شرعية التباتة - عماد الغزالي - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 5:57 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شرعية التباتة

نشر فى : الإثنين 10 يونيو 2013 - 9:10 ص | آخر تحديث : الإثنين 10 يونيو 2013 - 9:10 ص

عرفت المنطقة العربية أنماطا عدة من الشرعية، تمايزت وفقا للطريقة التى حصلت بها كل دولة على استقلالها وفكّت بها ارتباطها بالاستعمار القديم، كان أشهرها الشرعية الثورية، كما جرى فى مصر عبدالناصر وليبيا القذافى وسوريا الأسد وعراق صدام حسين، والشرعية القبلية كما هو الحال فى ممالك وإمارات الخليج والمغرب العربى، وارتبط بهاتين الشرعيتين بدرجات متفاوتة شرعيتا الإنجاز والأمر الواقع.

 

إذ لم يكن ممكنا لهذين النمطين أن يستمرا دونما إنجازات على المستويين الاقتصادى والاجتماعى، بعد أن صادرتا السياسة لحساب تنظيم وحيد، وفشلتا فى بناء هياكل سياسية قادرة على استيعاب قوى المجتمع وطوائفه.

 

وفى الحالة المصرية، فإن المساعى للانتقال من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية والقانونية لم تصادف نجاحا كبيرا، فلم تكن منابر السادات ومن بعدها أحزابه، تحظى بحرية حقيقية، وعانت قيودا عدة أثرت على حركتها وأدت إلى ضمور بعضها وتلاشيه، وعملت القوانين المقيدة لنشأة الأحزاب ورغبة النظام فى احتكار المجال العام، على تجريف الحياة السياسية، وسحب الدماء من شرايينها حتى جفّت أو كادت، وهو الأمر الذى استمر طوال عهد مبارك.

 

ومنذ قيام ثورة يناير، بدا أن الشرعيتين الثورية والدستورية تتبادلان المواقع صعودا وهبوطا، وقد أفرز الصراع بينهما نمطا هجينا، يمكن أن نطلق عليه تجاوزا «شرعية الحشد»، التى تفوّقت فى أحيان كثيرة على ما سواها، واستخدمتها كل القوى السياسية وغير السياسية لتحقيق أغراضها، مهما كانت مناقضة للقانون ومتجاوزة للعرف العام، استخدمها الألتراس وأولاد أبوإسماعيل والإخوان والسلفيون وبعض ائتلافات الثورة وقواها الشبابية.

 

كما سعت مؤسسة الرئاسة إلى الاستفادة من هذا الوضع الرخو، فراوحت فى قراراتها بين الشرعيتين الثورية والقانونية لتحقيق أغراض بعينها، فالرئيس ثورى متجاوز كل الأطر القانونية والدستورية أحيانا، شديد الحرص على القانون وأحكامه فى مواضع أخرى، حسب الحاجة والطلب. ومع صعود الجماعة، واستقرار مندوبهم فى «الاتحادية»، صك الإخوان نموذجا غير مسبوق يضاف إلى ما سبق من أنماط الشرعية، يمكن أن نطلق عليه بارتياح «شرعية التباتة».

 

والتباتة كما تعلم، سلوك وثيق الصلة بالتناحة والغتاتة وسماكة الجلد أو انعدام الإحساس، ويمكن اعتبار معركة المثقفين مع وزير الثقافة نموذجا ساطعا فى هذا الإطار، إذ يتم اختيار رجل عديم الكفاءة والموهبة، يجاهر بعدائه للثقافة والمثقفين، ويعلن منذ اللحظة الأولى عن نيته فى تصفية الثقافة المصرية لحساب رؤى ظلامية رجعية، وحين يرفضه المثقفون ويعتصمون ضده، فإن ذلك يزيده استمساكا بالوزارة، بل ويعلن بلا تردد أنه ليس أقل من كل من تولّوا المنصب قبله، برغم سيرته الذاتية الضحلة.

 

طبعا سبق وزير الثقافة فى هذا المسلك «الغتيت» نائب عام غير شرعى، يعلم أنه جاء إلى منصبه بإعلان رئاسى استبدادى، وأن الهيئة القضائية فى مجملها ترفضه، ورئيس وزراء أجمعت كل القوى بما فيها أنصاره من تيار الإسلام السياسى على فشله وسوء أدائه، وقبلهم جميعا رئيس دولة حنث بقسمه وخالف وعوده بعد ساعات قليلة من انتخابه، وصار أداؤه بعد عام كامل على ولايته، عنوانا للفشل والكذب واللوع والخيبة، لكنه يصر على البقاء تنفيذا لمخطط الأهل والعشيرة، وحين تذكره بأنه خالف شروط العقد ودهس بنوده، يقول لك بلا خجل: أنا الرئيس المنتخب!.

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات