نظام سياسي يقوم على الأسئلة بلا إجابات - ضياء رشوان - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 8:51 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نظام سياسي يقوم على الأسئلة بلا إجابات

نشر فى : الثلاثاء 8 سبتمبر 2009 - 9:59 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 8 سبتمبر 2009 - 9:59 ص

 الوظيفة الرئيسية لكل الأنظمة السياسية والحكومات الديمقراطية فى مختلف بلدان العالم هى أن تدير شئونها بما يرضى شعوبها ويحقق لهم ــ أو لأغلبيتهم ــ القدر الأقصى من الإشباع والمصالح.

وهذه الإدارة لشئون الشعوب والبلدان والأمم تستلزم ليس فقط القدرة والكفاءة والتفويض الشعبى الديمقراطى للحكومات والأنظمة السياسية، ولكنها تستلزم أيضا ما بات يسمى بالشفافية فى إدارة الشئون العامة والتى تعنى ببساطة أن توفر لشعوبها أكبر قدر ممكن من المعرفة بالحقائق والمعلومات التى تتعلق بهذه الشئون ومعها نفس القدر من الإجابات عن الأسئلة التى تمس حاضرهم ومستقبلهم. وحين تدير شئون أحد البلدان حكومة أو نظام سياسى بدون أى تفويض ديمقراطى من شعبه، بانقلاب أو استبداد، فهو يكون فى حل من أى التزام تجاهه بأى قدر من الشفافية التى تعنى بصورة من الصور إشراك هذا الشعب بقدر ولو ضئيل فى إدارة شئون بلاده وهو ما يتناقض مع الطبيعة القسرية التى يقوم الحكم عليها ويتسم بها. ومن باب أولى وبنفس المنطق، فإن مثل تلك الحكومات والأنظمة تدير شئون البلدان التى تحكمها باعتبارها «ملكية خاصة» بها لا يجب أن تطلع «الغرباء» على أسرارها وتفاصيلها الداخلية، و«الغرباء» هنا هم الشعوب التى لا حق لها فى أن تعرف أى إجابة مسبقة عن الأسئلة التى تتعلق بشئون حاضرها أو مستقبلها سوى فى الوقت الذى تقرره الأنظمة والحكومات التى ابتلاها الزمان بها.

وقد كان من قدر مصر أن ابتليت وشعبها منذ زمن بعيد بذلك النوع من الأنظمة والحكومات التى لا ترى لأحد سواها من حق فى معرفة تفاصيل شئون البلاد ولا أى إجابة مسبقة عن أى سؤال يتعلق بحاضر أو مستقبل البلاد وشعبها. ولم يكن الابتلاء من نصيب عموم الناس وحدهم بل امتد إلى مختلف شرائح النخبة فى مصر التى لا يختلف حالها كثيرا عن حالهم فى الجهل بأى تفاصيل لما يجرى فى حاضر بلدهم أو ما ينتظرها فى المستقبل سواء القريب أو البعيد، وهو ما ينصرف بالطبع إلى إجابات كل الأسئلة الكبيرة والرئيسية التى تتعلق بهذا الحاضر وذلك المستقبل. وضمن هذه الطبيعة المستقرة والدائمة لنظام الحكم المصرى يمكن للمرء أن يرصد بدون عناء يذكر مجموعة كبيرة من هذه النوعية من الأسئلة التى لا يعرف إجاباتها سوى نفر قليل من أركان هذا النظام دون غيرهم بما فى ذلك من يفترض أنهم القيادات العليا فيه وشركاؤهم فى إدارة شئون البلاد.

ومن بين هذه الأسئلة مستقبل رئاسة الجمهورية بعد أن اقترب موعد انتهاء ولاية الرئيس حسنى مبارك الخامسة بعد عامين بالضبط من الشهر الحالى، خاصة فى ظل تزايد كثير من المؤشرات الجلية على أن نجله السيد جمال مبارك بات بالفعل والواقع أقوى المرشحين لخلافته سواء فى انتخابات مبكرة أو فى تلك التى ستجرى فى موعدها الدستورى. وعلى الرغم من أن الحديث عن مستقبل رئاسة الجمهورية واحتمال تولى النجل منصب الأب بات من أبرز الموضوعات التى يناقشها أهل الإعلام والسياسة فى مصر خلال الشهور الأخيرة، وبالرغم من أن السؤال الصريح عنهما قد طرح مرات عديدة بعضها فى مواجهة الأب والابن نفسيهما، فإن أيهما ولا أى من النفر القليل النافذ المحيط بهما تطوع بأى إجابة للسؤال تتناسب مع أهميته وتأثيره على مستقبل البلاد السياسى بكل أبعاده الأخرى. ليس هذا فقط، بل إن الأب والنجل والنفر القليل المحيط بهما من العارفين ببواطن الأمور يصران ليس فقط على تجاهل الإجابة عن السؤال الكبير حول خلافة الرئيس بل إنهم يصرون على أنه التهوين من شأن السؤال وأهميته معطين الانطباع لمن يسألهم بأن مجرد طرحه هو من قبيل سوء الأدب أحيانا ومن قبيل التدخل فيما لا شأن للسائل به من أمور عليا لا يجب عليه إقحام نفسه فيها.

أيضا فإن سؤالا آخر ظل يتكرر طوال ثمانية وعشرين عاما كل ثلاث سنوات أولا ثم كل اثنين، وهى الفترات التى كان يستغرقها مد حالة الطوارئ بقرار جمهورى يوافق مجلس الشعب عليه، حول استمرار هذه الحالة وإذا ما كانت ستمد من جديد ولأية فترة. وفى كل مرة لم يعرف أحد من عامة المصريين أو نخبتهم ــ بما فيها تلك الموجودة بداخل نظام الحكم نفسه خارج الدائرة الصغيرة المغلقة من النافذين ــ أى إجابة مسبقة عن السؤال ولو بشهور قليلة قبل صدور القرار الجمهورية بالمد وعرضه على مجلس الشعب للموافقة عليه. وحتى عندما أعلن الحكم عن نيته إنهاء حالة الطوارئ واستبدالها بقانون خاص بمكافحة الإرهاب وتعهد رئيس الوزراء بنفسه أمام مجلس الشعب بأن يكون المد لعامين هو المد الأخير لها، لم يحظ المصريون بأى إجابة واضحة تتسق مع ما أعلن عندما أوشك عاما المد أن ينتهيا، بل وفوجئوا ــ كالعادة ــ بقرار مد جديد لعامين آخرين بحجة أن إعداد قانون الإرهاب لم ينته بعد. واليوم وبعد مرور نحو عام ونصف العام من هذه المدة الجديدة لا يزال نفس الوضع قائما، فلا أحد تكرم أو تطوع من أركان الحكم أو الحزب الذى يمثله بتقديم أى إجابة شافية لعموم المصريين وخصوصهم عما إذا كانت حالة الطوارئ ستمد من جديد أم إنها ستلغى حسب الوعود الحكومية المتكررة.

وفى نفس المجال السياسى وعلى الرغم من أن الحكومة والشعب وكل من هو على أرض مصر يعرف منذ سنوات خمس أن انتخابات مجلس الشعب ستجرى فى نهاية العام القادم، فإن أحدا فى مصر كلها، بخلاف الدائرة الصغيرة المغلقة من النافذين حول الرئيس ونجله، لا يعرف حتى اليوم النظام الانتخابى الذى سيتم العمل به خلالها وهل هو النظام الفردى أم القائمة وإذا ما كان الأخير فأى نوع من القوائم سوف يتم العمل به؟.. ويظل على المرشحين والناخبين والمراقبين أن ينتظروا كالعادة إلى آخر لحظة، أو اللحظة التى يراها أصحاب القرار ملائمة، حتى يعرفوا النظام الانتخابى الذى سيختار الناس البرلمان على أساسه. وبنفس المنهج والطريقة ولكن فى المجال الاجتماعى، لا أحد فى مصر كلها يعرف حتى اليوم إذا ما كانت الحكومة سوف تؤجل افتتاح المدارس والجامعات المقرر بعد أقل من ثلاثة أسابيع بسبب انتشار إنفلونزا الخنازير أم أنه سيكون فى موعده؟.. ولم يتلق الحكومة ولا حزب أغلبيتها المزعومة بالا حتى اللحظة لكل الآراء والحوارات التى تجرى فى وسائل الإعلام والمنتديات المختلفة والتى يميل عدد كبير منها إلى تأجيل الدراسة لمدة كافية لتجنب مصر كارثة صحية حقيقية.

ضياء رشوان  كاتب مصري وباحث في شئون الجماعات الإسلامية
التعليقات