العدالة على الهواء - عماد الغزالي - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 8:11 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العدالة على الهواء

نشر فى : الإثنين 9 أغسطس 2010 - 11:32 ص | آخر تحديث : الإثنين 9 أغسطس 2010 - 11:32 ص
كتبت قبل سنوات منتقدا نقل وقائع المحاكمات على الهواء،فالمحاكمة ليست مباراة فى كرة القدم ينحاز فيها جمهور المشاهدين إلى فريق دون آخر، ويطلق آهات الإعجاب بقرارات الحكم إن جاءت فى مصلحة فريقه،أو يمطره بالشتائم واللعنات إن جاء حكمه على غير هواه.

وقد تابعت لعدة مرات هذا البث المباشر من ساحات المحاكم، وأفزعنى أن أجد القاضى مشغولا بمتابعة الكاميرا، حريصا على تسوية هندامه إن اتجهت العدسات ناحيته، مبتسما دون مقتضى، وملوحا لمتابعيه فى المنازل على طريقة الكابتن ممدوح فرج، حين يصبح فى وضع «كلوزأب»،أما الإخوة المحامون فحدث ولاحرج: إذا جاء الحكم فى صالح موكليهم أكدوا أنهم كانوا واثقين من البراءة، لأنهم شطّارللغاية، درسوا مداخل القضية ومخارجها، وسخروا خبراتهم القانونية الفذة، وفصاحتهم الباهرة فى المرافعات، كى يحققوا النصر المبين، أما إذا لم يحالفهم الحظ، فيعلنون أن فى جعبتهم العديد من المفاجآت التى ستقلب القضية رأسا على عقب،
ويتوعدون الخصوم فى الاستئناف والنقض، فإذا جاء الحكم النهائى على غير مايرغبون، أكدوا أنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير.
واستكمالا للعرض، يستضيف البرنامج أشخاصا للتعقيب على الحكم، فيعلقون عليه بجسارة لافتة، بعد أن يؤكدوا احترامهم للقضاء والتزامهم بعدم التعليق على أحكامه، فتطمئنهم الست المذيعة بأن الشفافية تقتضى أن نناقش كل شىء بلاحرج، فنحن فى أزهى عصور الديمقراطية.

وتصورت بعد أن منّ الله علىّ بالشفاء من متابعة برامج التليفزيون، أن هذه النوعية من البرامج توقفت، حتى فوجئت بتقرير فى جريدتنا يبدى فيه قضاة آراءهم فى مسألة البث المباشر من ساحات المحاكم، بما يعنى أن العرض مستمر، وأن القضاة والمحامين والمذيعين يواصلون أداء أدوارهم بنجاح، وعلى المتضرر مثلى، أن يخبط دماغه فى الحيط.

الحق أننا وجهنا إهانة بالغة للقضاة حين أنزلناهم من عليائهم،وألقينا بهم ــ أو ألقى بعضهم بنفسه ــ فى بحور السياسة وأمواجها المتلاطمة، فدعوناهم للإشراف على الانتخابات، كى نتأكد من نزاهتها، فجعلناهم عرضة لسخافات العصبيات والقبليات ومندوبى المرشحين، وبدلا من تأكيد نزاهة الانتخابات شككنا فى نزاهتهم.

وبهرت بعضهم الحالة، فتحول إلى مناضل شوارع ونجم فضائيات، يقود المظاهرات ويرفع اللافتات، وينتقل من استوديو إلى آخر معلنا آراءه ومبديا اعتراضاته، وكاشفا ــ فى بعض الحالات ــ عن موقف سياسى وحزبى يجرح حياده المفترض.
كان يحظر على القضاة فيما مضى أن يظهروا بكثرة فى الأماكن العامة، ويشدد عليهم ألا يتوسعوا فى علاقاتهم الاجتماعية كى يبقوا دائما بمنأى عن الشبهات، أما الآن فقد صرنا نتابع معارك القضاة والمحامين، وتحولت أخبار فساد البعض منهم، إلى مادة جذّابة فى الصحافة اليومية.

أوافق بشدة على مطاردة الفاسدين الذين يدنسون ثوب العدالة النظيف، لكننى أرفض أن ننشرعلى الناس هذا الدنس.

أوافق بشدة على إشراف «دولى» على الانتخابات، لكننى أرفض إشرافا قضائيا على كل صندوق،يبيح للبلطجية والجهلاء والحزبيين وعملاء الأمن النيل من كرامة القاضى.
ماجرى أننا بدعوى الشفافية والديمقراطية وحرية الإعلام، انتقلنا بالعدالة ورموزها من التجريد إلى التحديد، ثم إلى التجسيد المبتذل، وهذا خطأ فادح .

 

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات