فلسفة ديباجة اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية - مواقع عالمية - بوابة الشروق
الأربعاء 15 مايو 2024 4:44 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فلسفة ديباجة اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية

نشر فى : الأربعاء 8 يونيو 2022 - 8:00 م | آخر تحديث : الأربعاء 8 يونيو 2022 - 8:00 م

نشر موقع Eurasia Review مقالا بتاريخ 2 يونيو للكاتب ميلان جازبيك، تناول فيه بنية ديباجة اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية وما يكمن خلف نصوصها... نعرض من المقال ما يلي.

بداية، تمثل اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية  (VCDR)، جنبًا إلى جنب مع اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية (VCCR)، جوهر القانون الدبلوماسي والقنصلي، وكذلك جوهر النظرية والممارسة الدبلوماسية. تم اعتماد كلتا الاتفاقيتين ودخلتا حيز التنفيذ منذ 60 عامًا؛ اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية في عام 1961 (61 دولة موقعة) وتم التصديق عليها في عام 1964 (192 تصديقًا)، واتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية في عام 1963 (49 دولة موقعة) وتم التصديق عليها في عام 1967 (182 تصديقًا).

ومع الأخذ في الاعتبار التسلسل الزمني والهيكل والعلاقة بينهما، سنجد أن اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية مشتقة من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية. على كلٍ، ما يهمنا هو أننا نرى القليل من الوثائق القانونية الدولية الذي حصل على عدد غير مسبوق من التصديقات، وتم قبوله واحترامه وتطبيقه عالميًا. ومن ثم، يتم تفسيره ومناقشته وتطويره من خلال العديد من الأوراق البحثية والخبراء والآراء التجريبية. تركز هذه الكتابات بخاصة على الأوصاف القانونية والبروتوكولية وتفسيرات اتفاقيتى فيينا للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية، مما يعني أننا نواجه إعادة لتفسيرهما بشكل مستمر.

يهدف هذا المقال إلى إلقاء نظرة على اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية بهدف اكتشاف ما يكمن في النص وخلفه، مع التركيز على المقدمة وفلسفتها.

• • •

باديء ذي بدء، فلسفة ديباجة اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية تساعدنا على فهم الغرض متعدد الأوجه والمتشابك والبنيوي والسياقي للاتفاقية. وبالرغم من أن الديباجة أبعد ما تكون عن كونها مجرد مقدمة لجسد أو نص الاتفاقية، إلا أنه يتم التعامل معها على أنها بيان سياسي للدول الأطراف في الاتفاقية لأنها تعكس أن التزامهم بها يعني الحفاظ على السلم والأمن الدوليين. وبالتالي، فهي تعكس أيضًا مفهوم الدبلوماسية، وتظهر دفاعا لا هوادة فيه من أجل السلام والأمن وتعزيز العلاقات الودية بين الأمم (الوظيفة الخامسة للبعثة الدبلوماسية). أخيرًا وليس آخرًا، الديباجة ترسي أساسا قانونيا واسعا وواضحا وثابتا لما يفعله الدبلوماسيون، يتميز بالتقاليد والاستمرارية والانفتاح والمرونة والاحترام والموافقة المتبادلة والأخلاق. وهناك طموح مستمر لهذه الجوانب لتكون حاضرة على أساس يومي في الممارسة الدبلوماسية.

• • •

تتكون الديباجة من صياغة افتتاحية وختامية وخمس فقرات. تؤدي هذه البنية إلى فهم أكثر جوهرية للديباجة، وتقدم رؤى جديدة في إيصال رسائلها، كما تكشف النقاب عن تحفة المؤلفين، والتي تختلف تمامًا عن الوثيقة القانونية الرسمية والجافة. وبالتالي، فإن كل بند يخدم رسالة دبلوماسية وسياسية مستقلة ذات دلالة سياسية ملحوظة.

تبدأ الصياغة الافتتاحية للديباجة بـ"الدول الأطراف في الاتفاقية الحالية". مما يعني أنها دول قومية، أو فاعلون قانونيون رئيسيون في المجتمع الدولي وبالتالي تعد الدبلوماسية في هذا المجتمع نظاما لا غنى عنه. كما تلفت الافتتاحية انتباه القارئ والقارئة إلى فقرات الديباجة، وتعرض جوهرها.

أما الصياغة الختامية فتنهي الديباجة بعبارة: "اتفقت على ما يلي"، وتفتتح في نفس الوقت الجسد الرئيسي للاتفاقية. الصياغة الختامية تظهر أيضًا الديباجة كقطعة مستقلة يمكن أن تكون بمثابة دليل صغير للنظرية والممارسة الدبلوماسية. يكون هذا ملحوظًا بشكل خاص عند إلقاء نظرة فاحصة على النقاط البارزة في كل فقرة من الفقرات الخمسة في الديباجة، وهي: "الإشارة" و"وضع في الاعتبار" و"الإيمان" و"الإدراك" و"التأكيد". وفي السطور التالية نعرض نص هذه الفقرات لفهم ما يكمن خلفه.

• • •

تنص الفقرة الأولى على ما يلي: "إذ تشير إلى أن شعوب جميع الدول منذ العصور القديمة قد اعترفت بوضع المبعوثين الدبلوماسيين".

سنجد أن هذا البند يبدأ بشكل دقيق، ويقدم تعريفًا مكثفًا للغاية عن الدبلوماسية وكل شيء تقريبًا يجب أن نعرفه عنها. فالدبلوماسية هي أداة قديمة للتوسط بين مختلف الكيانات، والتي نشأت منذ أكثر من 5000 عام ("من العصور القديمة"). وبالإضافة إلى عرض التسلسل الزمني لتطور الدبلوماسية، فإنه يوضح أيضًا أن الدبلوماسية لا تخلو من التقاليد والصبر. وأخيرا، يعزز هذا البند أداة الحصانة الدبلوماسية ("اعترفوا بوضع المبعوثين الدبلوماسيين") التي تم قبولها لآلاف السنين.

الفقرة الثانية جاء فيها: "إذ تضع في اعتبارها مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بالمساواة في السيادة بين الدول، والحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وتعزيز العلاقات الودية بين الدول".

يقدم هذا البند جوهر الدبلوماسية، أي الحفاظ على السلم والأمن ومنع النزاعات والحروب، وكل ما تدور حوله الدبلوماسية. ودبلوماسيات الدول ذات السيادة والمتساوية قانونًا تواصل هذه المهمة وهذه المبادئ. علاوة على ذلك، فإن تعزيز العلاقات الودية بين الدول يشكل هدفا أخلاقيا للغاية.

نأتي للفقرة الثالثة والتي تقول: "وإذ تؤمن أن اتفاقية دولية بشأن العلاقات الدبلوماسية والامتيازات والحصانات من شأنها أن تسهم في تنمية العلاقات الودية بين الدول، بغض النظر عن اختلاف نظمها الدستورية والاجتماعية".

يعلن هذا البند صراحةً عن حسن النية ونوايا الدول، وهو ما يقدم بُعدًا أخلاقيًا آخر ولا سيما مع الأخذ في الاعتبار القبول الواضح للاختلافات في النظم الدستورية والاجتماعية للدول. كما يؤكد أهمية الوثيقة القانونية التي من شأنها أن تشمل كل هذه الخصوصيات، ونقاط قوة الدبلوماسية كأسلوب وأداة لإدارة العلاقات بين الدول. باختصار، يوضح هذا المقطع الأهداف المشتركة لأطراف اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية.

أما الفقرة الرابعة فتنص على ما يلي: "إدراك أن الغرض من هذه الامتيازات والحصانات ليس إفادة الأفراد بل ضمان الأداء الفعال لمهام البعثات الدبلوماسية بصفتها تمثل الدول".

يكشف هذا البند عن أهم جوانب اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية وهي أن وظيفة العمل الدبلوماسي تسير جنبًا إلى جنب مع الحصانة الدبلوماسية المطلقة، ليس من أجل من يتمتع بها، ولكن من أجل مهمته أو مهمتها. فالدبلوماسية مهنة، لكنها قبل كل شيء مهمة نبيلة، والمهمة الدبلوماسية تخدم مصالح الدول الممثلة وليس مصالح من يمثلها.

أخيرا، الفقرة الخامسة جاء فيها ما يلي: "التأكيد على أن قواعد القانون الدولي العرفي ينبغي أن تستمر في تنظيم المسائل التي لا تنظمها صراحة أحكام هذه الاتفاقية".

يؤكد لنا هذا البند قوة القانون العرفي، فضلاً عن الثقة التي استثمرها أطراف الاتفاقية في القانون العرفي وفي بعضهم البعض. وإن كانت الدول حرة في الانضمام إلى الاتفاقية، إلا أنها ملزمة بها. هذه هي الأخلاق الموجودة دائمًا في العمل الدبلوماسي وأنظمته القانونية. بالإضافة إلى ذلك، تلخص الفقرة الأخيرة الروح والفلسفة الكاملة للدبلوماسية، بالإضافة إلى رسالتها ومفهومها.

• • •

كلمة أخيرة، هذه هي الدبلوماسية؛ اختيار دقيق للكلمات لا نهاية له، وإرسال مستمر للرسائل في السياق القانوني، والذي يجب أن يكون دائمًا مبتكرًا، ومهذبًا.

ترجمة وتحرير: ياسمين عبداللطيف زرد

النص الأصلي 

التعليقات