صحيفة الخليج ــ الإمارات بلسم الثقافة - صحافة عربية - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 11:57 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صحيفة الخليج ــ الإمارات بلسم الثقافة

نشر فى : السبت 12 مارس 2022 - 7:50 م | آخر تحديث : السبت 12 مارس 2022 - 7:50 م

نشرت صحيفة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب حسن مدن، يقول فيه إنه إذا كان البلسم يداوى الجروح والحروق فالثقافة تداوى النفوس. ذاكرا كيف نجحت ألمانيا باستخدام الثقافة فى مداواة جروحها وعلاقتها بالعالم بعد الحرب العالمية الثانية. مختتما مقاله بضرورة استخدام بلسم الثقافة فى عالمنا المنقسم اليوم لنبذ الكراهية والعنف.. نعرض من المقال ما يلى.
البلسم هو ما تعالج به الحروق والجروح، ونقول عن أحدهم إنه بلسم جِرَاحَه، أى ضَمَّدَهَا، عَالَجَهَا، دَاوَاهَا، ونقول عن كلمات صديق عزيز أو قريب من القلب: «كانت مواساته لى بلسما لأحزانى»، وما أكثر ما يحتاج الناس فى لحظات خيبتهم وإحباطاتهم وأحزانهم إلى مثل هذه الكلمات، البلسم حين تأتى من قلوب مترعة بالمحبة، وفى روايته «الأبله» يقول ديستوفسكى: «هناك لحظات يحتاج فيها المرء إلى أن يكون بقربه صديق».
ما صلة الثقافة بالبلسم، بمداواة الجروح والحروق وتضميدها؟ سنكتشف أنها علاقة وطيدة، وإن كانت مختلفة فى الآليات عن علاج الحروق، فهى فى الجوهر مداواة للنفوس، وهذا ما نستشفه ونحن نطالع تقريرا كتب بمناسبة مرور سبعين عاما على تأسيس «معهد جوته» الألمانى، الذى له اليوم عشرات الفروع فى مختلف بلدان العالم، فالمعهد المذكور جرى تأسيسه بعد ستة أعوام على نهاية الحرب العالمية الثانية، التى خرجت منها ألمانيا النازية منهزمة، مدمرة، مجردة من عوامل القوة التى كانت لها.
الحكاية ليست فى هذا، إنما فى حقيقة أن المعهد أسس، ليحل مكان ما عرفت بـ«الأكاديمية الألمانية»، وكان ينظر لهذه الأكاديمية التى تأسست فى عام 1925 على أنها أداة للدعاية النازية، بكل ما تثيره هذه الدعاية فى النفوس من مشاعر الكراهية والتعبئة النفسية المضادة، وحين دخلت قوات الحلفاء الأراضى الألمانية فى عام 1945 قامت بحل وتفكيك تلك الأكاديمية، لاعتقادها أنها كانت مركزا للدعاية والتجسس أيام هتلر.
أريد لمعهد جوته أن يقدّم رسالة مضادة لتلك التى كانت للأكاديمية التى حلّ مكانها، وهى تقديم الثقافة الألمانية التى نعلم بما هى عليه من غنى وثراء، فى الآداب والفنون والفلسفة والمعرفة عامة، وكان ذا مغزى اختيار اسم الشاعر الكبير جوته، ليعرف المعهد باسمه، ومن أجل تحقيق ذلك ركز المعهد جهوده، فى البداية، على تدريب معلمى اللغة الألمانية للأجانب، كى تكون جسرهم إلى ألمانيا وثقافتها.
أريد للثقافة، إذن، أن تصبح بلسما لا لمداواة جراح الأمة الألمانية المنهزمة، والمحرجة من ذلك الفصل الدامى فى تاريخها، الذى سبب لأوروبا وللعالم ما سبب من فظائع، وإنما لمداواة علاقة هذه الأمة بالعالم كله، وتنقية النظرة إليها من سلبيات ما خلفته الحرب، واليوم، بعد مرور كل هذه العقود، يمكن القول إن الألمان نجحوا فى المهمة، وما كانوا سيبلغون ذلك بقوة الاقتصاد وحده، وإنما أيضا ببلسم الثقافة.
فى عالم منقسم على نفسه بشكل حاد كالذى نعيشه اليوم، تطوف فى أرجائه أشباح الحروب والفتن، يمكن للثقافة، عبر فضاءاتها المختلفة، بما فيها مؤسسات المجتمع المدنى، أن تواصل القيام بدور البلسم، ونبذ مناخات الكراهية والريبة المتبادلة.

التعليقات