عن الحركة الشعبية والدولة: كيف ورث الجيش القيادة السياسية؟ - طلال سلمان - بوابة الشروق
الأربعاء 17 أبريل 2024 1:30 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن الحركة الشعبية والدولة: كيف ورث الجيش القيادة السياسية؟

نشر فى : الأربعاء 8 يناير 2014 - 8:30 ص | آخر تحديث : الأربعاء 8 يناير 2014 - 8:30 ص

اختفت السياسة من الوطن العربى وفيه، أو تكاد.. اندثرت الأحزاب الوطنية أو القومية أو التقدمية، سواء منها تلك ذات الدور فى النضال الوطنى من اجل التحرر والتقدم، أو تلك التى كانت تمثل «البرجوازية الوطنية» بمن فيهم أهل «الإقطاع» أو تلك النخب التى حاولت، مطلع القرن الماضى، تقليد الحركة السياسية فى الدول التى كانت تستعمر بلادنا فى المشرق أو فى المغرب، وبالتحديد فرنسا وبريطانيا.

وحتى ما تبقى من تلك الأحزاب التى شكلتها النخب الثقافية والاجتماعية منذ مطلع القرن الماضى فى مواجهة قوى الاستعمار والاحتلال، والتى كانت ــ بغالبيتها ــ ترفع شعارات سياسية موجهة ضد المستعمر (الجلاء، الجلاء..) طلبا لتحرير البلاد (الوفد فى مصر، الكتلة الوطنية وحزب الشعب فى سوريا، حزب الاستقلال فى العراق الخ..).

سيمضى وقت قبل أن تنشأ أحزاب بالشعار القومى، منادية باستعادة الوحدة الطبيعية التى مزقها الاستعمار (الحزب السورى القومى الاجتماعى بقيادة انطون سعادة مناديا بوحدة الهلال الخصيب، سوريا ولبنان والعراق ومعها قبرص فى منتصف الثلاثينيات) أو بالعمل لتوحيد الوطن العربى جميعا بمشرقه ومغربه (حزب البعث العربى الاشتراكى الذى أطلق الدعوة إليه ميشال عفلق وصلاح البيطار، ثم انضم إليهما أكرم الحورانى وآخرون)... قبل أن تتلاقى نخبة فلسطينية مع بعض الشباب القومى على تأسيس «حركة القوميين العرب»، منادية هى الأخرى بالوحدة العربية باعتبارها الطريق لتحرير فلسطين وبناء الغد الأفضل.

وكان لافتًا دور «المسيحيين» فى تأسيس الأحزاب ذات الشعار القومى وسواء أكان مقصورًا على «سوريا الطبيعية» أو يشمل مختلف الأقطار العربية مشرقا ومغربا.

•••

لابد من الإشارة أيضا إلى الحركة الشيوعية العربية التى أطلت أواخر العشرينيات وبداية الثلاثينيات من القرن الماضى عبر الحزب الشيوعى الذى كان واحدا فى لبنان وسوريا.. وقد تمكن من إيصال أمينه العام خالد بكداش إلى المجلس النيابى فى دمشق فى الانتخابات المفصلية التى شكلت تطورا نوعيا فى العمل السياسى العربى منتصف الخمسينيات إذ هى حملت مرشحين لحزب البعث إلى هذا المجلس، وعرف الناس «العمل العقائدى» بالشعار الذى يتجاوز حدود القطر (أو الدولة) إلى المناداة بالوحدة العربية.

ولقد تزامن هذا الحراك مع اندفاع مصر فى معركة تأكيد إرادتها الوطنية بقرار تأميم قناة السويس، ثم بمواجهة العدوان الثلاثى الذى اشتركت فيه بريطانيا وفرنسا مع العدو الإسرائيلى، بما أهلها ــ تحت قيادة جمال عبدالناصر ــ إلى تسلم الموقع القيادى فى حركة النضال العربى.

فى هذا المناخ، قبل جمال عبدالناصر محرجا ومضطرا، مطالبة سوريا بالاندماج مع مصر فى دولة واحدة هى «الجمهورية العربية المتحدة»، مشترطا حل الأحزاب السياسية أو ذوبانها فى تنظيم أنشئ على هيئة «جبهة شعبية» باسم «الاتحاد القومى».

ولن تعيش هذه الدولة إلا ثلاث سنوات ونصف السنة لأن الوعى الشعبى كان دون مستوى حماية هذا الحلم القومى الجميل (الوحدة)، وهكذا عادت سوريا إلى كيانها «القطرى» ليعود الصراع السياسى فيها إلى الدوامة التى كانت فيها، فاتحا الباب أمام الانقلابات العسكرية التى توالت بوتيرة متسارعة ولم تجد خاتمة لها إلا مع تقدم حافظ الأسد لتولى السلطة كاملة بعدما كان قد «رتب» أوضاع الجيش و«الحزب» بما يناسب مشروعه السياسى الذى عاش به ومعه حتى توفاه الله فى العام ألفين، وبعدما تم ترتيب الأوضاع ليتولى نجله المهام القيادية جميعا الذى كان يتولاها، مع فارق واضح فى طبيعة الرجلين.

أما فى العراق فقد كان حزب البعث الشريك الأضعف فى ثورة 1958 التى قادها الجيش بزعامة عبدالكريم قاسم ومعه عبدالسلام عارف.. ثم سرعان ما استبعد قاسم عارف واستعان بالشيوعيين فى مواجهة البعثيين وحركة القوميين العرب وسائر الناصريين، حتى العام 1963 حين عاد البعث إلى السلطة بانقلاب عسكرى سرعان ما اعقبه انقلاب ثان فانقلاب ثالث حتى استقر الأمر لصدام حسين (بواجهة نسيبه احمد حسن البكر) الذى حكم بشعار «وحدة، حرية، اشتراكية» لمدة خمس وثلاثين سنة متصلة، خاض خلالها حروبا عدة، آخرها غزو الكويت، أنهكت «بروسيا العرب» وانتهت بالاحتلال الأمريكى للعراق وتدميره فى ربيع 2003..

بالمقابل فان حركة القوميين العرب قد شاركت بنسبة أو بأخرى، ولفترات قصيرة، مع «منافسها» الأكبر حزب البعث، ثم طاردها وطردها من جنة الحكم فى أقطار المشرق، إلى أن نجحت الثورة التى قادتها فى جنوب اليمن الذى كان يحكمه مجموعة من السلاطين والشيوخ فى ولايات عدة تحت الحماية البريطانية. بعد الانتصار أقامت الحركة التى كان مناضلوها قد اكتشفوا ــ متأخرين ــ الشيوعية، «جمهورية اليمن الديمقراطية» التى لم تكن لتعيش من دون مساعدة أو حماية الاتحاد السوفييتى.. خصوصا وان قياداتها قد تعمدت الابتعاد عن جمهورية اليمن ــ الأم. ولقد انتهى هذا المشروع، فعليا، مع سقوط الاتحاد السوفييتى، بعدما كلف أكثر من حرب مع «الجمهورية» فى صنعاء، وها هى الوحدة التى كلفت كثيرا من الدماء تبدو مهددة اليوم كما اليمن جميعا.

•••

على الضفة الأخرى كانت القيادات الإسلامية تظهر مخترقة المجال السياسى بدءا من أواخر العشرينيات (حركة الإخوان فى مصر)... وقد تمددت هذه الحركة إلى المشرق، انطلاقا من فلسطين (وغزة أساسا..) وصولا إلى سوريا.

ولقد وجدت حركة الإخوان مناخا ملائما فى مصر التى عرف شعبها بالتدين، فنمت وتعاظم وجودها فى الريف والصعيد خاصة، وان ظلت قيادتها مدينية إلى حد كبير. وكان بديهيا بعد ذلك أن تصطدم بالسلطة (الملكية) ثم بالثورة تحت قيادة جمال عبدالناصر، وان يعرف قادتها وجمهورها الاعتقال لمدد طويلة.

