العرب وموضوع السلاح النووى - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 6:19 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العرب وموضوع السلاح النووى

نشر فى : الخميس 7 سبتمبر 2017 - 10:05 م | آخر تحديث : الخميس 7 سبتمبر 2017 - 10:05 م
موضوع معاهدة عدم انتشار الأسلحة الذرية واستعمالها كحق يراد به باطل هو موضوع يهمّنا، نحن العرب، كموضوع استراتيجى من جهة، وكموضوع وجودى من جهة أخرى.
لقد آن الأوان أن نحسم الموقف العربى من هذا الموضوع لنقول بصوت عال بأننا لسنا مع معاهدة عدم انتشار الأسلحة الذرية لأنها تميز فيما بين الدول على أسس قيمية كاذبة. فهى تسمح للدول التى كانت تملك أسلحة ذرية قبل توقيع المعاهدة فى عام 1965 بالاحتفاظ بترساناتها الذرية، بينما تحرم امتلاكها من قبل باقى الدول. وهذه قسمة ضيزى، مهما قدم من أسباب موجبة.
وفى الوقت نفسه، وبنفس القوة، نحتاج إلى الرفض التام لانتشار الأسلحة الذرية بين جميع الدول، فهذا تعميم للشر وتحرك نحو دمار هذا العالم من قبل هذا المجنون أو ذاك السادى النرجسى. ذلك أن تاريخ العالم الحديث قد أثبت بصورة قاطعة أنه لا يوجد نظام سياسى فى أى بلد، بما فيها البلدان الديموقراطية العريقة، فيه من الحصانات والضمانات التى لا تسمح بوصول مجنون أو أحمق أو سادى إلى مركز اتخاذ القرار الحاسم بشأن استعمال أسلحة الدمار الشاملة.
لنا عبرة فى استعمال الولايات المتحدة للقنبلة الذرية فى اليابان، وتدمير مدينتين غير عسكريتين، وقتل وجرح وإعاقة مئات الألوف من سكانهما، وذلك بالرغم من تأكد القيادة الأمريكية بأن اليابان كانت فى طريقها للاستسلام وإعلان نهاية الحرب.
لنا عبرة أيضا فى استعمال الولايات المتحدة الأمريكية المادة الكيميائية السامة والمسرطنة، المعروفة بمادة «الأورنج»، فى حرق وإتلاف وتسميم ما يقارب من نصف غابات فيتنام، وقتل وجرح وإعاقة وسرطنة مئات الألوف من سكانها، بالرغم من معرفتها أن الملايين من المدنيين الأبرياء سيكونون عرضة للموت أو الإعاقة أو المرض عبر سنين طويلة قادمة.
لذلك فإن النقطة الأساسية التى انطلقت منها معاهدة عدم الانتشار للأسلحة الذرية، من أن هناك دولا عاقلة لن تستعمل أسلحتها الذرية، وبالتالى يمكن لها أن تحتفظ بترسانتها الذرية، ومن أن هناك دولا غير عاقلة وغير ديموقراطية على الأخص، وبالتالى لن يسمح لها بامتلاك السلاح الذرى... إن تلك النقطة الأساسية كانت مبنية على وهم وعدم الأخذ بعين الاعتبار لدروس الحادثين البائسين السابقين فى اليابان وفى فيتنام اللذين قامت بهما دولة ديموقراطية.
***
لنمعن النظر فى نوعية القيادات الخلقية والثقافية والإيديولوجية التى انتخبها الملايين من الناخبين مؤخرا فى بعض البلدان الديموقراطية ونستمع إلى التصريحات الخطرة الصادرة بشأن الخلاف الأمريكى ــ الكورى الشمالى، حتى نرى صحة ما نؤكده من وجود إمكانية كبيرة لاستعمال الأسلحة الذرية من قبل من يمتلكونها، وبالتالى إضافة بؤس جديد للبؤس الذى تعيشه البشرية وتعيشه بيئة الأرض التى نعيش فيها.
نحن العرب، الذين نعيش الموضوع الذرى بكل جوانبه وتعقيداته، خصوصا بالنسبة للكيان الصهيونى الذى يمتلك ترسانة كبيرة من الأسلحة الذرية، ويهدد دوما باستعمالها إن لزم الأمر، وتدور قيادته فى دائرة الحمق والجنون والإجرام، ويجعل كل دول المنطقة العربية وغير العربية تفكر فى امتلاك السلاح الذرى لحماية نفسها من هذا الكيان الاستعمارى العنصرى الاستيطانى الاقصائى، نحن العرب يجب أن نكون من أول المنادين، لا بمنع لانتشار ولكن بتحريم الامتلاك من قبل أية دولة، وبالتالى بتدمير كل الأسلحة الموجودة عند الدول المميزة عن باقى دول هذا العالم.
هذا هو الموقف المطلوب سواء من قبل مجلس التعاون الخليجى أو الجامعة العربية أو الاتحاد المغاربى أو منظمة المؤتمر الإسلامى. ومثلما قاد العرب حركة عدم الانحياز فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى فإنهم يستطيعون أن يكونوا فى طليعة من يواجه هذا الموضوع القائم على التفرقة بين الدول فى قيمتها الدولية وعلى أوهام سياسية كاذبة.
تغطية لب الموضوع بثرثرات سياسية وإعلامية عن جنون رئيس هذه الدولة أو عن عدم الثقة فى قيادة تلك الدولة أو عن طريق التهديد والوعيد، وكأن مستقبل العالم رهينة فى يد هذه الدولة أو تلك، لن يخفى حقيقة السخافات والأكاذيب والتلاعب بالألفاظ التى يمتلئ بها حقل الموضوع الذرى برمته وبكل تجليات تطبيقاته.
***
موضوع استعمالات الطاقة النووية ليس موضوعا سياسيا، حتى يخضع لمساومات وتقلبات السياسة، وإنما هو موضوع وجودى بامتياز، ويحتاج أن يعالج كذلك.
وبالطبع نحن ندرك الشلل والضياع وقلة الحيلة الذى أصاب الحياة السياسية العربية. وهذا يعنى عدم قدرة النظام السياسى العربى، على أى مستوى كان، أن يأخذ المبادرة بالنسبة لأى موضوع كان.
ولكن هل تستطيع مختلف مجموعات التواصل الإلكترونى الاجتماعى العربية أن تقوم هى بطرح الموضوع على المجتمعات المدنية فى منطقتنا وفى العالم كله، لتكوين صوت جماهيرى عالمى كبير يطالب بتدمير كل الأسلحة الذرية وتحريم امتلاكها من قبل أى بلد كان، وتطوير الموضوع النووى برمته، على المستوى الدولى، لمنع انتقال تكنولوجيا الذرة إلى أن تصبح قط، عبر القرون، مصدر إيذاء للبشر والأرض التى يقطنون.
إذا استطاع شباب وشابات هذه الأمة أن يفعلوا شيئا فى هذا المسار الطويل الشاق فإنهم سيريحوننا من غثيان الاستماع إلى بعض السياسيين العرب وهم يتحدثون عما لا يفقهون، وهم يجرون أيضا هذا الموضوع إلى ساحات الابتذال الطائفى، أو المماحكات بين أنظمة الحكم، أو البكاء على إمكانيات وفرص لم يحسنوا استعمالها.

 

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات