نذر العواصف - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 8:11 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نذر العواصف

نشر فى : الجمعة 11 مارس 2016 - 9:35 م | آخر تحديث : الجمعة 11 مارس 2016 - 9:35 م

عندما تتبدى نذر العواصف فى الآفاق الملبدة فإن إنكارها خداع للنفس قبل الآخرين وتسليم مسبق بالعجز عن صدها.


هذا آخر ما يحتاجه بلد قلق على مستقبله بصورة لا يمكن تجاهلها.


تحصين البلد واجب لا يصح التخلى عنه ومسئولية لا ينبغى التنصل منها.


فى الأزمات الإقليمية المشتعلة، كما فى الأزمات الداخلية المتفاقمة، شىء ما خطير مقبل يهدد بقسوة المستقبل المصرى.


الفزع المجانى الذى يجتر المخاوف غير التحسب الضرورى للعواقب.


أية مقاربة للأزمات الداخلية بعيدا عما يجرى فى الإقليم والعالم انعزال عن الحقائق.


إذا لم نكن طرفا فاعلا فى إدارة الأزمات الإقليمية فنحن موضوع لمبادرات الآخرين وهدف لتدخلات مباشرة فى الشأن المصرى يصعب ردها.


دون حاجة إلى نظريات المؤامرة لن تتردد أية قوى دولية أو إقليمية فى الانقضاض على نظام الحكم الحالى ووضعه تحت ضغط لا يحتمل من ثغراته التى اتسعت بدرجة خطيرة.


من بين الثغرات تنفذ الضغوطات.


لا يحق لأحد أن ينكر على البرلمان الأوروبى إبداء اعتراضه على ما تعرض له الباحث الإيطالى «جوليو ريجينى» من «تعذيب وقتل فى ظروف مشتبه بها» فالسجل المصرى فى حقوق الإنسان تدهور إلى حد أنه قد بات الآن إجماعا دوليا على فداحته يشمل الميديا والمنظمات الحقوقية والبرلمانات والحكومات نفسها.


ما دعا إليه البرلمان الأوروبى من «وقف تصدير التكنولوجيا والمعدات العسكرية والتعاون الأمنى مع مصر» رغم عدم إلزاميته ينذر بالتصعيد فى محافل مؤثرة أخرى من بينها اللجنة الأممية لحقوق الإنسان فى جينيف.


هناك خياران الآن، المكابرة أو التصويب.


فى المكابرة إعادة إنتاج لما تفوه به نائب منفلت أمام وفد برلمانى أوروبى من كلام يقارب الهلوسة أو السقوط فى فخ تبرير مالا يبرر من ممارسات تناقض الدستور نصا وروحا وتسىء لأية قيمة إنسانية.


وفى التصويب اعتراف بالأخطاء القاتلة وعمل على تدارك أسبابها، وهذا يعزز الثقة الدولية فى التزام السلطات المصرية بقواعد دولة القانون ويخفض من أية ضغوطات محتملة أو توظيف سياسى لوقائع لا يمكن الدفاع عنها.


التراجع الفادح فى صورة الدولة المصرية يضعها فى عين العواصف الإقليمية التى تنذر بالتقسيم الفيدرالى لدول عربية رئيسية وفق اعتبارات مذهبية وعرقية.


مثل هذا النوع من الفيدراليات يؤذن بصراعات دموية جديدة بين المكونات التى يفترض انتسابها إلى دولة واحدة.


وفق مداولات وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجى فى الرياض فإن أرجح السيناريوهات إعادة رسم الخريطة السورية فيدراليا.


المصير نفسه ينتظر العراق واليمن بحسب تعبير أحد وزراء الخارجية العرب المخضرمين.


من غير المستبعد امتداد عواصف التقسيم إلى ليبيا فى الغرب ولبنان فى المشرق، ومصر ليست بعيدة عن مثل هذا الاحتمال.


أرجو أن نتذكر أن حربا شرسة لا تتوقف مع الإرهاب فى سيناء وأن كل الجهود التى بذلت لم تستطع حتى الآن استئصال تنظيماته.


وأرجو أن نتذكر أن اللاعبين الإقليميين الكبار لديهم مخاوفهم على مستقبل دولهم.


لا يصح نسبة «القلق التركى» إلى «جنون أردوغان»، فمع الميل الروسى لمنح الأكراد السوريين حكما ذاتيا فى إطار أية تسوية مقبلة تستشعر أنقرة أن دولتها مهددة فى وحدتها.


كألعاب الدومينو فإن إقليم كردى فى سوريا بعد العراق يفضى إلى استقلال ثالث لأكراد تركيا، كما أن هناك أقليات أخرى عربية وعلوية قد تطلب استقلالا مماثلا.


