رب ضارة نافعة

ربما تكون تداعيات موقعة الخرطوم فرصة لمراجعة كثير من الأوهام التى عششت فى عقولنا أو التى أريد لها أن تكون كذلك. 

سمعنا فى تداعيات الأزمة أن مصر لم يكن لها دور عربى ولا يحزنون، وأن ما قدمته للعرب أخذت مقابله ويزيد، وأنها حين قررت أن تنسحب من محيطها عاقدة صلحا منفردا مع إسرائيل لم يبق لها حقوق عليهم، وأن مساندتها للثورات التحررية كان بدوافع ذاتية ومصلحية تماما، وحتى حروبها ضد إسرائيل لم تكن دفاعا عن الحقوق العربية فى فلسطين، وإنما كان دفاعا عن وجودها هى.

سأسلم بهذا كله، وأطالب بأن يسلك مخططو سياساتنا الخارجية على المنوال ذاته.

مصر عربية طبعا وإسلامية قطعا، بحكم اللغة والجغرافيا والدين والتاريخ، لكن فى السياسة فإن مصلحة الوطن تبقى دائما فوق أى أعتبار، دون أن يقود ذلك بالضرورة إلى تصادمات مع دوائر انتمائها الأخرى، فتركيا، التى تضطلع الآن بدور لافت فى القضايا العربية، تسعى بكل طاقتها كى تكون عضوا فى الجماعة الأوروبية، وإيران نسيت فجأة فارسيتها، وقررت أن تنزل بثقلها فى العراق ولبنان وفلسطين كى تحقق نفوذا يمكنها أن تستخدمه فى مواجهة الضغوط الأمريكية والأوروبية ضد طموحها النووى، أما الأهم فإن كرامة المصريين لا يجب أن تهان لا من العرب ولا من غيرهم.

بعضهم سعى إلى استغلال موقعة الخرطوم كى يروج للناصرية، والحق أن عبدالناصر هو من حمل الهم العربى فوق كتفيه ــ وهو ما ينكره بعضهم الآن ــ غير أنى أزعم أن الدور المصرى الأكثر تأثيرا فى المحيط العربى لعبه طه حسين ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وأم كلثوم وعبدالوهاب وعبد الحليم حافظ والعقاد ويوسف شاهين وصلاح أبوسيف والأزهر والجامعات التى تلقى فيها الآباء المؤسسون للنهضة فى هذه البلدان تعليمهم، أما منتجنا الثقافى والفنى اليوم فيحمل توقيعات سعد الصغير والعمدة وبعرور وبلالا.

ما أريد قوله هو أن مصر القوية القادرة أنفع لعروبتها وللإسلام، أما مصر الضعيفة الفقيرة الغارقة فى مشكلاتها، فلن تنفع حتى نفسها، وسيقى مواطنوها أذلاء فى الداخل، مهانون ومستضعفون فى بلاد الأشقاء والأجانب على السواء.