مسئولية الإعلام العربى فى التنمية الإنسانية المستدامة - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 12:36 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مسئولية الإعلام العربى فى التنمية الإنسانية المستدامة

نشر فى : الخميس 7 مارس 2019 - 12:45 ص | آخر تحديث : الخميس 7 مارس 2019 - 12:45 ص

كل محاولة تقييمية لحقل الإعلام تواجه إشكاليات متداخلة ومتناقضة، وفى كثير من الأحيان مبهمة، وهو ما يجعل التقييم الموضوعى المتناغم مع الحاجات الوطنية والقومية شبه مستحيل. وفى الواقع لا يوجد حقل تتواجد فيه الفوائد الكثيرة مع المساوئ المناقضة الكثيرة مثل حقل الإعلام.
ولأن فيه ما فيه من أحجيات تثير الكثير من التساؤلات، ولأن أنشطته تغطى مساحات شاسعة من اهتمامات البشر الحياتية، أصبح الإعلام أحد أهم مصادر التساؤلات والمخاوف والمخاطر والشكوك التى يطرحها هذا العصر الذى نعيش، خصوصا بعد انتقاله من كونه إعلاما وطنيا محدودا إلى كونه إعلاما فضائيا منتشرا عولميا، وخصوصا بعد أن أوجد هذا الإعلام فوضى وضبابية فى القيم والأذواق والتعابير والكلمات والمشاعر الدينية والالتزامات المجتمعية والإنسانية.
نحن هنا معنيون بالطبع بالإعلام العربى وتأثيرات الإعلام العولمى على الإنسان العربى.
ذلك أن قسما كبيرا من وسائل الإعلام العربى وصلت إلى مراحل الخطايا فى تأييدها المطلق لممارسات وممارسى الاستبداد والبطش والقمع المتوحش والسجن بلا محاكمات والتعذيب الممنهج فى غرف الاعتقالات والطرد من الوظائف، وذلك كله باسم المحافظة على السلم الأهلى والأمن المجتمعى. ونسمع ونقرأ يوميا قصائد المديح المبالغ، وإضفاء الصفات المتوهمة، على كل مغامر جاهل أو مريض أو مثير للشفقة يمارس بشتى الطرق ويقنن بشتى المبررات ما يتعارض مع الحقوق الإنسانية والمبادئ الديمقراطية والتنمية الاقتصادية الإنسانية العادلة والاستقلال الحقيقى الوطنى والقومى والوقوف فى وجه المشروع الصهيونى الاستيطانى التوسُعى.
فى عرف الكثير من الإعلام العربى أصبحت مطالب الحرية الضرورية لكرامة الإنسان مماثلة لإحداث الفوضى فى المجتمع، ومطالب العدالة فى توزيع الثروة معوقات لجذب الاستثمارات الخارجية والداخلية. وبقدرة قادر انقلب الصراع الصهيونى ــ العربى الوجودى إلى كونه خلافا إسرائيليا ــ فلسطينيا. وحسب ما تشتهيه بعض الدوائر الخارجية وبعض القوى الداخلية المستحوذة على الثروات والامتيازات تقدم الشعارات القومية الجامعة، حتى فى حدها الأدنى من التكامل والتعاضد السياسى والاقتصادى والأمنى، على أنها نوع من الرومانسية الطفولية التى عفى عليها الزمن فى عالمنا العولمى والتى آن أوان الخروج من أوهامها.
***
ولقد وصل الاستهتار بمشاعر الكثرة الساحقة من المواطنين، وبالحد الأدنى من التعاطف مع الإخوة الفلسطينيين، استضافة الكثير من وسائل الإعلام العربى لشخصيات صهيونية ومتحدثين رسميين من فلسطين المحتلة وخارجها لعرض وجهات النظر الصهيونية والدفاع عن ممارساتها الإجرامية، وذلك باسم الموضوعية فى تقديم الأخبار والحوارات. هذا على الرغم من أن القائمين على وسائل الإعلام تلك يعرفون بأن ما تقوله تلك الشخصيات مغطاة بألف قناع من الكذب والتزييف والمبررات المظهرية.
مقابل تلك «الموضوعية» المدعاة يحدث العكس بالنسبة لمناقشات الخلافات العربية، إذ إن تشجيع حوارات السب والشتم والشماتة والاستهزاء حتى بالشعوب الشقيقة، أدى إلى إثارة النعرات القطرية ومشاعر الكراهية على حساب مشاعر الأخوة العروبية وتغليب المصالح القومية المشتركة.
وحتى عندما تناقش قضايا الثنائية الفكرية المختلف حولها، من مثل العلمانية /الدينية أو الأصالة /المعاصرة، يجرى التركيز على نقاط التوتُر والاستقطاب بدلا من التركيز على إجراء حوارات موضوعية متزنة مقربة تساعد بناء ثقافة عقلانية هادئة ومتسامحة.
ويبلغ اللعب بمشاعر الناس وإثارة العواطف البدائية مداهما فى النقاشات الدينية، خصوصا على القنوات الدينية المستعملة للدين كتغطية لأجندات سياسية انتهازية بحتة. هنا يدخل الكذب على التاريخ وتصاغ القصص الأسطورية وترتفع أصوات المدح أو الشتم المبالغ فى كليهما. هنا لا يجرى حوار، بل تلقى الخطب وتستفرغ كتابات وأقوال الماضى السحيق دون تأكد ودون تمحيص.
والنتيجة أنه بدلا من أن يلعب الإعلام العربى دورا مهما ومؤثرا فى بناء نهضة ثقافية تجديدية فإنه يفعل العكس، إذ يبقى الماضى، بمشكلاته وسخافاته الكثيرة، حيا ومؤثرا ومهيمنا على الحاضر.
ولعل ندرة القنوات الإعلامية العربية الثقافية تقدم دليلا آخر على ضعف الاهتمام بالثقافة الرفيعة المستوى، فكرا وفنونا وآدابا وعلوما.
بل لعل الإمعان فى استعمال اللهجات المحكية المحلية، بدلا من اللغة العربية الفصحى، وبالتالى تهميش أهم مكون من مكونات الثقافة العربية المشتركة الموحدة، هو دليل آخر على احتقار حقل الثقافة من قبل الكثيرين.
إذا أضفنا كل ذلك إلى انتشار المادة الرديئة فى الغناء والرقص والتمثيليات والمسلسلات التى يزخر بها الإعلام العربى، والانغماس فى تبنى الثقافة العولمية المادية الاستهلاكية المسطحة، ندرك مقدار تقصير الإعلام العربى فى المساهمة الجادة العميقة الفاعلة الضرورية فى بناء مجموع مكونات التنمية الإنسانية العربية، التى بدونها لن تخرج هذه الأمة من تخلفها التاريخى إلى رحاب حداثة ذاتية وعصر عربى جديد.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات