الحرية فى قفص «تويتر» - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الجمعة 10 مايو 2024 3:58 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحرية فى قفص «تويتر»

نشر فى : الإثنين 11 يناير 2021 - 7:35 م | آخر تحديث : الإثنين 11 يناير 2021 - 7:35 م

مشهد اقتحام مقر الكونجرس الأمريكى، أو مبنى الكابيتول، يوم الأربعاء 6 يناير الجارى، سيظل محفورا فى ذاكرة شعوب الأرض قاطبة، وليس الأمريكيين وحدهم، لسنوات طوال، وسيبقى فى سجل التاريخ عنوانا للفوضى التى عمت بتحريض رأس النظام الأمريكى الحاكم نفسه، بعد أن ظل الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته دونالد ترامب خلال فترة حكمه وخاصة فى أيامه الأخيرة داخل البيت الأبيض مشجعا لأنصاره على الاستهانة بالقانون، والاستخفاف بمعارضيه بكل الطرق.
وبعيدا عن الشماتة التى أبداها البعض فى الولايات المتحدة الأمريكية عقب الضربة الموجعة التى منيت بها واحدة من أعتى النظم الديمقراطية فى العالم، ستبقى عالقة فى الأذهان صورة الرجل «الهمجى»، ذو القرنين والوشوم البدائية التى توسم جلد صدره العارى وهو يعتلى منصة الكونجرس، ويصول ويجول فى طرقات المكان، باعتباره رمزا لأزمنة غابرة، وتجسيدا لما يترسب فى النفوس البشرية من أحقاد وصراعات.
زلزال الغوغائية الذى هز مبنى الكابيتول، لا يقل فى ضراوته وتأثيره، إن لم يكن أكبر، عن الهجمات الإرهابية التى شهدتها الولايات المتحدة فى 11 سبتمبر 2001، تلك التى كانت سببا فى تدمير بلدان وسحق أنظمة سياسة بلا رحمة، انتقاما لتفجير البرجين الشهيرين فى نيويورك، ومحاولة لاستعادة هيبة الدولة الأعظم التى جرحت فى كبريائها على مرأى ومسمع من العالم أجمع.
وربما تكون الضربة الأكثر إيلاما، التى تلقتها الديمقراطية الأمريكية، ليست فى اقتحام مبنى الكونجرس فقط، بل إن المعركة الحامية التى فجرها حذف موقع «تويتر» لحساب ترامب، ستكون ميدانا واسعا لحروب قادمة دفاعا عن حرية التعبير، وعدم خنق منصات التواصل الاجتماعى وشركاتها الكبرى، مساحة التنفس التى تعتقد الشعوب، وخاصة المغلوبة على أمرها، أنها باتت حقا مكتسبا، والنافذة الأهم فى الدفاع عن مصالحها، وحمل أصواتها المكبوته إلى الفضاء المفتوح على العالم.
قد يرحب كارهو ترامب، بالخطوة التى أقدمت عليها منصة «تويتر»، غير أن هؤلاء سيكتشفون يوما ما إلى أى مدى انحازوا لفكرة تكميم الأفواه، وغلق النوافذ وسد الأبواب، بعد أن منحوا عمالقة شركات التكنولوجيا والاتصالات، أمثال تويتر وجوجل وأبل، مباركتهم للتدخل بالحذف والحجب لكل من يخالفهم أو ما يرونه مهددا لمصالحهم.
اتسمت حقبة ترامب بالعديد من الموقف الحمقاء، وتصرف الرجل بغرابة لم نعهدها فى الرؤساء الأمريكيين السابقين، لكن لا أحد يستطيع أن ينكر أن له أنصارا ومؤيدين من حقهم التعبير عن رأيهم، ومن يخرج منهم عن النظم المرعية يتم التعامل معه بالقانون وليس التهديد بسلاح العزل والتهميش، وخنق الأصوات المغايرة، وأمتلاك قوة المنح والمنع لهذا أو ذاك.
يغرد ترامب اليوم داخل القفص وحيدا، بعد أن حظرت «تويتر» إيصال صوته عبر منصتها التى كانت «ملعبه» بتعبير البعض للتواصل مع الداخل والخارج، لكن يخطئ من يظن أن منع ترامب هو مجرد حجب لصوت رئيس على بعد أيام من ترك السلطة، فالحجب مجرد بداية لصراع قادم عنوانه «حرية الرأى والتعبير» فى مقابل مصالح رأسمالية تمثلها منصات بنت مجدها على فكرة فتح الأبواب والنوافذ أمام الأصوات بنبراتها المتنوعة.
قبل التصفيق لإغلاق حساب ترامب على تويتر نهائيا، دعونا نفكر فى خطورة حذف منصات التواصل الاجتماعى للأصوات والأفكار، لأننا، كما قال يوما الزعيم الجنوب أفريقى الأسطورة نيلسون مانديلا: «لا نتعامل فى الحياة مع آلهة، بل مع أشخاص عاديين مثلنا، رجال ونساء تملؤهم التناقضات، ويتسمون بالاستقرار والاضطراب، وبالقوة والضعف، وبالشهرة وعدمها، أشخاص تتصارع فى مجرى دمائهم، قوى الخير والشر»... واختتم بمقولة: «الحرية هبة لا يحبها الجميع».

التعليقات