حنانيك يا مولانا - عماد الغزالي - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 5:01 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حنانيك يا مولانا

نشر فى : الأربعاء 8 يوليه 2009 - 8:28 م | آخر تحديث : الأربعاء 8 يوليه 2009 - 8:28 م

 أحرص دوما على صلاة التراويح فى شهر رمضان المبارك.. عادة أحبها وعبادة أتمنى ألا أنقطع عنها أبدا.

بين الركعات يلقى الإمام خطبة قصيرة للعظة والاعتبار؛ ولإراحة المصلين دقائق قبل أن يواصلوا صلواتهم.

فى رمضان الماضى تعرضت ــ أنا وعشرات غيرى من المصلين ــ لحملة تعذيب قاسية لم أعرف سببا لها حتى الآن.. فقد اعتاد إمامنا الشاب فى كل خطبة أن يقرِّعنا بلواذع الكلام وسعير العبارات دونما مقتضى.. فإذا قال لنا: قوموا إلى الصلاة فى نهاية الخطبة.. كانت نبرته حادة ونظراته جامدة منذرة بأبشع العواقب حتى خلته سيقول: قوموا روحوا فى ستين داهية!
حدثنا مرة عن فضل صلاة القيام وثواب القائمين، وكان يقرأ من كتاب صغير بين يديه.. كان كلامه ــ إذا ما قرأ ــ وديعا مفيدا.. فإذا طوى الصفحات وارتجل.. عنفنا وزجرنا وانهال علينا بالسباب؛ لأننا تركنا صلاة القيام وانغمسنا فى اللهو واللذات.. رغم أننا زهدنا ــ مؤقتا ــ فى الكنافة والقطايف والفوازير والمسلسلات وهرعنا إلى المسجد؛ طمعا فى ثواب صلاة القيام.. لكن مولانا ــ فيما يبدو ــ لم يكن يرانا.

مرة ثانية قال لنا ــ خروجا على سياق الخطبة: أنتم عبيد نسائكم. .تحبون الشهوات وتلهثون خلفها مثل الكلاب الظمآنة ــ إى، والله هكذا ــ وتنسون فروض دينكم وشعائره.

هممت أن أستعطفه وأناشده أن يترفق بنا.. لكن نظرة نارية من عينيه الحمراوين كانت كفيلة بإثنائى عما انتويت وإيثار السلامة.

فى خطبة تالية بشرنا أننا سنظل ــ نحن المسلمين ــ على حالتنا المزرية تلك.. ولن «تقوم لنا قومة».. ولن ننتصر أبدا على «المشركين».. ما دمنا نشاهد برامج التليفزيون ونقلب فى قنوات الدش.

أوشكت أن أقول له: يا مولانا، هم يفعلون هذا وأكثر، ومع ذلك ينتصرون علينا فى كل موقعة.. لكنه رفع حاجب الاستهزاء الأيسر ومط رقبته متوعدا فانكفأت وارعويت.

مرة أخرى قال لنا: أنتم يا سكان مدينة نصر متعرفوش ربنا.. تراكمون الثروات وتكنزون المال ولا تخرجون الزكاة ولا تتصدقون على الفقراء والمساكين.. وبصفتى واحدا ممن لا تنطبق عليهم «أبدا» حكاية الثروات هذه.. استجمعت شجاعتى وقررت أن أواجهه.. أقصد أستدر عطفه وأبين له أننى على الأقل لا تنطبق علىَّ مقولته.. وأننى أعرف عشرات المصلين خلفه ممن يتصدقون فى السر والعلن.. وأكثرهم يقيم موائد الرحمن فى الشهر الكريم، ويذبح الأضحيات ويوزعها على الفقراء فى منطقتنا وخارجها.. لكن شجاعتى تلاشت حين تنحنح مولانا وخلته يخاطبنى: نعم عايز تقول حاجة؟

وبلغ السيل الزُّبى ــ أو هكذا تصورت ــ حين انتقد «المتسبسبين» حليقى اللحية وكنا كُثرًا.. فخاطبت نفسى: لا.. لحد كده وكفاية لازم أقوم له.. لكننى لاحظت أنه يبتسم نصف ابتسامة وقد سبل عينيه ومال قليلا بجذعه فأصابتنى رعدة أقعدتنى تماما.

ولا أنسى حين «شتمنا» ــ نحن القاعدين عن الجهاد ــ فيما المسلمون يذبحون كل يوم فى أفغانستان وكشمير والفلبين والهند.. ووجدته فى هذه اللحظات يعتلى درجات المنبر الثلاث ــ وكان يلقى علينا الخطب من قبل جالسا ــ ويرفع يده اليمنى بالمصحف ويصيح بقوة: إلى الجهاد.. فكدت أقول له: طيب وأنت إيه اللى مقعدك يا مولانا.. لكن انتفاضته تلك أفزعتنى وكومتنى فى موضعى.

كان يدهشنى أن مولانا الشاب لا يسبنا ويلعن «سلسفيل» جدودنا إلا حين يرتجل.. فتمنيت ألا يغلق الكتاب الذى يقرأ منه «أبدا».

لكن ما أدهشنى أكثر أننى وكل المصلين كنا حريصين على الصلاة خلف مولانا.. مستعذبين إهاناته وسلاطته غير المبررة.. وحتى حين قررت أن أسد أذنىّ حين يرتجل «شلَّت» يداى عن الحركة وتجمدت أصابعى.. بعدما انهارت قدراتى على المقاومة أمام فحيح نظراته المرعبة.

لكننى أعدكم أن أبحث فى شهر رمضان القادم عن مسجد آخر.. لا يشتمنى إمامه.. ولا يرانى ــ رغم مواظبتى على الصلاة خلفه ــ زير نساء عبدا للشهوات.. معجبانى حليق الذقن.

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات