«دول» الوطن العربى تأخذه إلى المجهول الهيمنة الأميركية تتوسعو «إسرائيل» تهديد مفتوح - طلال سلمان - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:18 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«دول» الوطن العربى تأخذه إلى المجهول الهيمنة الأميركية تتوسعو «إسرائيل» تهديد مفتوح

نشر فى : الثلاثاء 5 مارس 2019 - 11:45 م | آخر تحديث : الثلاثاء 5 مارس 2019 - 11:45 م

يتبدى الوطن العربى، فى هذه اللحظات، وبأقطاره جميعا، مخلع الأبواب، مفتوح النوافذ على الرياح جميعا، الأميركية والإسرائيلية والتركية، ومعها الروسية والإيرانية وإن اختلفت الأسباب والغايات.
ممكن القول بالتالى ومن دون خوف من سوء التقدير أن الوطن العربى وبغالبية أقطاره فى حكم المحتل، إرادته مرتهنة، وقراره ليس فى يد أهله.
إن الحكم فى معظم الأقطار عسكرى فى أيدى قادة سابقين أو لاحقين للجيش والقوات المسلحة، أو الملك أو أمير وارث قد أضاف إلى النسب رتبة القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة.
المجالس النيابية، فى الغالب الأعم، معينة، والحكومة هى الأداة التنفيذية لصاحب الأمر، ملكا كان أم رئيسا أم أميرا لدولة..
أما على المستوى الفكرى فالأنظمة جميعا تعادى الحرية الفكرية، وحق الإعلام فى تقديم صورة الواقع أو – أقله – تخاف منها وتحاول منعها من التمدد والانتشار، فإذا عاند بعض «المناضلين» من المؤمنين بضرورة العمل السياسى من أجل التغيير فإن وسائل «النظام» لقمعهم متيسرة وغير مكلفة: المعتقلات والسجون أو الضغط عليهم لكى يسعوا إلى تأشيرة دخول إلى أية دولة أجنبية تقبلهم.. وهكذا تخسر البلاد بعض كفاءاتها التى كان يمكن أن تسهم فى التغيير إلى الأفضل.
اندثرت – بالتقادم أو بالقمع أو بحصار العدو – الأحزاب والعقائد السياسية التى كانت تنادى بالتغيير، سواء منها «القومى» أو «التقدمى» أو «صاحب الشعار الديني«: الأحزاب الشيوعية، حزب البعث العربى الاشتراكى، حركة القوميين العرب، وما تفرع منها من تنظيمات ترفع شعار التحرر (فتح، الجبهة الشعبية – الجبهة الديمقراطية.. وحماس).
صيرت الشعوب قطعانا من العزلو «الرعاة» مسلحون حتى أسنانهم: من خرج من القطيع وعليه حكم عليه بالإلغاء والتفكك ليعودوا أفرادا مطيعين، ولو بالخوف، ولا عصاة.
.. وظلت القضايا المقدسة تدوى فى شوارع الفراغ، ولا من يستجيب..
فرض على من يطمح أو يرغب فى العمل السياسى أن ينضوى فى حزب سياسى، أو حتى فى جمعية، خصوصا بعدما اغتيلت الأحزاب بالسلطة أو سقطت بالتقادم، أو بالحظر وكأنها «جمعيات سرية»، وبالتالى انقلابية بالضرورة.
ما تبقى من تسميات حزبية هى لهياكل تآكلت بالسلطة أو بمرور الزمن، ومن الأكرم لتاريخها أن تنسى بوصفها بعض الماضى ليس أكثر.
ليس «فى الشارع» إلا حزب السلطة، وهو مجموعات من المنتفعين والموظفين البلا تاريخ، مع حرص على التبرؤ من التحزب أو حتى الاهتمام بالسياسة عموما.
****
كيف إذن، لا تصبح السفارات «مرجعيات سياسية» فى البلاد التى تحرص على أفضل العلاقات مع «عواصم القرار الكونى» وفى طليعتها واشنطن..
وكيف لا تصبح «العمالة للأجنبى» نشاطا مشروعا، وممارسة طبيعية للعمل السياسى «وفق المبادئ الديمقراطية».
وكيف يمكن، فى ظل هذه « القيم الجديدة»، تمييز «الوطنى» من «العميل» والمناضل من أجل التحرر والتحرير من جماعات السفارات الأجنبية ومخابرات دول الاحتلال فى الماضى أو الهيمنة على الحاضر والمستقبل.
وكيف لا يفرغ الشارع من جمهور الرافضين لسياسة التبعية والمعترضين على هيمنة النفوذ الأجنبى على القرار الوطنى... بينما «الدولة» جميعا على الضفة الأخرى؟
وبالتالى فليست مصادفة أن تختفى الأحزاب المنادية بالتغيير والتحرير، وأن تندثر النقابات العمالية لتحل محلها هيئات حكومية تعمل بالأمر من دون أية علاقة بهموم الناس، سواء كانوا من العمال والفقراء أم من أبناء الطبقة الوسطى..
الطريف أن البلاد العربية، بمعظمها، تشارك بوفود رسمية فى المناسبات والاحتفالات الرسمية، على المستوى الدولى، بعيد العمال، أو بأعياد الاستقلال أو التحرر من الاستعمار واستعادة حرية الوطن والشعب.
***
لقد «ابتكر» الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ذات يوم من صيف العام 1963، «القمة العربية» التى انعقدت، لأول مرة، فى القاهرة، ثم فى المرة الثانية فى الإسكندرية.. واستمر هذا التقليد بعد رحيل عبدالناصر،.. ثم كان القرار بنقل مقر الجامعة إلى تونس مؤقتا، احتجاجا على زيارة السادات الكيان الإسرائيلى وخطبته الشهيرة أمام الكنيست، التى نادى فيها «بالسلام».
ولقد عاشت هذه «القمة»، التى سرعان ما أفرغت من مضمونها التضامنى الأصلى، وصار مجرد لقاء بين عشاق غلبهم الشوق من الرؤساء والملوك والسلاطين والأمراء العرب، غالبا ما تعقد من دون نصاب، ومن دون قرارات جدية وقابلة للتنفيذ، إلا فى ما يتصل «بالسلام» مع العدو الإسرائيلى تحت غطاء «الحل السلمى للصراع العربى الإسرائيلى».
فخلال السنوات الأخيرة، تهاوت دولة العراق بعد الاحتلال الأميركى الذى اتخذ من طغيان صدام حسين صفة الوكيل الشرعى عن الشعب العراقى واجتاح أرض الرافدين ناشرا الفوضى، موقظا الفتنة فى أرض السواد التى غدت عمليا بلا دولة وأرض صراع مفتوح بين الشيعة والسنة والعرب والكرد، وعصابات «داعش» التى احتلت الموصل وأنحاء أخرى من العراق (وسوريا)، وفرضت الإرهاب بالقتل المجانى والإعدامات بقصد نشر الرعب فى صفوف العراقيين..
ومن أسف فقد لاحت شبهة تواطؤ أميركى وتركى مع «الدواعش» التى تمددت حتى بلغت سوريا، وأسهمت بدور ملحوظ فى الحرب فى سوريا وعليها المتواصلة منذ ثمانى سنوات، والتى أنهكت هذه الدولة ذات التاريخ المضىء فى العمل القومى.
ولقد تكاملت المأساة بقرار همايونى بطرد سوريا من جامعة الدول العربية، وسحب السفراء العرب من دمشق، وإغلاق السفارات، بل «وتبرع» بعض الدول العربية بتقديم الدعم – ماليا وتسليحا – للعصابات المسلحة التى انتشرت فى سوريا ناشرة الخراب وتشريد ملايين المواطنين السوريين الذين لجأ معظمهم إلى دول الجوار العربى: الأردن ولبنان، ومصر، فى حين قصد أهل الشمال تركيا، وما زالوا فيها حتى الآن.. فى ظل تعقيدات عربية ودولية ومن أطراف دولية عدة لاستبعاد عودتهم أو تأخيرها، لإعادة بناء «سوريا أخرى» فى غيابهم ومن دونهم.
***

إن الوطن العربى محتل، مرتهن الإرادة، تكاد دوله أن تكون بلا قرار.
ولقد مكن هذا الواقع البائس الولايات المتحدة الأميركية بأن توسع سيطرتها على القرار العربى، كما مكن العدو الإسرائيلى من اقتحام عدد من العواصم العربية، بحيث يستقبل نتنياهو الآن فى أكثر من عاصمة عربية، متباهيا بأنه كسر حاجز المقاطعة العربية للكيان الصهيونى، وتجاوز حاجز العداء الناتج عن احتلال فلسطين.
إن العراق يكاد يكون بلا دولة، أو أنه دولة قيد إعادة التأسيس.
كذلك سوريا التى ما تزال تقاتل العصابات المسلحة فى الشمال، ومعها قوات روسية وإيرانية (من ضمنها مقاتلون من حزب الله فى لبنان).. فى حين تصر الولايات المتحدة على إبقاء مئات من قواتها فى الشرق والشمال، بينما يهدد أردوغان أنقرة دمشق بضربها إذا هى بعثت بقواتها لتحرير إدلب وسائر الشمال السورى..
أما دولة ليبيا فقد «أسقطت» من خريطة الدول، أقله حتى إشعار آخر،
وتونس تعيش حالة اضطراب مفتوح فى الصراع بين سلطة ورثة الحبيب بورقيبة والإخوان المسلمين.
وأما الجزائر فتعيش أزمة التجديد المأساوى لرئيسها المريض، والذى يتبدى أنه لن يمر ببساطة وهدوء كما التمديدات السابقة.
نحن بخير، طمنونا عنكم!

طلال سلمان كاتب صحفي عربي بارز، مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، كما أنه عضو في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية - المدونة: www.talalsalman.com
التعليقات