إهمال العلم والتقانة فى بلاد العرب - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:01 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إهمال العلم والتقانة فى بلاد العرب

نشر فى : الخميس 6 أغسطس 2015 - 8:25 ص | آخر تحديث : الخميس 6 أغسطس 2015 - 8:25 ص

من فواجع الوضع الحياتى العربى المتردى عدم إيلاء الاهتمام الكافى بمواضيع العلم والتقانة، سواء من قبل الحكومات أم من قبل المجتمعات. ولا يحتاج الإنسان للتذكير بأن بناء وتطوير وإغناء مكونات وأدوات هذا الموضوع يعتبر فى عصرنا الحالى من أهم المداخل للتقدم، وعلى الأخص فى حقول الصناعة والزراعة والبيئة والغذاء والصحة والتواصل والأمن الوطنى. وبالتالى ما عاد من الممكن الحديث عن الأمن الشامل لأية أمة دون العلم وقوى العلم والتقانة.

نحن هنا نتحدث عن بناء القدرات العلمية والتقانية العربية الذاتية وليس عن استعمال العلم والتقانة التى ينتجها الآخرون، وذلك من خلال الإكتفاء بشرائها أو استئجار من يجيدون نقل تطبيقاتها إلى الواقع العربى.

لعل أبرز ما يشير إلى عدم اهتمامنا ببناء القدرات العربية الذاتية ما كتب عنه الكثيرون مرارا وتكرارا، ونعنى به موضوع البحوث ومراكز البحوث وما يصرف على البحوث فى كل بلاد العرب.

فهناك دراسات إحصائية كثيرة تقارن بين ناتج مجموع البلدان العربية المترامية من البحوث العلمية المنشورة وبين ناتج بلد مثل كوريا الجنوبية الصغيرة أو الكيان الصهيونى الأصغر أو البلدان الأوروبية الصغيرة الحجم، إذ تظهر تلك المقارنة فوارق كبيرة بين قلُة أو ضعف الناتج العربى وبين وفرة وقوة الناتج عند الآخرين.

وبالطبع فإن أحد أسباب تلك الفوارق هو ضعف نسبة ما تخصصه بلاد العرب للصرف على البحث العلمى من ناتجها المحلى مقارنة بنسبة ما تخصصه البلدان الأخرى من ناتجها المحلى. فالبلاد العربية مجتمعة تخصص أقل من عشر ما يخصصه مثلا الكيان الصهيونى للبحث العلم. ومع الأسف فإن دوائر الحكم العربية لا تدرك بعمق أن ذلك يفسر إلى حدٍ بعيد القدرات العسكرية والصناعية الصهيونية الهائلة، وليس، كما تعتقد، المساعدات الأمريكية المقدمة بكرم إلى الكيان الصهيونى.

إضافة لذلك الوضع الكارثى للبحث العلمى هناك جوانب نقص كثيرة فى التعامل العربى مع العلم والتقانة.

•••

فحتى نتائج البحوث المحدودة والعلماء الذين ينتجونها والمراكز البحثية التى تجرى البحوث فيها لا يستفاد منها بشكل كاف فى تطوير الصناعات والخدمات والمشكلات البيئية والزراعية العربية، وعندما توجد مشكلة فى هذه الحقول فإن أول ما تفعله الحكومات العربية هو الاستعانة بقدرات الخارج بدلا من الاستعانة أولا بالقدرات المحلية من أجل أن تقوى وتتطور وتراكم الخبرة. ومع الأسف فإن البلدان العربية لم تعط اهتماما كافيا لتجارب بلدان من مثل كوريا وماليزيا والهند وتايوان فى دمج العلم والتقانة المحلية لإنماء اقتصاداتها، مما ساهم فى رفع قدرات الجانبين: العلم والتقانة من جهة والاقتصاد من جهة ثانية.

إن ما يحز فى النفس أن المئات من المليارات قد جرى تخصيصها للتصنيع فى بلاد العرب، لكن معظمها قد نفذ بقدرات وعمالة الخارج، وبالتالى لم تساهم فى بناء القدرات العلمية والتقانية العربية ولا فى تطوير ما هو موجود منها.

ولعل ما يجعل كل بلد عربى يتجه إلى الخارج الضَعف المحزن للتعاون العربى المشترك فى حقل العلم والتقانة، فكم قليلة هى المشروعات المشتركة، وكم قليلة هى المؤسسات والجمعيات واللقاءات العلمية المشتركة، وكم قليل هو التواصل والتعاون والتفاعل بين علماء العرب.

ويبرز الضعف فى الرغبة فى التنمية العربية العلمية الذاتية حتى فى حقل التثقيف العلمى من خلال وسائل الإعلام العربية. فمؤسسات الإعلام العربى تشترى وتبث البرامج العلمية التى أنتجها الآخرون للتعامل مع بيئاتهم وحاجاتهم، والتى فى الكثير من الأحيان لا صلة لها بواقع ومحيط الإنسان العربى، وذلك بدلا من الطلب من جهات علمية أو بحثية عربية لتنتج برامج علمية تثقيفية تربط الإنسان العربى ببيئته وقضاياه المعيشية وتحسن وعيه العلمى لحل قضاياه الحياتية وفى الوقت نفسه لربطه بالتطورات العلمية والتقنية فى العالم.

ويشعر الإنسان بالإحباط وهو يرى العلماء المبدعين غير العرب وهم يتصدرون شاشات التلفز] العربية بينما ينزوى العلماء المبدعون العرب وراء ظلال التهميش والتجاهل.

وحتى الآن لم ندرك بعد أن بناء وتطوير حقل العلوم والتقانات هو موضوع لا يحتاج إلى المال فقط، ولا فقط لحكومات تحتضنه، وإنما يحتاج أيضا لبيئة مجتمعية تحتضنه وتتفاعل مع علمائه، بما فيها وجود مؤسسات مجتمعية تناضل ليل نهار لتركيز الجهود وللاستثمار الكبير فى حقلى العلم والتقانة.

وأخيرا، هناك الدور الهائل الذى يمكن أن تلعبه المدرسة والجامعة فى عملية البناء والاحتضان تلك. وهو موضوع واسع ومتشعب يحتاج إلى مجلدات لإبراز تفاصيل أدواره المتعددة.

تقدم فى السياسة والاقتصاد والأمن والتجديد الحضارى لا يقوم على رافعة العلم والتقانة هو تقدم مؤقت وفى خطر الانهيار، إن لم يكن حديث خرافة.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات