صحيفة الشرق الأوسط ــ لندن التنمية الصامدة - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 2:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صحيفة الشرق الأوسط ــ لندن التنمية الصامدة

نشر فى : السبت 5 فبراير 2022 - 8:00 م | آخر تحديث : السبت 5 فبراير 2022 - 8:00 م


نشرت جريدة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتبة آمال موسى ربطت فيه بين التنمية وفكرة الصمود أمام التغيرات المناخية. فالتنمية أصبحت لا تتأثر بالأمية والحروب كما قبل، لكن معركتها الحقيقية مع الطبيعة. مشيرة فى ختام مقالها أن الصمود المقصود ليس من الناحية التنموية فحسب لكن أيضا من الناحية الصحية والنفسية... نعرض من المقال ما يلى:
لا شك فى أن هاجس التنمية ليس أمرا جديدا على البلدان والمجتمعات بشكل عام. وحتى عندما نقصر النظر فى العهد الحديث سنجد أن العلماء وضعوا نظريات مختلفة للتنمية. كما جرت الاستفادة من دروس التجارب التنموية من أجل تطوير النظريات ووضع غيرها؛ من ذلك أن البعد القطاعى فى التنمية سرعان ما أثبتت التجربة قصوره وأن تقديم قطاع على قطاع ليس بالخيار الصحيح، إذ ساد الاعتقاد فى منتصف القرن الماضى أن التنمية الاجتماعية هى الأكثر أولوية، وأن التنمية السياسية وممارسة الديمقراطية مسألة لاحقة بعد أن تقطع الدولة الخطوات الأساسية فى مجال الإصلاح الاجتماعى. ولكن بعد تراكم التجارب ظهرت النظرية التنموية، التى تنادى بضرورة إرساء تنمية شاملة تأخذ بعين الاعتبار كل أبعاد عملية التنمية، أى اعتماد مقاربة متعددة القطاعات وبشكل متوازٍ.
إذن ما الجديد؟ الجديد حاليا هو ربط التنمية الشاملة بالأفكار أو بفكرة، ولكنها فكرة مكثفة ومركبة وغنية المعانى. فالخبراء باتوا يتحدثون اليوم عن التنمية الصامدة مع ما يعنيه ذلك من ربط قوى بين التنمية وفكرة الصمود. ولقد بدأ هذا الربط مع تأكد التغيرات المناخية فى العالم وتأثيراتها التى لم يُحسب لها حساب. ويمكن القول إنه من اتفاق باريس واللقاء الأممى الكبير ومسألة تغيرات المناخ اتخذت وجهة أكثر جدية وإلزامية. ولقد بان بالكاشف كيف أن التغيرات المناخية تضر بالأرض والزراعة ومخزون المياه والصحة بشكل عام. ومن الواضح أن التوقف عند فكرة الصمود دون غيرها هو فى حد ذاته نتاج تراكم ملاحظات وتفكير مطول، حيث إن المطلوب هو اعتماد تنمية قادرة على الصمود متى كان ذلك ضروريا: نضرب مثلا على ذلك تداعيات تأثيرات المناخ التى أدت إلى ارتفاع الحرارة وظهور الغازات الدفيئة التى تسببت فى شح الماء والفيضانات والجفاف، أى الصمود أمام الكوارث الطبيعية الظاهرة منها وغير الظاهرة. وإذا كان الجفاف والفيضانات من الكوارث الظاهرة فإن نقص الماء لا يعلن عن نفسه بسهولة. واليوم يعرف العالم أزمة مياه حقيقية وهناك بلدان مصنفة تحت الفقر المائى وهو أمر يلقى بظلاله السلبية والموجعة على الزراعة وعلى الصحة. ومن سنوات والخبراء يعلنون أن الحرب المقبلة للبشرية ستكون بسبب المياه ومن أجلها. وهو إعلام لم يتم التعامل معه فى البداية بجدية لأن الحروب كانت ولا تزال تقوم بسبب الموارد الأولية.
بل إن جائحة «كورونا» ذاتها التى تعصف بالعالم للسنة الثالثة على التوالى هى أيضا كارثة طبيعية أودت بحياة الملايين من البشر، ورأينا كيف أثرت على الاقتصادات والاستثمار، ما يؤكد أن التنمية التى كانت تتأثر من عقود بنسب الأمية المرتفعة والتخلف الصحى وأيضا بالحروب والتوترات، أصبحت اليوم فى معركة مع الطبيعة، وهو أمر يستحق التأمل والتفكير والانتباه. لذلك لا بد من التحلى بالصمود ومن امتلاك مقوماته حتى تستطيع التنمية مواصلة العمل فى الأزمات وفى عمق التأثيرات من دون أن تتعطل وتتأزم.
فالتنمية الصامدة هى التى تحمل أسلحة دفاعية متنوعة ومختلفة وتوظف السلاح المناسب للأزمة المناسبة. ومن غير الممكن اليوم وضع مخططات تنموية وبرمجة اعتمادات والمصادقة على المشاريع الكبرى من دون أن نربط كل المخطط بالتأثيرات المناخية ودون أن نحول وجهة بعض الخيارات القديمة إلى غيرها أكثر قدرة على الصمود: فى الزراعة هناك منتوجات تحتاج للماء أكثر من غيرها. وكما رأينا فى السنوات الأخيرة فإن الفيضانات التى هى أحد أهم مظاهر التغيرات المناخية قد أربكت حياة الناس الضحايا وأفسدت ما أفسدت.
من هذا المنطلق فإن كل دولة مطلوب منها وهى تضع برنامجها التنموى أن تنتبه إلى ضرورة امتلاك القدرة على الصمود أى القدرة التى يجب أن ترافق أى فعل تنموى فى العالم اليوم، حيث الطبيعة أصبحت فى تغيير مستمر بشكل استعادت به الكثير من غموضها وغضبها بعد أن اعتقد الإنسان الحديث أنه تمكن من ترويضها بالعلم.
إن التغيرات المناخية تمثل فى حد ذاتها معضلة أمام الإنسانية اليوم، وبدأت هذه التغيرات تتمظهر وتلمس أكثر فأكثر على الأصعدة كافة. ذلك أن الصمود المقصود هو أيضا متعدد الأبعاد تنمويا وصحيا ونفسيا.
طبعا لا يفوتنا بالمرة القول إن الصمود هو أيضا قدر الإنسان فى الأرض وها هى الأرض كأنها تعود إلى سالف بداياتها ليعيش الإنسان قسوة الطبيعة ويعيد بناء علاقته بها على نحو يقطع مع الترويض الواثق إلى الصمود الحذر الذى لا يمكن إلا أن يكون نتيجة حالة مستمرة من الانتباه.

التعليقات