التعامل مع القيم التاريخية العربية - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 7:50 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التعامل مع القيم التاريخية العربية

نشر فى : الأربعاء 11 أغسطس 2021 - 8:00 م | آخر تحديث : الأربعاء 11 أغسطس 2021 - 8:00 م

فى مقال الأسبوع الماضى بينَّا وجود أزمة قيم، سلوكية وأخلاقية وتنظيمية، على مستوى العالم وعلى مستوى الوطن العربى. وبعيدا عن الانشغال بنقاشات وولولات الآخرين، وعلى الأخص فى مجتمعات الغرب، فإن شبابنا وشاباتنا يحتاجون إعطاء أهمية لموضوع القيم، بشتى أشكالها، بالعالمية المشتركة التى تهمنا وبالذاتية التى تخصنا كأمة عربية، وجعل القيم كمحددات ومعايير جزءا من أهداف وأساليب نضالاتنا المدنية والجماهيرية.
والواقع أن هناك ثلاث مجموعات من القيم تحتاج للتعامل معها: قيم الموروث الثقافى التاريخى، والقيم الدينية التى جاء بها الإسلام، وقيم الحضارة العالمية الحالية المهيمنة.
فقبل الإسلام كان الخليط من القيم البشرية والقبلية هو السائد فى مجتمعات العرب. ويعتقد المفكر المرحوم محمد عابد الجارى بأن القيمة المركزية التى كانت آنذاك تحكم كل القيم هى المروءة. ولكن ما إن يدخل فى تفاصيل هذه القيمة المركزية حتى تتبدى أهم إشكالية فى موضوع القيم: فهمها وتطبيقها حسب متطلبات البيئة الاجتماعية والمرحلة التاريخية. فبدلا من أن تكون المروءة كما فهمها وأوجزها الماوردى كتعفف عن الحرام، وإعراض عن الآثام، وإنصاف فى الحكم، وكف عن الظلم، وعدم استكبار على الضعيف، وعدم الطمع فيما لا يستحق، إلخ.. من الصفات الأخلاقية والاجتماعية.. بدلا من ذلك ننتهى بأن المروءة هى القيمة المركزية فى أخلاق القبيلة للسلطة المعنوية فى مجتمع القبيلة يحتاج شيخ القبيلة أن يتحلى بها أساسا من أجل السؤدد والسيادة، أى من أجل سلطة وامتيازات الحكم. وهكذا تصبح أخلاق المروءة أخلاقا محلية تحكمها العادة وليست من الأخلاق الكونية التى مرجعيتها العقل والضمير والأخوة الإنسانية.
لقد جئنا بكل تلك التفاصيل بشأن قيمة واحدة للأهمية القصوى لمراجعة القيم التاريخية، التى خضعت لمتطلبات عصرها، لتتلاءم مع متطلبات الحاجات والظروف الحالية للمجتمعات العربية، وحتى لا يتيه المناضلون العرب فى معانى الماضى السحيق ورمزيات قيمه آنذاك بدلا من إعطاء معانٍ ومبادئ جديدة تحرر القيم العربية الرائعة من نواقص وتشوهات وتعقيدات الحياة العربية البدائية الماضية.
وينطبق الأمر نفسه، مراجعة وتجديدا وربطا بالعصرنة الحالية، على قائمة طويلة من القيم التاريخية التى صنفها عالم الاجتماع الدكتور حليم بركات تحت مسميات قيم العصبية من مثل التضامن والتماسك الداخلى، وقيم الفروسية من مثل الشجاعة والنجدة، وقيم الكرم من مثل التضحية والضيافة، وقيم الاستقلالية الفردية والحرية من مثل الشرف والأمانة، وقيم المعيشة من مثل تحمل الصعوبات، وقيم الحشمة والتعقل. وهى فى الأغلب قيم شخصية وأسرية واجتماعية، بعضها يجب الاحتفاظ به وبعضها الآخر يجب الابتعاد عنه.
وتبدو الأهمية القصوى لتلك المراجعة النقدية وإعادة التركيب على الأخص فى المرحلة التاريخية التى يعيشها العرب حاليا. فبعودة البعض إلى القبلية والمذهبية الطائفية والثقافات الإثنية الفرعية واستعمال قيمها التاريخية القديمة فى الصراعات السياسية المجنونة أو الانتهازية العنيفة أصبح موضوع الفهم الجديد التقدمى للقيم التاريخية ضرورة وطنية وقومية. وتزداد أهمية الموضوع بسبب الاستعمال المكثف من قبل قوى الخارج الاستعمارية والاستخباراتية لثقافة القيم المشوهة فى سبيل السيطرة على عقول وقلوب شباب وشابات الأمة، وعلى الأخص من خلال شبكات التواصل الاجتماعى المليئة بالثغرات.
كما تبدو الأهمية مضاعفة بسبب استعمال البعض لتلك المراجعة القيمية كمدخل لفهم ونقد موضوع بالغ الحساسية: موضوع العقل العربى.
فى المقالة القادمة سنراجع مجموعة القيم العربية الثانية: تعامل الدين الإسلامى مع تلك القيم، رفضاَ وقبولا وتفاعلا وطروحات جديدة.
مفكر عربى من البحرين

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات