أيام قلائل تفصل المصريين عن الاستفتاء على تعديلات دستور ٢٠١٢... والاستفتاء المرتقب يعد بمثابة لحظة مصيرية جديدة فى تاريخ المصريين، والحق أن وصف «مصيرية» تكرر كثيرا على مدار الثلاث سنوات الأخيرة معطيا دلالة واضحة على تعقيدات المشهد المصرى وتصارع الإرادات داخل إطاره.
ولأنها لحظة مصيرية، فقد ذهب أغلب المصريين إلى ما هو أبعد من فكرة النقاش الموضوعى حول مواد الدستور المعدلة، فما عاد أحد يتكلم عن الإيجابيات أو السلبيات إلا على سبيل مهاجمة المعسكر المضاد أو تفنيدا لشبهاته وتبديدا لشكوك وتساؤلات يثيرها.
من وجهة نظر الفريق الذى حسم قراره بالتصويت إيجابيا لصالح تمرير الدستور المعدل، اعتمد القرار بنسبة كبيرة على فكرة (فرض الاستقرار)، لأن المسار المترتب على التصويت بنعم واضح ومحدد سينتقل بالجميع مباشرة إلى آخر محطتين قبل انتهاء الفترة الانتقالية وهما الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية أو العكس (مازال التفاوض قائما حتى لحظة كتابة هذه السطور بين القوى السياسية ومؤسسة الرئاسة حول حسم ترتيب الاستحقاقين الانتخابيين البرلمانى والرئاسى)، أما التصويت سلبيا ضد تمرير الدستور فيقود إلى مصير غامض غير محدد المعالم ما إذا كنا سنعود للعمل بدستور ٢٠١٢ فى نسخته الأولى أم نعود إلى أبعد من ذلك باعتماد دستور ١٩٧١ الذى سقط فى أعقاب ثورة يناير، ويزيد من عمق الأزمة ويرفع احتمالية سقوط البلاد فى فوضى عارمة.
بل إن حتى من أعلن موقفه بمقاطعة الاستفتاء اتخذ موقفه من منطلق رفضه لمشهد إقرار خارطة الطريق يوم الثالث من يوليو وبالتالى عدم اعترافه بكل ما ترتب عليها.. فالإخوان قد حسموا أمرهم مبكرا بالإعلان عن مقاطعة الاستفتاء خشية أن تقدم مشاركتهم «الرسمية» للرأى العام المحلى والعالمى على أنها اعتراف بشرعية السلطة القائمة وهو ما يعنى عمليا تصدعا داخليا هائلا لا يجسر أى من القيادات الإخوانية الحالية على مواجهته.
سيقاطع الإخوان إعلاميا فقط أما على الأرض فلست أشك للحظة واحدة أن كل عناصر الإخوان ستتوجه بكل قوة إلى التصويت بلا على التعديلات من ناحية، وستنشط مجموعات أخرى منهم للقيام بمسيرات فى مختلف أنحاء البلاد بالتزامن مع بدء عملية الاستفتاء هدفها تثبيط همم المشاركين إن لم يذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك بتعمد عرقلة حشود المصريين أو الاشتباك معها.