وفى «الوثائق».. أيضًا - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 8:56 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وفى «الوثائق».. أيضًا

نشر فى : الأحد 7 ديسمبر 2014 - 7:00 ص | آخر تحديث : الأحد 7 ديسمبر 2014 - 1:30 م

ربما لا جديد يقال، فنحن ندور فى حلقة مفرغة بعد أن استكثرنا على أنفسنا أن فعل أبناؤنا ما عجزنا نحن عن فعله لعقود طويلة: «التغيير» أو بالأحرى الخطوة الأولى؛ الأصعب عادة نحو بناء دولة معاصرة ديموقراطية تقوم على العدل والمساواة بين «جميع» مواطنيها، كما لا جديد فى أحكام براءة مهدنا لها الطريق بأيدينا، إجراءات قانونية معيبة، وإعلام كرس كل أدواته لغسل العقول، وإرادة سياسية لم تدرك منذ اليوم الأول أن للانتقال أحكامه «إن كنا صادقين».

من مظاهرات الاحتجاج على براءة مبارك ومعاونيه    تصوير: حسين طلال

بشرط أن يتحقق له استقلاله الذى يحارب من أجله القضاة منذ ثلاثة عقود، كنت دوما من الذين يَرَوْن أن نظامنا القضائى، بدرجاته المتعددة والمستند إلى المدرسة الفرنسية هو الأكثر إحقاقا للعدل «فى زماننا هذا»، مقارنة بما هو مطبق فى بعض دول الجوار من نظام يعتمد على «القاضى الشرعى»، أو مقارنة بنظام «المحلفين» الأمريكى المسئول فعليا عن أزمة فيرجسون الأخيرة. 

ورغم تاريخنا الطويل جدا فى مخاصمة ما يجب أن يكون من استقلال «حقيقى» للقضاء، فضلا عن الاستهانة بالدستور والقوانين، وإهدار الأحكام والإجراءات الواجبة (راجع المادة ٥٣ وما بعدها من الدستور على سبيل المثال، وراجع مقالات طارق البشرى في «وجهات نظر» وونجاد البرعى فى هذه الجريدة) إلا أننى كنت دوما من القائلين بأن لا دولة بلا قضاء مستقل عادل، ولا دولة بلا احترام غير مشروط لأحكام القضاء (بمعنى وجوبية تنفيذها)، ولكنى أود أن أنبه إلى شائعة لاكتها الألسنة كثيرا حتى باتت وكأنها صحيحة. تقول بالتجريم «المطلق» للتعليق على أحكام القضاء. لست من رجال القانون الذين أرجوهم أن يدلونا على «نص» لهذه العبارة الشائعة فى قانون سارى. إذ حسب علمى (والله أعلم) أن أصل القصة يعود إلى المرسوم بقانون رقم ٢٨ لسنة ١٩٣١ والصادر فى عهد إسماعيل صدقى (وهو من هو). والمشكلة أن الذين يعودون بنا إلى هذا القانون لا يغفلون فقط عن حقيقة أن النص لا يتعلق إلا بما من شأنه «التأثير على الأحكام» قبل صدورها (وهو الأمر الذى صار أثره للأسف جليّا واضحا)، إلا أنهم يتناسون أيضا أن المذكرة الإيضاحية للقانون والتى وضعها على باشا ماهر وزير الحقانية فى حينه تشير إلى: «..ولا يُقصد من ذلك منع الجرائد من النقد القانونى للإجراءات والأحكام التى تصدر عن القضاة والمحاكم.. فكل نقد جدى وبحسن نية لا يجوز اعتباره جريمة»

•••

أيا ما كان، وحتى لا نتوه فى نقاشات عقيمة حول حجية الأحكام، والمسئولية المفترضة عن «الأدلة الغائبة» أو تلك التى غضضنا عنها الطرف. فقد كنت قد آثرت الأحد الماضى أن أكتب عن «القضية التى لا تحتاج إلى مداولة»، كما، مثل الشمس الساطعة لا تحتاج إلى برهان. واليوم، إن أذنتم أُكمل النهج ذاته. فأضع رأيى جانبا. وأترك هذه المساحة لسطور من وثيقة «رسمية»، كنت قد أشرت لها ولمثيلاتها فى هذه المساحة أكثر من مرة فى باب الإلحاح على ضرورة أخذ الخطوات الضروية نحو تطبيق تدابير «العدالة الانتقالية» الخمس، وأولها وركيزتها «إماطة اللثام عن الحقيقة.

عنوان الوثيقة: «ملخص التقرير النهائى للجنة التحقيق وتقصى الحقائق بشأن الأحداث التى واكبت ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١». وهى اللجنة التى كان قد صدر بتشكيلها قرار رئيس الوزراء رقم ٢٩٤ لسنة ٢٠١١ فى التاسع من فبراير ٢٠١١ كخطوة ربما استهدفت «كغيرها» امتصاص غضب الجماهير التى كانت محتشدة يومها تطالب برحيل مبارك. ترأس اللجنة المستشار الدكتور عادل قورة الرئيس الأسبق لمحكمة النقض، وتولى أمانتها العامة المستشار عمر مروان الذى شارك فى كل اللجان اللاحقة.

تم الانتهاء من التقرير وتقديمه إلى النائب العام؛ عبدالمجيد محمود وقتها (حسب ما كانت قد قررته المادة السابعة من قرار تشكيل اللجنة) فى ١٤ أبريل ٢٠١١

قدمت اللجنة تقريرها بالنص التالي: « إن ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ ثورة اجتماعية كاملة بمعنى الكلمة إذ شكلت حدثا فاصلا بين عهدين ونقلة كبيرة بين نظامين. وكانت هناك عوامل بمثابة الوقود الذى أشعل هذه الثورة يمكن إيجازها فى: الفساد السياسى، وغياب شبه كامل للحريات العامة والأساسية، وصنع ديمقراطية ديكورية لم يتفاعل معها الشعب المصرى، وغيبة العدالة الاجتماعية، وبروز الفوارق الشاسعة بين الطبقات.. وتخلى النظام السابق نهائيا عن مسئولياته السياسية والاجتماعية تجاه المواطنين، وانتشار الرشوة والمحسوبية حتى أصبحت لغة وثقافة متعارف عليها يوميا فى حياة المصريين، والقمع الأمنى الذى استخدمه النظام فى تمرير مشاريعه وإسكات الأفواه المعارضة له، والتضليل الإعلامى وتفريغ الحقائق من مضمونها.. إلخ»

ثم يمضى التقرير «الرسمى» الذى كان قد سُلم إلى النيابة العامة فى أبريل ٢٠١١ ليعرض تسلسل الأحداث فيما يلى (نصا):

ــ قرر الشباب الدعوة إلى التجمع والخروج للتعبير عن أمانيهم فى التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية بشكل سلمى متحضر.

ــ وكان النداء إلى الاشتراك فى مظاهرة احتجاجية يوم ٢٥ يناير ٢٠١١ بميدان التحرير على شبكة المعلومات الدولية معبرا عن رغبة شعبية جارفة لم يتوقعها أكثر الداعين إلى هذه المظاهرة تفاؤلا، وكان لافتا أنها تضم جميع الطبقات والطوائف والثقافات، وانتشارها فى ربوع البلاد.

ــ اتسمت هذه المظاهرات بالسلمية والإصرار على إحداث التغيير، وتواصلت عبر الأيام من ٢٥ يناير ٢٠١١ إلى أن حققت هدفها يوم ١١ فبراير ٢٠١١ بتخلى رئيس النظام عن الحكم.

ينتقل التقرير بعد ذلك مباشرة للحديث عن دور الشرطة ونظام مبارك فى مواجهة المظاهرات «السلمية». ويحدد ذلك فى النقاط والوقائع التالية: (وأنا هنا أنقل نصا)

ــ فى يوم ٢٥ يناير ٢٠١١ سارت المظاهرات سلمية فى جميع مواقع التظاهر، ولكنها قوبلت بالعنف فى السويس، حيث قُتل ثلاثة وأصيب خمسة من المواطنين بإطلاق النار عليهم من قبل قوات الشرطة، فكان ذلك بمثابة وقود تأجيج الثورة. (الصفحة ٤ من التقرير)

ــ استمرت المظاهرات فى اليومين التاليين ٢٦ و٢٧ يناير رغم محاولات تفريقها من الشرطة.

ــ كان يوم الجمعة ٢٨ يناير «جمعة الغضب» يوما فارقا فى تاريخ مصر بعد أن احتشد المتظاهرون فى إصرار على تغيير النظام، قابله عنف غير مسبوق من الشرطة، فسقط المئات من الشهداء، وأصيب الآلاف فى جميع الأنحاء، وانسحبت الشرطة عصر ذلك اليوم أمام الإصرار الشعبى، ونزلت القوات المسلحة إلى الشارع، وفرضت حظر التجول بعد أن تمت عمليات حرق ونهب وتخريب للممتلكات العامة والخاصة.

ــ تواصلت المظاهرات أيام ٢٩ و٣٠ و٣١ يناير وظهر الانفلات الأمنى بصورة أوضح وعلى مدى أوسع.

ــ فى يوم ١ فبراير ظهرت دعوات لتأييد الرئيس مقابل المظاهرات التى تطالب برحيله.

ــ شهد يوم الأربعاء ٢ فبراير ٢٠١١ اعتداء مناصرى الرئيس على معارضيه باستخدام الجمال والجياد وبعض الأسلحة البيضاء فيما عرف إعلاميا بموقعة الجمل فوقع العديد من الضحايا والمصابين، وكان لهذا الاعتداء نتيجة سلبية على دعم الرئيس، بينما زاد المناهضون له قوة وإصرارا على تحقيق هدفهم. (يحدد التقرير فى الصفحات من ١٤ إلى ١٧ مسئولية اعتداءات «الأربعاء الدامى» كما يسميه فى قيادات الحزب الوطنى، وعناصر من الشرطة السرية، ورجال الإدارة المحلية..).

•••

حديث الوثائق الغائبة، أو تلك التى أنستنا إياها ماكينة «غسل المخ الإعلامى» الجهنمية كثيرة، وفيها الكثير الذى غيبته صناديق سوداء لا حصر لها ولا عد.

ولكن، يبقى أن هذا بعض ما ورد فى تقرير «رسمى» منشور نسيناه، وكان أن ذكرنا به حكم البراءة «غير المفاجئ» الذى طَرَح فى اليوم التالى بالتبعية سؤالا احتل (فى توافق لافت) مانشتات الصحف كلها: «من إذن القاتل؟»

ثم كان (فى توافق لافت أيضا) أن ذهب بعضُ معلقى الشاشات وبعض الصحف فى إجابتهم عن «السؤال المشروع» والمتوقع إلى توجيه أصابع الاتهام صراحة أو ضمنا «أو تمهيدا» إلى «كتائب القسام.. والأمريكان.. والإيرانيين.. وقطر.. وإسرائيل.. وأولئك الأجانب ذوى الشعر الأصفر الذين كانوا فى التحرير.. إلى جانب الإخوان بالطبع» (البعض تحدث عن تحالف لثمانى دول). ولم ينتبه كل أولئك «الدببة» إلى أن الخيال قد يذهب بهم بعيدا إلى ما قد يطرح بالضرورة أسئلة «صعبة» ستكون ساعتها منطقية. وهى الأسئلة التى ازدحمت بها تعليقات الشباب على مواقع التواصل الاجتماعى التى كانت قد انفجرت سخرية من تلك الاتهامات. (لا تنسوا أن هذا الشباب شاهد عيان على الأحداث والوقائع). أولُ تلك الأسئلة، وربما أهمها سيكون حول «مسئولية» الجهات الأمنية التى كان من المفترض أنها مسئولة عن حماية المواطنين، والتى (إذا صحت رواية المعلقين) تتحمل مسئولية تسلل كل هذه الأسلحة «المتطورة»، وكل هذا العدد من الأجانب «العملاء» قبيل يناير ٢٠١١، حتى نجحوا فى قتل كل هذه الأعداد فى مدن مصرية مختلفة (!).

لا أعرف إن كان هناك من سيدرك خطورة أن يكون مثل ذلك السؤال مطروحا، أم لا. ولكنى أعرف أن «سؤال المصداقية» سيفرض نفسه حتما عند ملايين الشباب الذين كانوا بأنفسهم فى الميادين «شاهد عيان».

•••

وبعد..

فليس هذا دفاعا عن الإخوان، أوغيرهم، فهم لم يكونوا موجودين بأسلحتهم فى ميدان عبدالمنعم رياض السبت الماضى حين قتلت الرصاصات الحية شابين فى عّمر الزهور كانا قد شاركا فى تظاهرات الاحتجاج على البراءة (راجع: عمرو الشوبكى فى «المصرى اليوم»، ٢ ديسمبر ٢٠١٤). كما أننى، وهذا هو الأهم واحد من الذين يعتقدون أن الإخوان / الجماعة (فى مصر) هم المسئول الأول عن إخفاق تجربة التغيير فى منطقة الربيع العربى كلها، ويتحملون أمام الله والتاريخ مسئولية ما جرى لشبابهم ولغير شبابهم.. وللمستقبل (وفى هذا حديث يطول لم يحن أوانه بعد). ولكنى أيضا واحد من الذين قرأوا فى الكتاب «أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ» النجم ٣٨، ثم قرأوا فى الدستور أن «العقوبة شخصية...» المادة ٩٥

......................

كما أن هذا ليس دعوة لانتقام من أحد، أو لتوجيه اتهام «على المشاع» يطول الجميع. فنحن دوما نتحدث عن عدالة انتقالية «لا انتقامية»، ولا انتقائية بالطبع؛ لا تهدف بتدابيرها التى غابت غير ضمان عدم تكرار انتهاكات الماضى، فتهدأ النفوس، ويشيع إحساس «غاب» بالعدالة.. ونمضى إلى المستقبل.

هى دعوة إلى شىء من الحكمة. وحرص على ما تبقى من مصداقية تضررت بكثير جدا مما جرى بعد الثالث من يوليو. فليس من المنطق أن نتغاضى، أو بالأحرى ألا نألوا جهدا فى تشويه ما جرى فى يناير على مدى عام ونصف العام، ثم نأت اليوم لنتحدث عن قانون يجرم الإساءة إليها. فبعض العقول مازالت فى مكانها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة الكاتب:
twitter: @a_sayyad
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة:


أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات