السادس من أكتوبر.. يوم توفى الرئيسان - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 11:35 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السادس من أكتوبر.. يوم توفى الرئيسان

نشر فى : الأربعاء 6 أكتوبر 2010 - 9:57 ص | آخر تحديث : الأربعاء 6 أكتوبر 2010 - 9:57 ص
يحمل السادس من أكتوبر ذكرى عطرة يحق لكل مصرى وكل عربى أن يفخر بها لأنها شكلت ثلاث نقاط انقلاب هائلة: أولاها أنها سجلت انتصارا فى أول حرب نشبت بقرار مصرى/عربى خالص، وهو انتصار له أبعاده العديدة، أحدها فرض الحركة نحو إزالة أثر نكسة 1967، ممهدة الطريق نحو استكمال الحل العادل للصراع العربى/الصهيونى. الثانى وهو مرتبط بالأول ولكنه يمثل إضافة هائلة له، إنهاء دعوى إسرائيل بأنها تملك قوة عسكرية لا تقهر، بدأت منذ اللحظة الأولى التى عبر فيها الجنود المصريون البواسل قناة السويس ليحيلوا خط بارليف، الذى ثبت أنه ليس أفضل من خط ماجينو بالنسبة لفرنسا، إلى أطلال.

أما الثالث فهو ما أدت إليه إدارة المعركة، بدءا من ضربة الطيران المحسوبة بدقة وانتهاء بمعركة الدبابات الهائلة، من إعادة النظر فى الفكرين الاستراتيجى والتكتيكى العسكرى فى العالم بأسره.


وحينما أعود بالذاكرة إلى ذلك اليوم من عام 1973 أستعيد مع ابنى الأكبر اللحظة التى عاد فيها فجأة من الجبهة، فسألته عن سبب عودته من المهمة، التى تولاها سلاح المهندسين لبناء قواعد للصواريخ على ضفة القناة، تم منها وضع أسس أربع قواعد من خمس، تحت تصوير السلاح الجوى الإسرائيلى، الذى كان ينتظر إتمام بناء أى قاعدة فيدكها على رءوس العمال، الذى روت دماء استشهادهم أرض المعركة.

وكان جوابه أن قيادة السلاح أمرتهم بالعودة، وأنهم صادفوا أفواجا من قوات متجهة للجبهة، تساءلوا عما يحدث فيها وسبب عودتهم منها. وكانت الإجابة أن هذا يجرى ضمن ما عرف بـ«عملية الشاذلى»، التى تستخدم عمليات الكر والفر إلى أن تحين اللحظة المناسبة ليفاجئوا العدو و«سراويله مدلاة»، كما قيل فى وصف لحظة المفاجأة المباركة. وانتهز ابنى تلك الفرصة ليحصل على إجازة يحتفل فيها بعيد ميلاد أخيه الذى يصادف عيد ميلادى. فكانت أسعد لحظة ونحن نستكمل الاستعدادات لعيد الميلاد، أن تعلن الإذاعة فى الثانية وعشر دقائق نبأ العبور وإعادة ميلاد شعب استطاع بعزيمته أن يخط خطوط النصر.


وتمضى السنوات ويعيد السادس من أكتوبر دوما تذكير الأجيال المتعاقبة بما أنجزه جيل السبعينيات ويعلون من شأن القرار، الذى عبروا به القناة من الغرب إلى الشرق، كما عبروا الخندق، الذى يفصل بين مرارة الهزيمة وحلاوة النصر.

وتتضح يوما بعد الآخر العوامل التى حققت إنجازا كان أشبه بالإعجاز. أذكر منها واحدا من أهمها، وهو إعداد العنصر البشرى. فقد ظل الالتحاق بالجيش يمثل نوعا من السخرة، التى رسخت فى أذهان المصريين منذ أيام محمد على ومغامراته، التى يعتبرها البعض عنوانا لعروبة تتكامل بحد السلاح، بينما كانت فى الواقع تجسد حلما ببناء إمبراطورية شاءت الجغرافيا أن تكون فى أراضٍ عربية، وأن تكون وجهتها النهائية هى الآستانة، التى يرقد فيها الرجل المريض.

