انكسار الروح - عماد الغزالي - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 6:22 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انكسار الروح

نشر فى : الإثنين 7 يونيو 2010 - 10:15 ص | آخر تحديث : الإثنين 7 يونيو 2010 - 10:15 ص

 ذكرتنى حكاية الشاب الذى شنق نفسه فوق كوبرى قصر النيل، بحادثة جرت فى الصعيد قبل ثلاث سنوات تقريبا، بطلها مكوجى اسمه ميخائيل بطرس أبادير، قتل نفسه بالسم بعد ثلاث سنوات من الاكتئاب والعلاج النفسى، لم ينتحر ميخائيل بسبب قصة حب فاشلة، أو لعجزه عن سداد ديونه، وهى أسباب تدفع كثيرين لقتل أنفسهم كما نتابع فى صفحات الحوادث، وإنما لأن أحدا لم يعد يحتاجه.

دفعته نساء إسنا للانتحار حين أقبلن على شراء مكاوٍ كهربائية واستغنين عن خدماته، قل زبائنه، وضاق رزقه، فعل أقصى ما يستطيع كى يستمر، خفّض أسعار الكى، وكوى أحيانا بالمجان، ووصّل الطلبات للمنازل، طاف بالبيوت يقرع أبوابها كى يحمل «بؤج» الملابس كما اعتاد، لكنه لم يجد سوى الصد والجحود، عاد كسيفا وهو يلعن الكهرباء والمكاوى والنساء وإسنا، فقرر أن ينهى حياته وهو بعد فى الخمسين.

يومها قلت: لو كنت مكانه ــ وهو وضع لا أتمناه قطعا ــ لشنقت نفسى بأسلاك المكاوى الكهربائية لا بالسم، لأعلن احتجاجى بأعلى صوت، ولأحمل نساء إسنا جريرة ما اقترفنه.

قبل انتحار ميخائيل بأيام، نشرت الصحف خبر انتحار الأستاذ صبحى، مدرس الرياضيات الذى قضى عشرين عاما فى الخليج يجمع المال لتأمين مستقبل أولاده، كان يزورهم فى الإجازات، يقضى معهم شهرا ونصف الشهر تقريبا، يتنقلون فيها بين أجمل مناطق مصر،ينفق ببذخ كى يسعد أولاده ويسعد معهم، وحين أنهت الدولة التى يعمل بها عقده عاد، وتبدلت علاقة أبنائه به، حين حاول أن يلعب دورا لم يعتادوه، ويستبدل بوضعية خزينة الفلوس المتنقلة وضع الأب، عزلوه فى إحدى الحجرات، بالكاد يصله الماء والطعام، حتى فوجئوا به فى أحد الصباحات ميتا على كرسيه.

قبلهما بشهور، ألقى شاب نجح فى امتحان الدبلوماسيين بنفسه فى النيل، بعد أن قالوا له إنه غير لائق اجتماعيا.
أما الناشطة اليسارية أروى صالح، فقد ألقت بنفسها من الدور السابع، بعد أن كشفت لها التجربة زيف المحيطين بها من أصحاب الشعارات الكبيرة والأفعال الخسيسة.

الانتحار هو أقصى درجات التعبير عن الرفض والاحتجاج، ولولا أنه محرّم دينيا لزادت معدلاته بيننا، ليست هذه دعوة للانتحار بالتأكيد، فالحياة تستحق أن تعاش، وأرواحنا بيد خالقها، لكننى أردت فقط أن أقول إن المنتحرين ليسوا دائما مرضى نفسيين، فى أحيان كثيرة، هم الأعمق رؤية والأنصع روحا والأصدق تجربة.
ثم من قال إننا نحيا، لعلنا فى الواقع ننتحر.. ببطء.

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات