطاق الدائرة الانتخابية يختص كل منهم بالرقابة على عشر لجان على الأكثر، وليس وكيلا واحدا كما هو الوضع حاليا.

ويعطى التعديل الثالث الصفة القانونية لمندوبى منظمات المجتمع المدنى المصرية المعتمدة قانونا الحق فى الإشراف على عملية الانتخاب من بدء الترشيح وحتى انتهاء الفرز، وذلك بتحديد عدد مناسب لكل منظمة ومنحهم اختصاصات واضحة فى النصوص القانونية.

بهذه القائمة الواضحة والبسيطة من المطالب التشريعية يمكن لقوى المعارضة المتوافقة عليها والمقررة أن تخوض الانتخابات أن تخاطب بها رئيس الجمهورية دون غيره، لأنه الوحيد صاحب الاختصاص الدستورى بإصدارها فى هيئة قرار بقوة القانون فى ظل غياب مجلسى البرلمان. وبهذه القائمة وبقائمة أسماء مرشحيها الموحدة يمكن لقوى المعارضة أن تمارس ضغطا حقيقيا على الحكم الحالى من أجل الاستجابة لها، وهو ما يستلزم منها أن تظل رافعة احتمال المقاطعة واضحا فى حالة الإصرار على رفض مطالبها العادلة.

بهذه القائمة فى حالة الاستجابة لها يمكن أن تكون خطوة مهمة ــ وليست كافية ــ قد قطعت فى طريق الإصلاح السياسى والديمقراطى فى البلاد يمكن استكمالها بعد ذلك بخطوات أخرى أوسع. وفى هذه الحالة تكون المعارضة قد طبقت قاعدة «ما لا يدرك كله لا يترك جله»، أما فى حالة رفض الحكم الحالى كل المطالب فسيكون الأكثر انطباقا عليه هو المثل السيار «على نفسها جنت براقش».

ضياء رشوان  كاتب مصري وباحث في شئون الجماعات الإسلامية
التعليقات