دول لا تتعلم شيئًا - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 10:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دول لا تتعلم شيئًا

نشر فى : الأربعاء 6 يناير 2016 - 10:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 6 يناير 2016 - 10:10 م
فى سبتمبر عام ١٩٨٠ اندلعت الحرب العراقية الإيرانية واستمرت ثمانى سنوات، حتى أعلن زعيم الثورة الإيرانية ومرشد الدولة الروحى آية الله الخومينى فى أغسطس عام ١٩٨٨ أنه مضطر إلى تجرع السم وقبول وقف إطلاق النار، وهكذا انتهت هذا الحرب العبثية التى أدت إلى سقوط مليون قتيل ومئات الآلاف من الجرحى، وخسائر تقدر بنحو ٤٠٠ مليار دولار فى أطول صراع عسكرى دموى فى المنطقة.
خرج صدام حسين من الحرب مزهوا بانكسار، ولم يكن يدرى أن الغرب ينصب له مصيدة قاتلة. بعد أقل من عامين احتل الكويت فى ٢ أغسطس ١٩٩٠، وبعد شهور قليلة تمكن تحالف دولى عربى بقيادة امريكا من إخراجه، وبدأ حصار ظالم للعراق استمر حتى غزو أمريكا وبريطانيا لهذا البلد العربى الكبير فى ١٩ مارس ٢٠٠٣.
أخطر ما فعلته عصابة إسرائيل الصهيونية فى البنتاجون أنها حلت الجيش العراقى، وبدلا من إقامة حكم تعددى حقيقى تعرض السنة للتهميش لمصلحة الطائفة الشيعية، وهى البذرة التى قادت لاحقا إلى ظهور كل التنظيمات المتطرفة ومنها داعش، هذا الفيروس الذى يضرب الأمة العربية بأكملها الآن.
إيران عام ١٩٨٠ اعتقدت أنها يمكنها تصدير الثورة للخارج، وعراق صدام ظن أن الفرصة صارت متاحة ليصبح زعيم المنطقة الوحيد بديلا لشاه إيران محمد رضا بهلوى الذى مات ثم دفن فى مصر ما أدى إلى قطع طهران لعلاقتها مع القاهرة.
المهم أنه فى هذه الحرب زود الغرب الطرفين بالسلاح، انتعشت ماكينة ومصانع السلاح الغربية، واضطرت بلدان الخليج لمساعدة العراق وقتها، خوفا من صدام أو خوفا من تنامى النفوذ الإيرانى، الذى كان يعلى من انتمائه الطائفى بوضوح باعتباره يقوم على نظام «الولى الفقيه» مقابل تعظيم عراق صدام للاعتبارات القومية. فى هذه الحرب العبثية كان الشيعى الإيرانى يقتل شقيقه الشيعى العراقى والعكس صحيح.
إيران الخومينية كانت تزعم أنها تحارب الشيطان الأصغر «إسرائيل» والأكبر «أمريكا»، ثم فوجئنا عام ١٩٨٤ أنها كانت تأخذ الأسلحة من الشيطان الأكبر عبر الشيطان الأصغر فى فضيحة شهيرة سميت «إيران كونترا جيت».
مليون قتيل و٤٠٠ مليار دولار، لو بقى الشباب وأنفقت الأموال للتنمية لتغير حال المنطقة تماما، لكن ماذا نقول عن التعصب والتطرف والمتاجرة بالدين والجهل والاستبداد والعنجهية وأمراض الزعامة؟!.
كان يفترض أن يتعظ صدام بعد هذه الحرب المجنونة، لكنه غزا الكويت، بعد أن أوهمته السفيرة الأمريكية ابريل جلاسبى أنه يمكن أن ينفرد بالمنطقة، وهكذا دخلت أمريكا المنطقة بكامل أساطيلها وطردت صدام ودمرت العراق والكويت معا، ثم بدأت ومعها الغرب فى تصدير السلاح مرة أخرى، وصار لشركاتها مجال واسع للحصول على عقود إعادة الإعمار.
الحرب الأهلية المشتعلة الآن فى معظم المنطقة تضمن للغرب ولإسرائيل أن يقتل بعضنا البعض وفى الوقت نفسه، تواصل مصانع السلاح الغربية الدوران واستنزاف الأموال العربية والإسلامية. لكن هل نلوم الغرب لأنه يبحث عن مصالحة ومصالح إسرائيل، أم نلوم جهلنا وتخلفنا وغباءنا باعتبار أننا نتآمر على أنفسنا قبل أن يتآمر علينا الآخرون؟!
الآن انقطعت معظم علاقات بلدان الخليج مع إيران بعد اقتحام السفارة السعودية فى طهران وقنصليتها فى مشهد، والاستقطاب وصل إلى مرحلة خطيرة، وصرنا نسمع عن حرب سنية شيعية علنية بعد أن كانت تدور بالوكالة فى سوريا والعراق واليمن.
السؤال البسيط والمحير فى الوقت نفسه:
لو أن حربا واسعة اندلعت بين السعودية وإيران ــ لا قدر الله ــ ثم انجرت بقية المنطقة خلفهما.. فمن هو الذى سيربح الحرب؟!
المؤكد أن الطرفين سيخسران، وسيسقط مئات الآلاف من القتلى والمصابين، وستتعرض المنطقة للتدمير، وأغلب الظن أن حقول البترول ستشتعل، ويتوقف أى أثر للعمران، وفى الوقت نفسه سوف تعمل مصانع السلاح فى أمريكا وأوروبا وروسيا والصين بكامل طاقتها لتضمن حصول الطرفين على أحدث أنواع الأسلحة وصور الأقمار الصناعية العسكرية، وبعد سنوات سيكتشف الطرفان أنهما يفترض أن يتفاوضا معا ويوقفا الحرب، لكن بعد أن تكون المنطقة قد خربت وتدمرت.
السؤال الأكثر بساطة: لماذا لا نجرب وصفة أخرى، بأن ينشغل كل بلد بإعادة بناء نفسه وتعليم أبنائه واللحاق بالعصر الحديث بدلا من الانشغال بحرب عبثية بدأت عام ٣٦ هجرية، ولن نحسمها نحن الآن أو غيرنا غدا!.
عماد الدين حسين  كاتب صحفي