إيران بتكوينها السكانى تحت نفس التهديد، فهناك أقليات عربية وكردية وسنية لا يستهان بأحجامها.


والسعودية لا تستبعد احتمالات تقسيمها وفق خرائط قديمة منشورة وإسرائيل تترقب ما قد يحدث على موائد تسوية الأزمة السورية فى جينيف بشبه توافق أمريكى روسى دون وضوح فى الصورة الأخيرة.


بمعنى آخر نحن أمام «سيناريوهات واقعية» لإعادة رسم خرائط الإقليم وموازين القوى فيها بعد الحرب فى سوريا.


على عكس تقسيم المشرق العربى باتفاقية «سايكس بيكو» فإن التقسيم الفيدرالى هذه المرة يتم بالبلطات بين أعراق ومذهبيات لا بالأقلام على ورق بحسب تعبير الزعيم الدرزى اللبنانى «وليد جنبلاط».


بغض النظر عن مدى الاتفاق أو الاختلاف مع اللاعبين الإقليميين الآخرين إلا أن سياساتهم واضحة ومفهومة بينما الحضور المصرى خافت إلى حد يقارب التهميش.


أسوأ استنتاج ممكن من مناورات «رعد الشمال» فى منطقة حفر الباطن، التى شارك فيها نحو «٣٠٠» ألف جندى من عشرين دولة عربية وإسلامية، أنها تعبير عن حلف عسكرى يتأهب لدخول مواجهات مسلحة.


المناورة سياسية أكثر منها عسكرية وهدفها المباشر تعزيز المركز السعودى فى حسابات الإقليم المتغيرة.


لا يوجد أدنى احتمال لمثل هذا الحلف العسكرى، فقد تقوض على التوالى مشروع «القوة العربية المشتركة» التى دعت إليها مصر ومشروع «التحالف العسكرى الإسلامى» بقيادة السعودية، دون أية أسباب مقنعة.


الأهم من ذلك أن أى حلف عسكرى يستدعى الإجابة على هذا السؤال: «من العدو.. وأين الجبهة؟».


فى مداولات وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجى أبدت السعودية على لسان وزير خارجيتها «عادل الجبير» استعدادها للصلح مع إيران وطى صفحة الخلافات طبق بعض الشروط التى تعبر عن تصوراتها ومصالحها.


غير أن مصر باحراجات دبلوماسية لا لزوم لها ولا منطق فيها تمتنع عن أى حوار مع إيران أو تبنى أية مبادرة ممكنة فى الملفات المشتعلة فى سوريا واليمن والعراق.


فى تهميش الدور انتقاص من حجم البلد ومصالحه الاستراتيجية وقدرته على التعافى.


بأية مصارحة بالحقائق فإنه يصعب لأى دور إقليمى أن يكون مقنعا إذا لم يستند على أوضاع داخلية صلبة.


فى عين العواصف المنتظرة خلل فى السياسات والتوجهات تستدعى تصحيحا عاجلا وإلا فإنها الكارثة المحققة.


لا يمكن أن تقنع شعبك بتحمل الأعباء والتضحيات حتى تقدر الدولة على مواجهة العواصف دون أن تكون قواعد العدالة مشرعة والسياسات تنحاز إلى غالبيته.


فى أيام متقاربة ارتفعت بنسب كبيرة قيمة فواتير الكهرباء والمياه والغاز وانخفضت بنسبة مماثلة أسعار الغاز المدعم لمصانع الحديد وملاكها من حيتان السوق.


بالحالة الأولى جرى تنفيذ الارتفاعات قبل عرض برنامج الحكومة خشية أية اعتراضات فى البرلمان.


وبالحالة الثانية برر وزير الصناعة الانخفاضات بأنها توفر للدولة (١‪.‬٥) مليار دولار.


انسداد القنوات الاجتماعية ينذر باحتجاجات يصعب مواجهتها وقد تفضى إلى انهيارات مفاجئة.


وانسداد القنوات السياسية يخفض من منسوب حصانة الدولة وقدرتها على مواجهة العواصف.


بصورة أو أخرى يستشعر الرئيس «عبدالفتاح السيسى» شيئا من الخذلان ويحمل الإعلام مسئولية تراجع الثقة العامة وأية آمال فى المستقبل.


وهذا يحتاج إلى مراجعة، فالأزمة فى السياسة قبل الإعلام والممارسات خذلت الرهانات على بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة.


إذا لم نعمل بقدر ما نستطيع على تصويب السياسات وبناء توافقات وطنية صلبة تستند على الشرعية الدستورية، فإن كل عاصفة محتملة سوف تضرب فى مقتل.