لماذا يحب المصريون أوباما؟! - علاء الأسواني - بوابة الشروق
الأربعاء 15 مايو 2024 12:18 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا يحب المصريون أوباما؟!

نشر فى : الإثنين 8 يونيو 2009 - 5:31 م | آخر تحديث : الإثنين 8 يونيو 2009 - 5:31 م

 ذهبت لحضور خطبة الرئيس الأمريكى أوباما فى جامعة القاهرة وجاء مكانى بالصدفة بين نمطين مختلفين من المصريين، فقد جلس خلفى نواب مجلس الشعب من الإخوان المسلمين.. بينما جلس أمامى عدد كبير من ممثلى السينما والإعلاميين المشهورين.. وقد لاحظت أن ردود الفعل على الخطاب من الفنانين والإخوان المسلمين كانت واحدة، فقد صفقوا بنفس القوة فى نفس المواضع من الخطاب. وقد استوقفنى ذلك الحماس الغامر الذى تلقى به الحاضرون جميعا الرئيس أوباما فقد وقفوا وصفقوا طويلا بمجرد ظهوره واشتد تصفيقهم وهم يودعونه. وقضيت الأيام التالية أتحدث عن زيارة أوباما مع كل من أقابله.. وخرجت بالملاحظات التالية:

1ــ المصريون يحبون أوباما فعلا.. هذه حقيقة لا يجوز إنكارها أو التقليل من شأنها أو السخرية منها باعتبارها دليلا على السذاجة كما فعل بعض الكتاب. واجبنا دائما أن نحترم مشاعر المصريين ونسعى إلى فهمها والتعلم منها. والحق أن رأى الناس العاديين، العفوى الصادق، كثيرا ما يدلنا على حقائق قد لا ينتبه إليها المثقفون... لقد أعجب المصريون بأوباما من أجل شخصيته وما يمثله.. فهو ذكى لبق، مجتهد، حاصل على درجة رفيعة من التعليم، تخرج فى أكبر الجامعات الأمريكية (هارفارد وكولومبيا).. وهو يتمتع بحضور سياسى قوى مؤثر يجعل الناس يصدقونه ويثقون فيه بسهولة. وهو أيضا أفريقى ملون مما يجعله بعيدا عن أى نظرة استعلائية عنصرية للعرب، وهو مولود لأب مسلم لازال يحمل اسمه، انفصل عن والدته التى لم تلبث أن تزوجت من مسلم آخر اصطحبها مع ابنها إلى بلده إندونيسيا حيث عاش أوباما من سن السادسة وحتى العاشرة من عمره. ومع أن أوباما مسيحى إلا أن هذه الخلفية الإسلامية، فى نظر المصريين، تجعله يتعامل دائما باحترام مع المسلمين الذين يعتنقون ديانة أبيه وأقاربه...

على أن السبب الأهم لإعجاب المصريين بأوباما هو ما يمثله من قيم. إن تولى رجل أسود لمنصب الرئاسة فى أمريكا، يعنى ببساطة أن المجتمع الديمقراطى يكفل تكافؤ الفرص للمواطنين جميعا بغض النظر عن لونهم وديانتهم ومستواهم الاجتماعى. وأن الكفاءة هى المعيار الأهم فى الترقى وأن الانتخابات الحرة تدفع بأفضل المواطنين كفاءة وأكثرهم موهبة إلى المناصب العليا. وأن المواطنين وحدهم أصحاب الحق فى اختيار من يحكمهم عن طريق الانتخابات الحرة.. كل هذه المعانى العظيمة يفتقر إليها المصريون فى حياتهم. فاعتبارات الاجتهاد والتعليم والذكاء والكفاءة، لا تضمن أبدا الترقى فى الحياة وفى مصر نادرا ما يطبق العدل بل إن مستواك الاجتماعى يحدد عادة طريقة تعامل القانون معك. كما إن مناصب الدولة، المحجوبة عن معظم المصريين، لا تمنح أبدا إلى الأكثر كفاءة وإنما إلى الأكثر ولاء وقربا من النظام مهما يكن فاشلا أو فاسدا. كما أن المصريين محرومون من انتخاب من يحكمهم والرئيس الحالى احتكر السلطة ثلاثين عاما بغير أن يخوض انتخابات حقيقية واحدة ويتم الإعداد الآن لكى يتم توريث السلطة من الأب إلى نجله.

2 ــ مهما يكن إعجاب المصريين بالرئيس أوباما كبيرا فلا يعنى ذلك أبدا أنهم باتوا أكثر تسامحا مع الجرائم الأمريكية فى العراق أو المذابح التى ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين.. بل العكس صحيح.. فبقدر ما نقم المصريون على الجرائم الأمريكية الإسرائيلية، تعلقت آمالهم بالرئيس أوباما من أجل تحقيق العدل.. وبقدر ما كره المصريون غطرسة جورج بوش وعنصريته وكراهيته للإسلام، توسموا فى باراك أوباما نظرة أكثر احتراما وإنصافا وإنسانية للعرب والمسلمين.. وقد ظهرت تلك التوقعات الكبيرة فى صورة مقالات عديدة توجه فيها كتاب ومثقفون إلى الرئيس أوباما بطلبات محددة. وبالرغم من فرح المصريين بالجزء الأول من خطبة أوباما عندما تحدث عن عظمة الإسلام وتسامحه فإن كثيرين قد أصابتهم خيبة الأمل عندما تكلم عن الصراع العربى الإسرائيلى فلم يخرج إطلاقا عن الخط التقليدى للسياسة الأمريكية..

والحق أن إعجابنا بنموذج الرئيس أوباما لا يجب أن ينسينا أنه رئيس الولايات المتحدة وليس رئيسا لبلد عربى أو إسلامى وبالتالى فان ما يعنيه بالأساس تحقيق مصالح الأمريكيين لا مصالحنا نحن. كما أن السياسة الخارجية الأمريكية لا يرسمها الرئيس وحده ولا يستطيع أن يغيرها وحده كما يحدث فى بلادنا المنكوبة بالاستبداد.. إن قدرة الرئيس الأمريكى على إحداث تغييرات سياسات جذرية تكون فى القضايا الداخلية أكبر منها بكثير فى السياسة الخارجية. فالإعلام والتعليم فى الولايات المتحدة لا يوفران للمواطن الأمريكى معرفة كافية بما يحدث فى أنحاء العالم مما يعفى صانع السياسة الخارجية غالبا من ضغط الرأى العام.. كما أن حدود السياسة الخارجية ترسمها بدقة جماعات ضغط ومصالح بالمليارات للشركات الأمريكية الكبرى.. أضف إلى ذلك إن العلاقة الأمريكية الإسرائيلية بالذات خط أحمر، وحقل ألغام حقيقى أمام أى مسئول أمريكى حتى ولو كان الرئيس نفسه، الخطأ الواحد هنا قد يكلفه مستقبله السياسى كله. من الناحية العملية، فإن تأييد إسرائيل الكامل يعتبر أحد الشروط الأساسية لتولى رئاسة الولايات المتحدة.. حتى لو كان الرئيس يعتقد غير ذلك فإن عليه أن يحتفظ برأيه لنفسه ولا يتقاعس عن تأييد إسرائيل وإلا دفع ثمنا باهظا.. من السذاجة إذن أن نتوقع من باراك أوباما أن يدين إسرائيل أو يسعى جادا إلى منعها من ارتكاب الجرائم فى حق أهلنا فى فلسطين. من الممكن أن يتكلم أوباما فى هذا الاتجاه لكن إسرائيل فى النهاية، سوف تفعل ما تريد. وقد رأينا منذ أيام كيف نادى أوباما بوقف المستوطنات فأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو فى نفس اليوم أن بناء المستوطنات لن يتوقف أبدا.

وبنفس المقياس فإن ما يستطيع أوباما أن يفعله فى مجال دعم الديمقراطية فى بلادنا قليل جدا أو منعدم. لقد قامت السياسة الخارجية الأمريكية دائما على مساندة أسوأ الديكتاتوريات فى العالم الثالث.. بل إنها كثيرا ما دبرت عن طريق المخابرات المركزية انقلابات دموية ومجازر ضد رؤساء منتخبين (كما حدث فى شيلى ضد الرئيس المنتخب سلفادور الليندى عام 1973).. فالمؤسسة الرأسمالية الأمريكية تفضل بقاء الديكتاتورية فى العالم الثالث، لأن التعامل مع أنظمة استبدادية فاسدة يسهل العمل على الشركات الكبرى التى قد تهدد الحكومات الديمقراطية مصالحها.. الرئيس أوباما، إذن مهما بلغ إعجابنا به لا يستطيع أن يتخطى حدود السياسة الخارجية الأمريكية، ولو بخطوة واحدة.

..إن الحفاوة التى تلقى بها المصريون الرئيس أوباما، لها جانبان أحدهما إيجابى والآخر سلبى.. الإيجابى أن إعجاب المصريين به يعكس أشواقهم للعدل والحرية.. لقد رأيت كثيرين من الذين حضروا خطبة أوباما يتساءلون بتهكم لا يخلو من حسرة: أليس من حقنا فى مصر أن نحظى برئيس منتخب كفء مثل باراك أوباما..؟.. لم يفكر أحد فيهم بالطبع فى جمال مبارك.. إن المقارنة بين أوباما وجمال مبارك تعكس بالضبط الفرق بين الديمقراطية والاستبداد.. بين الرئيس المنتخب الكفء.. والوريث البعيد عن أى كفاءة أو خبرة سياسية.. إن زيارة أوباما قد وضعت المصريين، من جديد، أمام المرآة. فأدركوا إلى أى مدى أوصل الاستبداد بلادهم إلى الحضيض فى كل المجالات.. أما الجانب السلبى من حب المصريين لأوباما فلأنهم وقد عجزوا عن تغيير واقعهم البائس قد صاروا يتطلعون إلى بطل أسطورى يأتى من الخارج ليقيم العدل ويعطيهم حقوقهم المسلوبة.. إن الاستبداد هو أصل الكوارث فى مصر. لكن تحقيق الديمقراطية فى بلادنا ليس مهمة الرئيس الأمريكى وإنما واجبنا نحن، لن يساعدنا أحد مادمنا لا نساعد أنفسنا..
الديمقراطية هى الحل.

علاء الأسواني طبيب أسنان وأديب مصري ، من أشهر أعماله رواية عمارة يعقوبيان التي حققت نجاحا مذهلا وترجمت إلى العديد من اللغات وتحولت إلى فيلم سينمائي ومسلسل تليفزيوني ، إضافة إلى شيكاجو ونيران صديقة ، وهو أول مصري يحصل على جائزة برونو كرايسكي التي فاز بها من قبله الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا ، كما أنه صاحب العديد من المساهمات الصحفية.
التعليقات