محاسبة «داعش».. ضرورة تاريخية - سمير العيطة - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 11:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محاسبة «داعش».. ضرورة تاريخية

نشر فى : الأحد 7 أبريل 2019 - 11:50 م | آخر تحديث : الأحد 7 أبريل 2019 - 11:50 م

سقطت قرية الباغوز آخر معاقل «داعش». ورغم أنّ المعارك لم تنتهِ بعد فإنّ سقوط المشروع الجنونى الذى مثّلته لم يأخذ ما يستحقّه من أهميّة، كمفترق طرق حقيقىّ لسوريا والعراق والمنطقة برمّتها. إنّ عشرات الآلاف من مقاتلى داعش ومواليهم وعائلاتهم يتكدّسون فى مخيّمات قرب مدينة الحسكة فى ظروفٍ بائسة، فى حين ترسل الولايات المتحدة وحلفاؤها معدّات لـ «قوات سورية الديمقراطية» (قسد)، كى تبنى سجونا ضخمةً لهم هناك.
لم يكُن بروز داعش، وهيمنتها على أجزاء كبيرة من العراق وسوريا، بما فيها مدنٌ رئيسيّة، حدثا عاديّا، اليوم وغدا، بالنسبة لتاريخ المشرق العربيّ.. قتلت «داعش» الكثيرين بحجّة الدفاع عن المعتقد، وأساءت بمشهديّتها الإجراميّة لصورة العرب والمسلمين بشكلٍ جوهريّ. بالتالى ليس مقبولا لهؤلاء أن يمرّ سقوط داعش دون مراجعة ومحاسبة. وعليهم أن يكشفوا لماذا برزت داعش؟! ويخلقوا العبرة لتخطّى هذه التجربة المريرة.
من الواضح اليوم أنّ داعش نشأت على خلفيّة الغزو الأمريكى للعراق، الذى استدعى تحالفا بين تنظيم القاعدة وبقايا قوى الجيش والأمن العراقى فى النظام السابق. هؤلاء همّ الذين مكّنوا عناصر تنظيمٍ احترف الإرهاب حصريّا من إقامة مؤسسات دولة وجيش والقتال بحرفيّة عالية. تواطأت دولٌ كثيرة لرفدهم بالمقاتلين الأجانب ولتعزيز مسيرتهم الاقتصادية. دولٌ رأت أنّ الأمر فرصة للتخلّص من خلايا فكر القاعدة المتطرّف من أراضيها وفرصة أيضا لتبوّء دورٍ فى «لعبة الأمم» التى جسّدتها داعش والصراع على العراق وسوريا. دولٌ هى بالضبط تلك التى ترفض أن يعود المقاتلون من جنسيّاتها ليحاكموا عندها وأن يعود أطفالهم كى يتمّ تخليصهم من فكر التطرّف والإرهاب الذى زُرِعَ فى عقولِهم.
***
كان لمقاتلى «قسد»، كردا وعربا، شرف التضحية بالأرواح فى المعركة الأخيرة ضدّ داعش. لكنّهم لم يتفرّدوا وحدهم بهذا الشرف. إذ كسبت أيضا شرف هذه التضحيّة قوى جيش العراق اليوم وقوى «الحشد الشعبيّى لتحرير الموصل وتلّ عفر وغيرها. ويعود الشرف أيضا للجيش السوريّ ومن قاتل إلى جانبه لتحرير تدمر ودير الزور. كما حازت على الشرف فصائل فى المعارضة المسلّحة السوريّة دفعت ثمنا كبيرا. ويجدر التذكير أنّ التحالف الدوليّ الذى أنشأته الولايات المتّحدة لم يكن يواجه داعش سوى بقصفٍ جويٍّ كلّ أسبوع، ولم يفعل شيئا تجاه قوافل داعش المتجهة نحو تدمر وغيرها. هكذا حتّى أتى التدخّل الروسى فى سوريا عام 2015. فانقلبت الدول على مختلف التوجّهات تريد إبراز أنّها تشارك جميعا فى المعركة ضدّ «داعش». وللحقيقة ليس كلّ الدول المعنيّة.
محليّا وإقليميّا كان يُمكن للقضاء على داعش أن يكسر التناحر الطائفيّ السنيّ ــ الشيعيّ والكرديّ ــ العربيّ على خلفيّة مشاركة هذه الأطراف بشرف القتال، وكذلك التناحر بين الخليج والولايات المتحدة من ناحية وإيران من ناحية أخرى. وأضحى العالم فى مشهدٍ مُضحِكٍ يُعلن فيه كلّ طرف أنّه كان وحده الأساس فى القضاء على داعش.
وحده العراق شهد انخفاضا لهذا التناحر ولكن ليس بشكلٍ حاسم يؤسّس جوهريّا لمجتمعٍ عراقيّ ما بعد داعش. فى حين بقى التجاذب مُستعرا فى سوريا. السلطة وموالوها يتّهمون الآخرين بمساندة الإرهاب، و«قسد» تتّهم المعارضة المسلّحة وتركيا بدعم «داعش» بشكلٍ خفيّ، والمعارضة بشقّيها المسلّح والإعلاميّ تتّهم أنّ «داعش» صنيعة السلطة السورية وإيران، لكن ليس النصرة التى خرج بعض عناصرها أيضا من السجون السورية فى بداية الأحداث والتى لا تختلف مع «داعش» سوى بالولاء لمؤسّسى تنظيم القاعدة.
***
لم ينتهِ التطرّف بعد سقوط داعش على الأرض، حيث قد تتحوّل إلى إرهابٍ يقضّ مضاجع أهالى البلاد ويزيد من التوجّه الأمنيّ للأطراف التى تهيمن واقعيّا على الأجزاء الثلاث من سوريا اليوم. والأنكى هو عدم سعى ما يُسمّى بـ«المجتمع الدوليى» لإيجاد آليّة لمحاسبة ومقاضاة «الدواعش»، رغم أنّ ذلك ضرورة تاريخيّة.
لا يُمكن لـ«قسد» أن تقوم هى وحدها بمقاضاة ومحاسبة معظم عناصر داعش وكشف أشكال التواطؤ، لأنّها ليست الدولة السوريّة بل قوّة أمر واقع بانتظار حلٍّ سياسيّ ٍللصراع فى سوريا، ولأنّها أيضا ليست الطرف الوحيد الذى عانى من جرائم «داعش» فى سوريا. بل إنّ تعقيدات جنسيّات المقاتلين والتواطؤات الدوليّة تحتّم أن تكون المقاضاة دولية عن جرائم الحرب. وإذا بقيت الولايات المتحدة مناهضة لمحكمة العدل الدولية فلتكن محكمة دولية خاصّة.
رغم إعلان «الانتصار» على داعش، لن يأخذ «المجتمع الدولى» هذا المنحى رغم ضرورته، كون أنّ التواطؤات مع داعش وما يجرى تحديدا اليوم فى الكواليس وعلى الأرض لا يدعم مسارا حقيقيّا نحو حلّ سياسيّ ومحاسبة جميع الأطراف التى ارتكبت جرائم حرب. الولايات المتحدة تمنع «قسد» من التفاوض مع السلطة ودول أخرى تعمل لتثبيت قوى الأمر الواقع فى مناطق «قسد» والمعارضة على السواء بغية تقسيم سوريا. والسلطة السوريّة تتقوقع مع الطرف الإيرانيّ الأكثر تشدّدا، حتّى بعيدا عن الطرف الروسيّ.
فى هذا التوقيت بالذات، لم يأتِ قرار الولايات المتحدة بمنح السيادة لإسرائيل على الجولان مصادفةً. إنّ المستفيد الأساسيّ من شرذمة المشرق العربيّ عامّة وسوريا خاصّة هو... إسرائيل.

سمير العيطة رئيس التحرير السابق للوموند ديبلوماتيك النشرة العربية ــ ورئيس منتدى الاقتصاديين العرب
التعليقات