قطاع الطرق.. والدولة البديلة - عماد الغزالي - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 8:36 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قطاع الطرق.. والدولة البديلة

نشر فى : الإثنين 5 أكتوبر 2009 - 10:25 ص | آخر تحديث : الإثنين 5 أكتوبر 2009 - 10:25 ص

 لا يمر أسبوع إلا ونقرأ فى الصحف عن أهالى قرية قطعوا الطريق على العابرين لأن مياه الشرب لا تصلهم منذ ثلاثة أيام، أو أن طبيب الوحدة الصحية تسبب بإهماله فى وفاة إحدى الفتيات، أو أن القطار لم يقف بمحطتهم فعطلهم عن أشغالهم، أو أن مواسير الصرف الصحى، التى كان مقررا أن تمر بقريتهم تجاوزتهم لأسباب غامضة إلى سواهم.

وفى معظم الأحيان فإن هذه النوعية من الأخبار تحتل صدارة الصفحات الأولى من الصحف، التى تتسابق لكسب ود جمهور غاضب سعيا إلى زيادة التوزيع، وقد تصاحبها صورة يبدو فيها الأهالى فى حالة شديدة من الثورة، وقد أحرقوا إطارات السيارات، وأمسكوا بالشوم وجذوع الأشجار فى استعراض قوة مهيب.

هذا الشكل من أشكال الاحتجاج العنيف لا صلة بينه وبين التظاهرات والاعتصامات، التى نظمها القضاة أو خبراء وزارة العدل أو موظفو الشهر العقارى على سبيل المثال، وهى تختلف عنها من زاويتين على الأقل: أولها أن الأخيرة ذات طابع فئوى، تتعلق بجماعة من الناس تجمعهم مصالح مشتركة، ولديهم مطالب محددة، يلفتون النظر إليها ويلحون فى ذلك حتى يستجيب إليهم أولو الأمر.

وثانيها أنها سلمية لا شبهة عنف فيها، بعكس حالات قطع الطريق التى تتوخى الغاية ذاتها، أى جذب الانتباه، لكنها تتوسل إلى ذلك بوسائل عنيفة وفى الاتجاه الخاطئ فى معظم الأحيان، لأنها فى حقيقتها تعبير عن حالة احتقان عامة وجدت ضالتها فى حدث عارض مثل وفاة فتاة فى مركز صحى.

ظاهرة قطاع الطرق تعبير صارخ عن غياب الدولة وتغييب العدالة: العدالة فى تطبيق القانون، وفى توزيع الثروات والخدمات وتحقيق ضمانات الأمن للعائشين على أرض الوطن، دون النظر إلى دياناتهم أو نفوذهم أو مواقعهم فى الهرم الاجتماعى.

وحين نتحدث عن غياب الدولة، فإننا لا نستدعى الدولة البوليسية الباطشة المستبدة، بل نأمل فى دولة القانون والحريات، وحين نحذر من دولة بديلة، فإننا نعنى تلك التى تحتكم لقوانين القوة والغلبة وتشيع الفوضى فى كل مناحى حياتنا.

وما نرى بوادره ونحذر من استمراره أن صار المصريون ضد المصريين، الفقراء ضد الأغنياء، المسلمون ضد الأقباط، الأهلاوية ضد الزملكاوية، سكان الأحياء الشعبية ضد سكان الأحياء الراقية، هذا هو السيناريو الأسوأ: بولاق أبوالعلا ومنشية ناصر وعزبة الهجانة والشرابية والقلعة والدويقة فى مواجهة الزمالك ومصر الجديدة ومدينة نصر، الكل ضد الكل، والحكومة تتفرج وربما سعيدة، فقد صار هناك موضوع آخر غيرها للنزاع والخصومة.

فشلنا فى الالتفاف حول مشروع قومى، فهل نحتاج إلى كارثة قومية حتى نفيق مما نحن فيه؟

هل نحتاج إلى حرب حتى تلتئم لحمتنا؟
أخشى أنها حتى لو جرت سنبقى على حالنا.



عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات