إسرائيل والجمهورية الثانية - إيهاب وهبة - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 1:22 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إسرائيل والجمهورية الثانية

نشر فى : السبت 7 يوليه 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 7 يوليه 2012 - 8:00 ص

صاغت إسرائيل البيان الذى عبرت بموجبه عن موقفها من نتيجة الانتخابات الرئاسية يوم 24 يونيو الماضى بقدر كبير من العناية. لا هى انضمت إلى ركب المهنئين، ولا هى أبدت انزعاجا مبالغا فيه. اكتفى البيان الصادر عن رئيس الوزراء الإسرائيلى نيتانياهو «بالترحيب» بالعملية الديمقراطية، و«احترام» نتائجها، مع توقع استمرار التعاون مع الحكومة المصرية والذى يقوم على أساس معاهدة السلام المبرمة بين البلدين. تفاوتت ردود أفعال بقية الوزراء الإسرائيليين، فمنهم من نهج نفس نهج نيتانياهو، ومنهم ــ مثل وزير الاستخبارات ــ من تحفظ بالقول بأن الستار لم يسدل على عن مجريات الأحداث فى مصر. أما وزير الدفاع باراك فذكر أن إسرائيل سترقب التطورات فى مصر باهتمام بالغ، ولم يفته أن يقول إن بلاده لن تتساهل تجاه الأعمال الإرهابية التى تنطلق من سيناء ضد مواطنى إسرائيل.

 

●●●

 

لابد هنا أن نرصد أيضا رد الفعل الإعلامى فى إسرائيل على نتيجة الانتخابات. الإعلام المحسوب على اليسار أشاد بالتجربة المصرية الديمقراطية، وتأكيد القيادة المصرية الجديدة على احترام المواثيق الدولية. أما الإعلام المحسوب على اليمين فكان له رأى آخر تماما. صب هذا التيار جام غضبه على التيار الإسلامى السياسى الفائز فى الانتخابات، وخرجت علينا صحيفة جيروزاليم بوست يوم 24 يونيو بمقال يقطر سما. تقول الصحيفة أن النتيجة الحتمية لتولى الإسلاميين تعنى أن السلام بين إسرائيل ومصر قد أصبح بلا معنى، وأن المواجهة آتية لا ريب فيها. والسؤال الوحيد المتبقى هو المدة المتبقية حتى يصبح ذلك حقيقة واقعة. وتضيف أن الفترة المقبلة ستشهد توسعا فى الهجمات التى تشنها حماس والجماعات الجهادية الأخرى عبر الحدود مع إسرائيل، وأن الحكم الإسلامى لن يكتفى بالوقوف موقف المتفرج من هذه الهجمات بل سيقوم بتشجيعها! وتقدم الصحيفة النصائح الغالية إلى الحكومة الإسرائيلية حول التعامل مع هذه الأوضاع؛ يجب على زعماء إسرائيل أن يتخلوا عن اللغة الدبلوماسية فى التعامل مع مصر، والاعتراف بأن الجبهة مع مصر التى ظلت هادئة منذ عام 1981 قد نشطت، وأن السلام مع مصر أصبح الآن غير ذى معنى. وعلى إسرائيل أن تقوم بحملة دبلوماسية متكاملة من أجل الدفاع عن أى عمل عسكرى يمكن أن تلجأ إليه إسرائيل للدفاع ضد الهجوم المصرى.

 

لم يتخلف معهد واشنطن للسياسية فى الشرق الأدنى المشايع تماما لإسرائيل عن الركب، فذكر فى تقرير أخير له أن الهجمات التى تتعرض لها إسرائيل قد تجبرها على العمل فى شبة الجزيرة! إلا أن المعهد استدرك قائلا إنه يجب تعزيز القوات المصرية كما وكيفا على طول الحدود مع إسرائيل.

 

●●●

 

لم يكن غريبا أيضا أن تتقدم إسرائيل يوم 19 يونيو الماضى بشكوى رسمية لمجلس الأمن بشأن الحادث الذى وقع فى اليوم السابق على ذلك والذى قالت عنه الشكوى إنه يتمثل فى عبور إرهابيين على درجة عالية من التسلح إلى جنوب إسرائيل عبر الحدود، وزرع متفجرات على طريق تسلكه عربه تحمل عمالا مدنيين، وفتح النيران عليها بواسطة الصواريخ المضادة للدبابات، ما نتج عنه مقتل أحد هؤلاء العمال.

 

وأخطر ما فى الشكوى الإسرائيلية إلى مجلس الأمن القول صراحة ودون أى مواربة أن «إسرائيل قد قامت بممارسة حقها فى الدفاع عن النفس، وسوف تستمر فى القيام بذلك، وفقا لمقتضيات الحال، وستقوم باتخاذ كل الإجراءات الضرورية لحماية مواطنيها». للتذكرة قامت إسرائيل وبعد حادث مماثل وقع فى أغسطس من العام الماضى، بانتهاك الحدود المصرية ومهاجمة قوات حرس الحدود على الأراضى المصرية مما أدى إلى استشهاد ستة جنود.

 

الغريب فى هذه الشكوى الأخيرة لمجلس الأمن، أن إسرائيل لم تلجأ أولا لنظام الاتصال الذى أنشأته معاهدة السلام بين البلدين للتعامل مع مثل هذه المواقف، كما لا يبدو أيضا أنها لجأت أولا إلى القوة متعددة الجنسيات المنوط بها حل مثل هذه المشكلات التى قد تقع. على الأقل لم تشر الشكوى المرفوعة إلى مجلس الأمن إلى لجوء إسرائيل بداية إلى هذه الآليات للتعامل مع الحادث قبل أن تلجأ إلى مجلس الأمن.

 

●●●

 

لا أجد تفسيرا للجوء إسرائيل لمجلس الأمن، وطلب توزيع الشكوى كوثيقة رسمية للمجلس، إلا رغبة منها فى التشهير المتعمد بمصر، والتشكيك فى قدراتها على السيطرة على هذه البقعة العزيزة من أراضيها، وهى شبه جزيرة سيناء. أضف إلى هذا أن التهديد باتخاذ ما تراه ضروريا فى مواجهة مصر يبدو انه لم يطلق جزافا بل ربما لحاجة فى نفس يعقوب.

 

وبصرف النظر عن الأهداف والنوايا الإسرائيلية، تبقى حقيقة الحاجة إلى إعادة النظر فى ترتيبات الأمن التى قررتها معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة عام 1979. ترتيبات الأمن هذه تسمح بوجود قوات مصرية مسلحة فى المنطقة من شرق قناة السويس وحتى المضايق بالشكل المناسب، سواء من حيث الأعداد أو التسليح، بل ربما لم يسبق لمصر أن احتفظت بمثل هذه القوات فى هذه المنطقة فى أى وقت من أوقات السلم (22 ألف جندى يشكلون فرقة مشاة ميكانيكية، وثلاثة أولية مشاة، ولواء مدرع، وسبع كتائب مدفعية ميدانية، وسبع كتائب مدفعية مضادة للطائرات، وكذلك 230 دبابة، و480 مركبة مدرعة). المشكلة تكمن فى المنطقة المتاخمة للحدود الدولية مع إسرائيل والتى يطلق عليها المنطقة (ج).

 

نصت ترتيبات الأمن المقررة فى المعاهدة على أن يتواجد فى هذه المنطقة قوات شرطة مدنية فقط بأسلحة خفيفة. على الفور يتبين أن مثل هذه القوات الشرطية لا يمكنها مسايرة التطورات التى طرأت على قدرات الأفراد أو الجماعات على اقتناء السلاح منذ توقيع المعاهدة أى منذ 33 عاما. راجت تجارة السلاح خلال هذه الفترة ولم يعد مستغربا أن يمتلك الأفراد حاليا المدافع من جميع الأنواع، وكذلك مختلف أنواع الصواريخ بما فيها الصواريخ أرض جو وأرض أرض! وخلقت الأحداث فى ليبيا تحديات جديدة للأمن المصرى بسبب سقوط مخازن الأسلحة من مختلف الأنواع فى أيدى الثوار، بل وقامت بعض الدول المشاركة فى عمليات الناتو بإلقاء السلاح من الجو ليلتقطه سعيد الحظ، كما قامت دول أخرى ممن شاركت فى العمليات بإمداد الثوار بأسلحة متطورة. كميات كبيرة من هذه الأسلحة تجد طريقها الآن عبر حدودنا الغربية إلى مصر وإلى سيناء.

 

تنبه المفاوضون على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية منذ البداية إلى إمكان تغيير الأوضاع ونشوء ظروف جديدة مستقبلا، تختلف عن تلك التى كانت قائمة وقت توقيع المعاهدة. لذلك نصت المعاهدة على إمكانية تعديل ترتيبات الأمن بناء على طلب أى من طرفيها، ويتعين على الطرف الآخر الرد على ذلك الطلب خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تقديمه.

 

عندما تطالبنا إسرائيل بتعزيز الأمن فى المناطق الحدودية فإنها توافق مسبقا على أى طلب مصرى بإعادة النظر فى ترتيبات الأمن بهذه المناطق. بل أن الولايات المتحدة قد أدلت بدلوها فى هذا الشأن وفى أكثر من مرة كان آخرها يوم 20 يونيو الماضى عندما طالبت وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون صراحة مصر «بأن تحافظ على استتباب الأمن والنظام فى سيناء». ووصفت الوزيرة سيناء بأنها «منطقة شاسعة خارجة عن سطوة القانون» (a large lawless area). وكما سبق الإشارة فإن معهد واشنطن الموالى لإسرائيل يطالب أيضا بتعزيز القوات المصرية على الحدود.

 

●●●

 

واحسب أن إدارتنا الجديدة فى جمهوريتنا الثانية ستضع على رأس أولوياتها طلب تعديل ترتيبات الأمن فى المنطقة «ج» فى سيناء بما يسمح بوجود قوات مناسبة من قواتنا المسلحة ومجهزة بالأسلحة المتقدمة التى تستطيع التصدى لأية تنظيمات أو عصابات. لن يستطيع أحد أن يجادل فى الحاجة إلى تعزيز ترتيبات الأمن فى هذه المنطقة فهو أمر يصب فى المصلحة المصرية وفى تعزيز أمنها القومى، ونحن نتذكر أن هذه المناطق سبق أن تعرضت لأعمال إرهابية فى طابا وفى دهب وشرم الشيخ فى الفترة من 2004 إلى 2007. ونعلم أيضا أن هذه المنطقة بها الكثير من المنشئات الحيوية المتمثلة فى الموانى البحرية والمطارات، كما تحتوى العشرات المنشئات والمنتجعات السياحية التى تمثل مصادرا هاما من مصادر الدخل السياحى.

 

من الضرورى أن تتصدى مصر لأية محاولة إسرائيلية للتهرب من إجراء التعديلات اللازمة على ترتيبات الأمن فى المنطقة المشار إليها، فحقنا فى طلب إجراء هذه التعديلات ثابت فى معاهدة السلام، كما أن التزام إسرائيل بالرد على المطلب المصرى خلال ثلاثة أشهر مقرر أيضا بالمعاهدة المذكورة.

إيهاب وهبة مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأمريكية
التعليقات