•••

كذلك فان المشروع الإسرائيلى لفلسطين قد وفر لهذه الحركة مناخا ملائما: الإسلام مقابل اليهودية. لكن المسافة بين المشروعين كانت فلكية، فمن دولة يهودية على ارض التوراة إلى المناداة بالخلافة الإسلامية التى تشمل كل البقاع التى وصل إليها الإسلام. وكان طبيعيا أن يظل هذا المشروع وهما غير قابل للتحقق، وان وجد من يرعاه ويجمع له الأنصار، من دون أن ينتبه إلى ما أصاب مشروع الخلافة العربية (الشريف حسين) وأصاب الأمة العربية جميعا تحت غطاء الوهم الذى روجت له بريطانيا (والغرب عموما) وهى تسعى لوراثة تركة الخلافة العثمانية التى كانت قد انهارت فعلا ولم يتبق منها حتى تركيا، التى هجرت الإسلام إلى العلمانية الاتاتوركية وهجرت معها اللغة العربية (لغة القرآن) إلى الحرف اللاتينى.

كان طبيعيا أن يتصادم المشروع الإسلامى والمشروع القومى.. ثم حسم الصراع على السلطة، تحت الشعار الحزبى، أمر الحركتين معا، فتهاوت الحركة القومية بأحزابها، وان ظلت بعض شعاراتها مرفوعة لتمويه طبيعة الحكم فى الأقطار التى وصل إلى السدة فيها عسكريون حزبيون عن طريق الإفادة من الجيش لتحقيق هذا الهدف.

•••

أما المشروع الإسلامى فها هى مصر تدفع ثمنه من دماء أبنائها كما من استقرارها ومن اقتصادها ومن دورها الذى لا بديل منه فى منطقتها.

وتبدو تونس مرشحة بدورها لمرحلة من عدم الاستقرار فى ظل التنافر القائم بين الدولة المدنية فيها، والتى أرسى دعائمها الحبيب بورقيبة وحزبه الدستورى قبل ستين عاما، وبين مشروع الدولة الإسلامية الذى يموهه أصحابه بالدعوة إلى الائتلاف مع «العلمانيين» تحت قيادتهم.

مؤسف هو الاعتراف بأن تجارب الحكم الحزبى فى الوطن العربى قد انتهت بتدمير «الدولة» التى اصطنعها الأجنبى، فى الغالب الأعم، وتمزيق وحدة الشعب..

وها هى الأمثلة صارخة: من سوريا إلى العراق إلى اليمن..

وإذا كانت مصر قد وجدت فى شعبها ومعه جيشها المنقذ من الحكم الإسلامى فإن كلفة هذا الإنقاذ كانت باهظة جدا..

المؤسف أكثر أن التجارب الحزبية الفاشلة، بل المدمرة، قد أساءت إلى فكرة التنظيم الشعبى كرافعة للنضال من اجل الاستقلال وبناء دولته بقوى الشعب وقدراته.

خصوصا وان وريث الحكم الحزبى إسلاميا كان أم بعثيا أم قوميا ممركسا لم يكن الأحزاب العلمانية أو الجبهة التى تجمع فى افيائها قوى الشعب الحية المؤهلة والقادرة على بناء دولتها الوطنية العتيدة.

بل هى الفوضى الدموية التى تهدد بتفجير الحرب الأهلية فى أكثر من بلد عربى.

وإذا كان من الظلم اتهام الأحزاب عموما بالمسئولية عن فشل الأنظمة التى حكمت الشعوب باسمها، فإنه لمن العدل أن تستنتج ما وصلت إليه شعوب العالم من خلاصات أبرزها أن الحكم الفردى ليس هو الطريق.

طلال سلمان كاتب صحفي عربي بارز، مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، كما أنه عضو في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية - المدونة: www.talalsalman.com
التعليقات