قلق إسرائيل سواء فى وجود الأسد أو فى رحيله - إيهاب وهبة - بوابة الشروق
الأربعاء 22 مايو 2024 10:54 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قلق إسرائيل سواء فى وجود الأسد أو فى رحيله

نشر فى : السبت 5 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 5 يناير 2013 - 8:00 ص

فى 19 ديسمبر الماضى قرر مجلس الأمن الدولى تمديد فترة بقاء قوات حفظ السلام المتواجدة على خطوط التماس فى الجولان السورى المحتل لمدة ستة أشهر أخرى. فى واقع الأمر يتم تجديد التفويض لهذه القوة (المعروفة اختصارا بالاندوف)، التى تراقب تنفيذ اتفاق فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل الموقع فى 31 مايو 1974، بصفة شبه روتينية منذ إنشاء القوة، حيث الجبهة هادئة وادعة طوال هذه السنوات. الجديد هذه المرة أن مجلس الأمن أشفع قرار التجديد بإبداء قلقه الشديد من تدهور الأوضاع الأمنية فى منطقة عمليات القوة الدولية، بما ينبئ بإمكانية تصعيد التوتر بين إسرائيل وسوريا، وانهيار وقف إطلاق النار، بل وتهديد استقرار المنطقة! كان سكرتير عام الأمم المتحدة قد أوضح فى تقرير للمجلس أن القوات السورية قد وسّعت من نطاق تواجدها وأنشطتها العسكرية فى منطقة عمل القوات الدولية من أجل أن تحتوى الاضطرابات والعمليات التى تقوم بها الجماعات المسلحة المناوئة. كانت قد تبودِلت قذائف المدفعية عبر خطوط وقف إطلاق النار أكثر من مرة فى الآونة الأخيرة، كما أصيبت سيارات حربية إسرائيلية بطلقات نارية من الجانب السورى، ورد على ذلك الجانب الإسرائيلى بقذائف المدفعية.

 

بعد يومين اثنين من صدور قرار مجلس الأمن المشار إليه، قررت اليابان سحب قواتها المتواجدة ضمن القوة الدولية منذ عام 1996 بسبب تدهور الأوضاع الأمنية، كما عبرّت دول أخرى مشاركة عن قلقها، وذلك بعد إصابة بعض أفراد هذه القوات وهم فى طريق مغادرتهم لمطار دمشق. وبناء على ذلك قررت الأمم المتحدة أن تكون سفريات قواتها من وإلى سوريا عن طريق تل أبيب!

 ●●●

من ناحية أخرى أجرت إسرائيل مناورات عسكرية فى المنطقة التى تحتلها على هضبة الجولان، وذكرت أنها تقوم بهذه المناورات تحسبا لمواجهة عدو لا قِبَل لها به. وفوق ذلك تقوم إسرائيل حاليا بإقامة جدار عازل بطول خط وقف إطلاق النار (90 كيلومترا)، أكثر مَنْعَة من السور الحالى، تحسبا لعدم الاستقرار فى حالة سقوط الأسد، وكذلك تفاديا لتكرار حادث اقتحام مئات الفلسطينيين والسوريين للمنطقة المحتلة، كما جرى فى ذكرى النكبة يوم 15 مايو 2011.

 

بالرغم من كل هذه الشواهد، فإن احتمال اندلاع القتال بجبهة الجولان على نطاق واسع فى الوقت الحاضر أمر مستبعد. غير أن التطورات المتسارعة فى سوريا، واحتمال التجاء النظام السورى لأعمال يائسة فى مواجهة إسرائيل قبل سقوطه، وكذلك تغير الوضع فى حالة استيلاء جماعات متطرفة على السلطة، كلها أمور قد تهدد اتفاقية فض الاشتباك بين الجانبين السورى والإسرائيلى.

 

جدير بالذكر أن إسرائيل قد أصدرت قرارا عام 1981 بتطبيق قوانينها وفرض ولايتها على الأجزاء التى تحتلها من هضبة الجولان مما يعنى الضم الفعلى لهذه الأراضى. جرى ذلك فى تحدٍ سافر لقرارات مجلس الأمن السابقة واللاحقة. إذن فقيام الجماعات المسلحة بمهاجمة إسرائيل مستقبلا فى ظل ذلك الوضع غير الشرعى قد تبدو مبررة.

 ●●●

نأتى بعد ذلك إلى موضوع ترسانة الأسلحة الكيماوية والبيولوجية التى تحت يد النظام السورى. تُمثل هذه الترسانة شرا مستطيرا لإسرائيل، (وكذلك لأطراف خارجية كثيرة) فى حالة إذا ما استخدمها النظام ضد إسرائيل فى حالة يأس، أو إذا ما وقعت هذه الأسلحة فى قبضة الجماعات المسلحة التى يرتبط بعضها عقائديا بتنظيم القاعدة (مثل جبهة النصرة). والتطور اللافت للنظر فى هذا الأمر قد تمثل فى تصريح وزير الخارجية الروسى يوم 22 ديسمبر الماضى الذى قال فيه إن الحكومة السورية قد قامت بتجميع أسلحتها الكيماوية فى موقع واحد أو موقعين، وأن هذه الأسلحة تحت السيطرة فى الوقت الحاضر. أضاف الوزير أن الخبراء العسكريين الروس فى سوريا يرقبون عن كثب الترسانة الكيماوية السورية. ويتحدث الموقع الإخبارى الإسرائيلى «ديبكا»، الوثيق الصلة بالاستخبارات، بالتفصيل عن هذا الموضوع، فيشير إلى أن قوات النظام قامت فى بادئ الأمر بإطلاق صواريخ سكود، كما استخدمت الطائرات الحربية، لمنع تقدم الجماعات المسلحة المعادية نحو ترسانة الأسلحة الكيماوية والبيولوجية بالمجمع العسكرى الصناعى المحاذى للسفيرة فى ريف مدينة حلب. وفى مرحلة تالية قامت قوات روسية خاصة بالتدخل وتوجيه إنذار للأطراف المتقاتلة بالتوقف عن عملياتها العسكرية، ومن ثم قامت هذه القوات الخاصة بالمساعدة فى نقل هذه الأسلحة إلى مكان آمن. ويعتبر الموقع الإخبارى الإسرائيلى أن تصريحات الوزير الروسى، وكذلك نقل الأسلحة إلى مكان آمن، بمثابة رسائل مهمة لطمأنة الأطراف الخارجية وعلى رأسها الولايات المتحدة.

 ●●●

لم يبالغ المبعوث العربى ــ الدولى الأخضر إبراهيمى، أو وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف، عندما ذكر الأول أن البديل عن الحل السلمى هو الجحيم بعينه، أو كما تنبأ الثانى بأن البديل هو فى اندلاع الفوضى العارمة. ونظرة على أعداد المنخرطين فى القتال من خارج سوريا وكذلك تشعب البلاد القادمين منها، تبين إلى أى حد يبدو الموقف معقدا وربما يصعب السيطرة عليه فى المستقبل. فهناك تقديرات بأن أعداد هؤلاء المقاتلين من خارج سوريا يبلغ حاليا 2500 مقاتل، أتوا من كل بقاع الدنيا؛ من الدول العربية (وخاصة الجزائر) ومن الدول الآسيوية (شيشنيا وطاجيكستان وأفغانستان وإندونيسيا ومقاطعة سينكيانج الصينية)، والدول الأوروبية (السويد والدنمارك والنرويج وفرنسا وبلجيكا) بالإضافة إلى مائة مقاتل من استراليا! ويذكر هذّا الوضع بالوضع فى أفغانستان فى نهاية الثمانينيات، عندما تدفق المقاتلون من مختلف الجنسيات لينخرطوا فى صفوف المجاهدين فى قتالهم ضد القوات السوفييتية. ومما يزيد الموقف تعقيدا فى سوريا أن هؤلاء المقاتلين من الخارج يتوزعون على العديد من الجماعات المسلحة العاملة على المسرح السورى والتى تضم الجيش السورى الحر، ولواء الإسلام، وكتيبة الأنصار، وأحرار الشام، بالإضافة إلى جبهة النصرة التى سبق الإشارة عليه والمرتبطة بتنظيم القاعدة الناشط فى العراق.

 

وليس من الصعب تصور الدور التى يمكن أن تلعبه هذه الجماعات المسلحة بتكويناتها بعد سقوط النظام سواء أكان ذلك داخل سوريا أو خارج حدودها.

 ●●●

ولا يشكل إمساك الجماعات المسلحة السنية بزمام الأمور فى حالة سقوط الأسد الهاجس الوحيد لإسرائيل، إذ ترى خطرا إضافيا محدقا بها، هذه المرة من جانب الميليشيات التى تتلقى حاليا التدريب والدعم من قِبل حزب الله وإيران، وتقاتل فى صفوف النظام. هذه الميليشيات قد تتوق إلى استنزاف إسرائيل فى مواجهات مسلحة فى ظل الوضع المضطرب الذى سيصاحب سقوط النظام.

 

تجذب إسرائيل، باحتلالها وممارساتها، الأعداء جذبا، فيأتوها من كل حدب وصوب، سواء ظل الأسد على عرشه أو اختفى عن الساحة! وعلى نفسها جنت براقش.

 

 

 

مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأمريكية

إيهاب وهبة مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأمريكية
التعليقات