كى لا نفقد أوباما مبكراً - إيهاب وهبة - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 2:03 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كى لا نفقد أوباما مبكراً

نشر فى : الأحد 8 مارس 2009 - 3:27 م | آخر تحديث : الأحد 8 مارس 2009 - 3:27 م

 أعترف بداية أن هذا العنوان قد يأتى صادما للكثيرين، حيث يفترض أننا سنفقد أوباما إن عاجلا أو آجلا. والواقع أن هذا هو ما أخشاه بالفعل، غير أننى فى الوقت ذاته أعتقد أنه فى إمكاننا أن ندفع عن أنفسنا هذه النبوءة أو على الأقل أن نؤجل من وقوعها لأطول مدة ممكنة.

لا أريد هنا أن أتوقف كثيرا عندما كثر الحديث حوله من أصوله الأفريقية، أو نشأته فى أكبر البلدان الإسلامية تعدادا، بالرغم من أن ذلك لابد وأن يكون قد استقر فى عقله الباطن على الأقل، أو انطبع بدرجة أو أخرى فى ذاكرته، وأسهم فى تشكيل شخصيته ومنطلقاته. ليس هذا هو المهم الآن، الأهم أن هذا الرجل قد قدم نفسه للرأى العام الأمريكى والعالمى بمفاهيم جديدة وبمؤهلات أو «أوراق اعتماد» تتقاطع تماما مع أفكار الكثير من أسلافه ممن سكنوا البيت الأبيض. وإليكم الدليل:

أكد إيمانه العميق بالعدالة وحقوق الإنسان، وأتبع القول بالفعل، حيث قرر البدء فى تصفية معسكر جواناتنامو وتجريم تعذيب المعتقلين وغير ذلك من الإجراءات.

أعلن أن قراراته لابد وأن تأتى فى إطار من الشرعية الدولية وبعد التشاور مع الأصدقاء والحلفاء وليس عن طريق الانفراد بالرأى ومحاولة فرض ذلك على الغير.

يرى أن زعامة أمريكا تفرض عليها أن تكون البادئة بضرب المثل الجيد والصالح فى تصرفاتها.
ويقول بكل الوضوح إن أمن أى أمريكى إنما يعتمد على أمن من يعيش على الجانب المقابل من حدود بلاده. أليست هذه رسالة واضحة لمن يعقل من الإسرائيليين؟.

ثم يتحدث بكل الاحترام والإكبار عن الدين الإسلامى الحنيف.

من منا يمكنه أن يختلف مع هذه المنطلقات أو لا يتعاطف معها؟ تحدث الرجل فى مناسبات عدة عن الكثير من القضايا الأخرى. تحدث عن الشرق الأوسط وعن إيران وعن العراق، بالإضافة إلى هاجسه الأكبر المتمثل فى الأزمة الاقتصادية العالمية. غير أن هذه القضايا لا أريد أن أتعرض لها تفصيلا، إذ أن ما يهمنى هى تلك المنطلقات والمعتقدات التى شكلت هذا الشخص والتى لابد وأن تتحكم فى تصرفاته وتحدد من سياساته.

وهنا يثور التساؤل.. هل نحن قد أعددنا العدة كى نتحاور مع هذا الرجل؟ هل وضعنا الاستراتيجية لاستثمار منطلقاته تلك التى لا يختلف أحد حول إنسانيتها وشفافيتها؟ حتى وإن اختلفنا معه فى بعض الأفكار.. هل هيأنا أنفسنا كى نجادله بالحسنى كى نغير من هذه الأفكار أو نطورها ونبعد عنه جماعات الضغط الصهيونية؟

أقول بكل أسف إننى لا أستشف مثل هذا الاستعداد من جانبنا حتى الآن.. أقول هذا ونحن نرى الأمة العربية على هذه الحالة التى ظهرت بها فى قمة الدوحة وقمة الكويت. أقول هذا والعلاقات الأزلية التى تربط بعض البلاد العربية ببعضها، أقل ما يقال عنها أنها قد أصابها الوهن.

يؤلمنى أيضا أن يتحدث البعض فى هذا الوقت العصيب عن نظام إقليمى جديد بذريعة أن الجامعة العربية لم تعد قادرة على مواجهة التحديات المستجدة. وفى اعتقادى أن معاول الهدم الموجه للجامعة العربية ليست لنجدة العرب، إنما لتجريدهم مما تبقى لديهم من إمكانيات لعمل مشترك فعال ولإذابتهم فى تنظيمات جديدة هى أقرب إلى السراب وأبعد ما تكون عن الهدف المرجو. ثم ما الذى يحدث بالضبط فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، هذا النزاع والتراشق بين القادة فى الضفة والقطاع، فى الوقت الذى تضرب فيه إسرائيل شرقا وغربا وعلى شريطنا الحدودى دون رادع.

لم يتأخر أوباما يؤما واحدا منذ تولى سلطته عن التعامل مع منطقتنا فقام بتعيين مبعوث له سبق أن صنع المعجزات فى أماكن أخرى، وأجرى أوباما الاتصالات مع القادة العرب من اليوم الأول. وحث قادة الكونجرس على زيارة المنطقة بما فى ذلك سوريا وغزة. أعلم يقينا أن بعض مستشاريه قد نصحوه بألا يحرق أصابعه منذ البداية بالانغماس فى مشكلة الشرق الأوسط بكل أبعادها، وعوضا عن ذلك عليه أن يركز على المسار السورى الإسرائيلى لأنه أيسر حلا والأقرب منالا وتحقيقا للنتائج السريعة. ألا يجب أن نقول بصوت واضح وموحد لأوباما أن المسارين السورى والفلسطينى لا تعارض بينهما ويمكن أن يسيرا جنبا إلى جنب.

أعلم أيضا أن إسرائيل تعارض بكل شدة مشاركة حماس فى أية مفاوضات حتى وإن كانت حماس جزءا من حكومة ائتلاف وطنى، وواضح أنها نجحت فى إقناع الإدارة السابقة بهذا المنطق المعوج. من الذى سيصحح هذه المغالطات للإدارة الجديدة، هل مصر هى التى عليها أن تقوم بذلك، أم سوريا، أم قطر. ولماذا لا تسمع الإدارة الجديدة وممثليها وأعضاء الكونجرس صوتا واحدا من الجميع. ألم يحن الوقت لطى صفحة الخلافات العابرة والترفع عن التنابز بالألقاب.

جرى العُرف فى أمريكا على الحكم على الرئيس الجديد بعد مرور مائة يوم على دخوله البيت الأبيض. ومن حسن الحظ أن مؤتمر القمة العربية القادم فى الدوحة سينعقد قبل مرور هذه المدة. فهل يخرج العرب من هذه القمة برأى موحد وموقف متماسك لا يعطى الفرصة لمن يحرص على المزيد من شق الصف وتعميق الخلافات؟ هل سنتمكن من استثمار منطلقات أوباما ونسد الطريق أمام أى تراجع عنها؟ علينا ألا نفقد هذا الأمل كى لا نفقد أوباما.

إيهاب وهبة مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأمريكية
التعليقات