عندما تتداخل السياسة والتكنولوجيا - محمد زهران - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 3:12 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عندما تتداخل السياسة والتكنولوجيا

نشر فى : السبت 8 أبريل 2023 - 8:05 م | آخر تحديث : السبت 8 أبريل 2023 - 8:05 م
فى أكتوبر من السنة الماضية صدر كتاب فى أمريكا بعنوان «حرب الرقائق» أو (Chip War) من تأليف كريس ميللر أستاذ التاريخ الدولى فى جامعة تافتس فى أمريكا، هذا الكتاب مهم للغاية فى شرح ما يحدث على الساحة الدولية حاليا بين الدول الكبرى وبالأخص أمريكا والصين. الرقائق هى أهم القطع فى جميع أجهزة الكمبيوتر والسيارات المتقدمة وأجهزة التليفون المحمول، بل والكثير من الأجهزة الطبية والعسكرية. الكتاب يتحدث عن الصراع بين الدول لامتلاك التكنولوجيا اللازمة لتصميم وتصنيع هذه الرقائق فى وقت قليل وبكميات كبيرة وبكفاءة عالية لأن من يسيطر على تلك الصناعة يسيطر على العالم حاليا، يكفى أن نعرف أن أكبر شركة فى العالم تقوم بتصنيع تلك الرقائق تسمى (TSMC) وتوجد فى تايوان بالقرب من الصين، وأمريكا لن تسمح للصين بالسيطرة على شركة كهذه تمتلك نحو 54% من الإنتاج العالمى لرقائق الكمبيوتر. هذا مثال واضح للتداخل بين السياسة والتكنولوجيا وهو ما نود أن نناقشه فى مقال اليوم، كيف تؤثر السياسة على التكنولوجيا وكيف تؤثر التكنولوجيا على السياسة؟
السياسة تؤثر على التكنولوجيا بطرق عدة، العلاقات السياسية بين الدول تؤثر على الطريق الذى تتخذه كل دولة فى إدارة شئونها التكنولوجية، فمثلا عندما منعت إدارة أوباما تصدير رقائق شركة انتل للصين فى فترة ما، استخدمت الصين رقائق صينية وصممت بها جهاز سوبر كمبيوتر اعتلى المركز الأول عالميا فى قائمة أسرع 500 سوبر كمبيوتر فى العالم وهى قائمة يتم تحديثها مرتين كل عام، السوبر كمبيوتر هو جهاز كمبيوتر فائق السرعة، وما تفعله إدارة بايدن مع الصين خاصة شركة هواوى يؤثر بالطبع على خارطة الصين التكنولوجية ويؤدى إلى تغيير أولوياتها. لنأخذ مثالا آخر وهو تطور الصين وأمريكا فى أبحاث الذكاء الاصطناعى، الذكاء الاصطناعى يعتمد على شيئين: توافر معلومات لتدريب برمجيات الذكاء الاصطناعى وتطوير البرمجيات نفسها. الشركات فى الصين كلها تتبع الدولة، لذلك الحكومة الصينية تجعل تلك الشركات التى تعمل على تطوير برمجيات الذكاء الاصطناعى تتعاون، فى حين أن أمريكا تركت شركاتها لاقتصاد السوق وبالتالى تتنافس. أما فيما يتعلق بالمعلومات فالصين تجمع معلومات كثيرة عن مواطنيها وجميع مرافق الدولة وتجعل تلك المعلومات متاحة للشركات لتدريب البرمجيات. أما أمريكا فعندها قواعد وقوانين للخصوصية وبالتالى المعلومات الكثيرة ليست متاحة للشركات، هذه العوامل التى هى سياسية فى أساسها تجعل الصين متقدمة على أمريكا فى استخدام برمجيات الذكاء الاصطناعى.
هناك عامل آخر تؤثر فيه السياسة على التكنولوجيا بطريق غير مباشر وهو الاقتصاد. التكنولوجيا فى أساسها تنبع من العلم، والطريق من العلم إلى التكنولوجيا يعتمد على الاقتصاد فى صورة ريادة الأعمال والشركات الكبرى إلخ وهذه تتبع سياسات الدولة.
أما بخصوص تأثير التكنولوجيا على السياسة فحدث ولا حرج، عندما ظهر الإرسال التليفزيونى وكان تكنولوجيا متقدمة آنذاك واستخدمت لإذاعة المناظرة الرئاسية بين جون كنيدى وريتشارد نيكسون، هذه المناظرة غيرت منظور المناظرات الرئاسية لأنها أدخلت عوامل مثل كيف يتحرك الشخص وكيف يتكلم وليس فقط ماذا يقول. من تأثيرات التكنولوجيا على السياسة استخدام باراك أوباما للتكنولوجيا الرقمية بكثافة فى حملته الرئاسية الأولى، فقد كان يستخدم قنوات على اليوتيوب وصفحات على الفيسبوك إلخ، قد يبدو هذا طبيعيا الآن لكنه لم يكن كذلك أبدا أثناء حملة أوباما الانتخابية. كل ذلك يدل على أن التكنولوجيا أصبحت سلاحا فى يد الساسة. التلويح بالوصول لتكنولوجيا متقدمة أصبح أيضا من وسائل التقرب للشعوب فمثلا فى أثناء الحرب الباردة أعلن جون كنيدى فى 25 مايو 1961 إرسال أمريكى إلى القمر ونزوله عليه قبل نهاية العقد (أى قبل 1970)، طبعا لك أن تتصور كيف ازداد حماس الشعب الأمريكى حين سمع ذلك وتابع تطوره حتى تحقق سنة 1969. التكنولوجيا أيضا تؤثر على القرارات عن طريق جمع المعلومات (نحن فى عصر المعلومات الوفيرة) وتحليلها.
أيضا التكنولوجيا تعتبر سلاحا فى يد الدول التى تمتلكها تسيطر به على الدول التى تحتاج تلك التكنولوجيا، فقد تعطى تلك الدول المتقدمة بعضا من تلك التكنولوجيا كوسيلة للمساعدة أو السيطرة وبذلك تصبح تلك الدول فى حاجة إلى الدول المصدرة للتكنولوجيا.
فى النهاية نريد أن نقول إن التكنولوجيا تأتى من العلم بمساعدة من الاقتصاد والإدارة والسياسة، والعلم يأتى من التعليم، إذا التعليم الممتاز هو الركيزة الأساسية لامتلاك تكنولوجيا متقدمة والتى تعتبر قوة ناعمة وخشنة فى نفس الوقت، بمعنى أدق التعليم يعتبر أمنا قوميا.
محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات