هل هناك فعلا انتخابات رئاسية مبكرة؟ - ضياء رشوان - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 2:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل هناك فعلا انتخابات رئاسية مبكرة؟

نشر فى : الإثنين 6 يوليه 2009 - 6:55 م | آخر تحديث : الإثنين 6 يوليه 2009 - 6:55 م

ليس هناك أدنى شك فى أن ترتيبات ما، تجرى هذه الأيام بداخل كواليس الدولة المصرية للإعداد لتغييرات كبرى فى هيكل الحكم والدولة. وهذا الاستنتاج ليس مجرد تخمين أو افتراض نظرى، بل هو يقوم على عديد من الشواهد والقرائن بل والأدلة التى راحت تتوالى خلال الأسابيع الأخيرة بصورة أربكت المحللين والسياسيين بمختلف أصنافهم وتوجهاتهم.

وحتى اللحظة التى تكتب فيها هذه السطور لا يبدو واضحا بأى صورة من الصور طبيعة تلك التغيرات التى يجرى الترتيب لها فى كواليس الحكم، وإن بدا أيضا واضحا أنها تمس بصورة مباشرة مستقبل المنصب الأسمى فى البلاد: رئاسة الجمهورية.

وكما يعرف الجميع، فليست هذه هى المرة الأولى التى يثار فيها الحديث حول مستقبل الرئاسة فى مصر، فقد تكرر ذلك كثيرا خلال السنوات الأربع الماضية وبالتحديد منذ اقتراح الرئيس مبارك فى فبراير 2005 تعديل المادة (76) من الدستور وجعل اختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب بين عدة مرشحين بدلا من الاستفتاء على مرشح واحد. ولكن فى كل المرات السابقة كان الحديث دوما ينصب إما على التساؤل حول المرشح الذى سيكون الأوفر حظا من داخل جهاز الدولة لتولى الرئاسة بعد الرئيس مبارك فى حالة غيابه، أو حول الإقرار بترشح الرئيس مبارك نفسه فى انتخابات رئاسية عادية تتم فى موعدها المقرر بعد أن وعد الشعب المصرى أمام البرلمان قبل سنوات قليلة بأنه باق معه فى منصبه حتى آخر نفس يتردد فى صدره. وفى المرات السابقة أيضا لم يكن اسم السيد جمال مبارك نجل الرئيس يطرح كمرشح جدى للحزب الوطنى الحاكم سوى فى السيناريو الأول وهو الغياب القدرى للرئيس، وهو الأمر الذى كاد جميع المحللين أن يجمعوا على صعوبته بل واستحالته لفقدان نجل الرئيس حينها السند الوحيد الذى يمكنه من الترشح وتولى المنصب الأسمى فى البلاد، على الرغم من وجود أصوات قليلة وخافتة كانت ترى إمكانية حدوث ذلك الاحتمال شديد الضعف.

أما فى المرة الحالية فإن الجديد الحقيقى واللافت للنظر والمثير فى نفس الوقت لتخوفات حقيقية على مستقبل رئاسة الجمهورية فهو الحديث لأول مرة عن احتمال إجراء انتخابات رئاسية مبكرة قبل موعدها الدستورى فى سبتمبر 2011 بسبب تنحى الرئيس عن موقعه مع استمراره فيه حتى تنتهى الانتخابات ويتسلم خلفه الرئاسة منه. ولا يعرف أحد فى مصر حتى اللحظة المصدر الحقيقى الذى انطلق منه هذا الاحتمال الجديد الذى يبدو اليوم لدى كثير من السياسيين والمحللين وقطاعات الرأى العام فى مصر أنه الأكثر قوة والأقرب للتحقق، إلا أنه لا يمكن القول بأنه مجرد شائعة أطلقها بعض «المغرضين» أو «الجاهلين» بما يجرى فى كواليس الدولة المصرية. فالواضح لكل ذى عين بصيرة وعقل يفقه ولو القليل من آليات الحكم فى مصر أن إطلاق هذا الاحتمال للنقاش العام خلال الأسابيع الأخيرة إنما هو أمر مقصود تماما، وأن الغرض الرئيسى له هو استطلاع توجهات المصريين نحوه والتعرف على ردود الأفعال التى يمكن أن تواجهه قبل القرار النهائى بالمضى فيه أو التراجع عنه. واللافت فى هذا الجس للنبض أن أحدا من مسئولى الدولة أو الحزب الحاكم الكبار أو حتى المتوسطين لم ينطق بحرف واحد ينفى فيه احتمال تنحى الرئيس وإجراء انتخابات مبكرة، تاركين الإشاعة ــ الاحتمال ماضية فى طريقها دون اعتراض حتى تتبلور جميع ردود الأفعال حولها. ولم يكن ذلك هو السلوك نفسه من جانب هؤلاء المسئولين أنفسهم، أو قطاع منهم على الأقل مثله بعض قيادات الحرس القديم منهم، تجاه إشاعة ــ احتمال حل مجلس الشعب وإجراء انتخابات مبكرة له حيث قاموا بالحديث عنها ونفاها بعضهم بصياغات ملتوية عبرت عن رغبتهم أكثر مما عبرت عن حقائق يملكونها حول ذلك الاحتمال.

وتزداد صحة احتمال الانتخابات الرئاسية المبكرة بالنظر إلى ما راح الإعلام المصرى المكتوب والمرئى والإلكترونى يشهده خلال نفس الأسابيع التى راجت فيها إشاعة تنحى الرئيس من فتح لجميع احتمالات خلافة الرئيس وفى مقدمتها المتعلق بنجله والمتعلق بالوزير عمر سليمان أو غيره من قيادات المؤسسة المصرية. وقد بدا لافتا فى هذه التغطيات الصحفية الواسعة أنها اتخذت ليس فقط الشكل المهنى الذى يستلزمه الحدث المهم بل عبرت أكثر عن رؤى ومواقف من المرشحين الاثنين الرئيسيين بالتأييد المباشر أو المستتر لأحدهما مع الرفض بالطريقة نفسها للآخر. وزادت قوة الاحتمال أكثر وأكثر بالظهور المفاجئ لعشرات بل ومئات من المدونات وبعدها المواقع الإلكترونية التى انقسمت بين مؤيدى كل من المرشحين الرئيسيين ووصل الأمر ببعضها إلى جمع توقيعات علنية لصالح من يرى أنه الأحق برئاسة البلاد. ولم تترك المتابعة الدقيقة لهذا النشاط الإلكترونى الكثيف والمفاجئ أى احتمال للقول بأنها مجرد مبادرات فردية أو حتى جماعية من متحمسين لهذا المرشح أو ذاك، فقد بدا واضحا أن وراءها جميعا جهود منظمة وجهات تعرف جيدا ماذا تريد أن تصل إليه منها. من هنا تبدو خلاصة كل هذه الأنشطة الإعلامية والإلكترونية واضحة فى أمرين: الأول أننا بالفعل أمام احتمال حقيقى وجاد لتنحى الرئيس عن منصبه وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، والثانى هو أن قوة هذا الاحتمال هى التى نقلت جزءا من الخلافات التى كانت تجرى بداخل أروقة الحكم وكواليسه خلال الفترة الماضية حول خلافة الرئيس بين المرشحين الرئيسيين إلى ساحة الإعلام التقليدى والإلكترونى من أجل كسب الأنصار لكل منهما فى أوساط الرأى العام مع اقتراب تطبيق سيناريو الانتخابات الرئاسية المبكرة.

وعلى الرغم من هذه القوة التى راح يكتسبها احتمال الانتخابات الرئاسية المبكرة خلال الأسابيع والأيام الأخيرة، إلا أن أحدا فى مصر لا يستطيع أن يجزم لا بحدوثه ولا بتاريخ هذا الحدوث فى حالة التيقن منه ولا بالسيناريو الذى سيتخذه فى تلك الحالة. وقد ربطت وقائع وتحليلات عديدة خلال الفترة الأخيرة بين ذلك الاحتمال وبين حل مجلس الشعب وإجراء انتخابات مبكرة له فى نهاية الصيف الحالى أو بداية الخريف المقبل وساقت لترجيح ذلك قرائن وشواهد جادة، إلا أنه لا يظل السيناريو الوحيد فى ذلك السياق. فلا يزال الباب مفتوحا أمام سيناريوهات أخرى غير مرتبطة بحل مجلس الشعب تتضمن الإعلان المفاجئ من الرئيس بتخليه عن منصبه «لإعطاء الفرصة لقيادات أو أجيال جديدة» لتولى مسئولية المنصب الأسمى، بحسب المرشح الأكثر قوة حينها: من القيادات الجديدة أو من الأجيال الجديدة. وليس من المستبعد أن يتضمن هذا السيناريو المفاجئ تمرير فصل الصيف بأكمله والذى دارت الإشاعات بأن حل مجلس الشعب سوف يتم به حتى يطمئن الجميع أنه لا تغيير كبيرا سوف يحدث فى النظام السياسى، ثم يفاجئنا على غرة بيان من الرئيس فى تاريخ رمزى مهم له، قد يكون الذكرى الرابعة لانتخابه فى الثانى عشر من سبتمبر أو السادس من أكتوبر تاريخ الانتصار الكبير على إسرائيل ومصدر شرعية الحكم، بالتخلى عن الرئاسة وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. 
 

ضياء رشوان  كاتب مصري وباحث في شئون الجماعات الإسلامية
التعليقات