 

وأدرك الغرب الاستعمارى أنه سوف يكون منافسا خطيرا فى الاستعمار لأنه يحمل مسوغات القبول: العروبة والإسلام. ولكون التقنيات اللازمة لصنع السلاح الشائع فى ذلك الوقت غير عسيرة على أى شعب مهما بلغت محدودية حصيلته العلمية، فقد بنى الترسانة وغيرها من المنشآت التى زودته بالسلاح، الذى حقق له النصر بجيوش من جند أميين.

وأصبح التهرب من «الجهادية» حلم العامة، الذين إما أن يدفعوا 21 جنيها فيعفوا من التجنيد، أو أن يصطنعوا عاهات إذا عزت الجنيهات، وهى التى تكون تمثل ثروة تعز على الغالبية، التى تفلح الأرض لصالح الإقطاع، وتدمى أيديهم وأرجلهم فى بناء قصور تحسب من مفاخر المدن، التى تضاهى المبانى الأوروبية. ذكر عبد الناصر فى كتابه «فلسفة الثورة» أن ما لفت نظره إلى البعد الاجتماعى الذى غاب عن قادة ثورة 1919، هو شكوى جندى من تكليفه بالدفاع عن بلد لا يملك فيه شيئا.

فجاءت مجانية التعليم وآليات العدالة الاجتماعية لتوفر أسس الانتماء، وأنشئت الفنية العسكرية لتوفر للجيش العناصر المستوعبة للأبعاد التكنولوجية فى عصر تجاوزت فيه الحروب القوس والسهم والمنجنيق والمدافع، التى لا تحتاج إلا لضغط على زناد.

إن الذى صمم وسائط العبور ومدها عبر القناة، والذى بنى قواعد الصواريخ ومهابط الطائرات، كان المهندسون المصريون، الذين استطاع إخوة لهم خوض معركة بناء السد العالى متفوقين على نظراء لهم من الروس. كانت أسلحتهم هى علم راقٍ زودت به عقولهم وأمل كبير امتلأت به قلوبهم.. كانوا يعيشون حلما رائعا يستوى فيه ابن المالك الكبير، الذى كان سابقا ينضم لطوابير العاطلين بالوراثة، وابن الفلاح البسيط الذى كان ينضم لجحافل الفقراء بالوراثة. كان هذا هو المدخل الحقيقى لبناء قاعدة الديمقراطية، التى يصبح الحديث عنها بدونها لغوا لا طائل منه.

يحسب للسادات أنه صاحب القرار، والسؤال هو هل كان هناك شخص آخر يملك القرار غير رئيس الدولة، الرئيس الأعلى للقوات المسلحة؟ وهل كان هناك أمامه بديل، بعد أن أدى تأخر صدوره إلى تكتل جيل السبعينيات من أجل استرداد كرامة وطنهم مزودين بتعليم جاد خلال الخمسينيات والستينيات تحدث عنه زويل وأقرانه؟ كان هذا الجيل هو الذى دفع السادات فى أوائل ولايته إلى تأكيد أن مصر تسير على خطى عبدالناصر وأفكاره. وما أن تحقق النصر حتى خلع عباءة عبد الناصر وألبسها لآخرين، محولا بذلك 6 أكتوبر 1973 إلى التاريخ الفعلى لوفاة عبد الناصر، وليس 28 سبتمبر 1970 يوم ورى جسده الثرى، وليس 5 يونيو 1967 يوم تهاوى الصرح الشامخ، الذى كان يريد إعلاءه فإذا به يضطر إلى إعادة بنائه ابتداء من 30 مارس 1968.

وبدأت الحقبة الجديدة فى إبريل 1968 معلنة نهاية ثورة 1952 وحدوث انقلاب أسفر فيه السادات عن عباءته التى ما زالت تدثر حكم مصر رغم وفاته الفعلية فى 6 أكتوبر 1981. وهكذا حفر السادس من أكتوبر اسمه فى حياة مصر والعروبة مرة بعد الأخرى.
أعاده الله عليكم بالخير من حيث لا تحتسبون.
محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات