مرة أخرى: لا تنسوا المادة 75 ومخاطرها الفادحة - ضياء رشوان - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 3:54 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مرة أخرى: لا تنسوا المادة 75 ومخاطرها الفادحة

نشر فى : الثلاثاء 5 يناير 2010 - 10:27 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 5 يناير 2010 - 10:27 ص

 فى غمار الحوار الواسع الدائر فى مصر اليوم حول الترشيح لرئاسة لانتخابات رئاسة الجمهورية المقررة فى نهاية شهر أغسطس 2011 والشروط الدستورية السليمة التى يجب أن تتم وفقا لها، يتركز الحديث حول مواد ثلاث رئيسية فى الدستور ترتبط بها هذه الانتخابات، وهى المواد 76 و77 و88. والمادة الأولى، وهى الأشهر من بينها، هى تلك التى تحدد شروط وإجراءات الترشيح للرئاسة بصورة تكاد تفضى إلى قصر حق الترشيح للرئاسة على عدد محدود من ثمانين مليون مصرى لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، الأمر الذى جعلها أكثر المواد الثلاث تعرضا للنقد وطلبا للتعديل بما يتيح للمصريين جميعا حقوقا متساوية فى الترشيح للمنصب الأسمى فى النظام السياسى. أما المادة الثانية فهى تلك التى تعطى لرئيس الجمهورية الحق فى تولى المنصب لمدد غير محددة ومفتوحة بما يجعله فى الحقيقة رئيسا لمدى الحياة، ويطالب نقادها تعديلها بأن تقتصر ولاية الرئيس على مدتين متتاليتين فقط، أى اثنى عشر عاما، وفقا لمدة الولاية الواحدة المقررة دستوريا فى الوقت الحالى. وتنصرف المادة الثالثة إلى قيام القضاء بالإشراف على انتخابات مجلس الشعب، وهو ما طبق مرتين فقط فى انتخابى عامى 2000 و2005 وأتى بنتائج يكاد يجمع كل الفرقاء على إيجابيتها فى التطور الديمقراطى المصرى، وهو الأمر الذى ألغته التعديلات الدستورية الأخيرة عام 2007، واضعة الإشراف فى يد لجنة غير قضائية يضطلع رئيس الجمهورية ومجلسى البرلمان بتشكيلها، ويطالب نقاد المادة ليس فقط بعودة الإشراف القضائى على عموم انتخابات البرلمان بل وبمده أيضا لانتخابات رئاسة الجمهورية التى تضع المادة 76 مسئولية الإشراف عليها بين يدى لجنة مماثلة يخضع تشكيلها لنفس الجهات.

والملفت فى ذلك الحوار المهم الدائر حول الشروط الدستورية للترشيح لرئاسة الجمهورية أن هناك تغييبا حقيقيا لمادة أخرى من الدستور تعتبر هى أساس هذا الترشيح وتضع الشروط الأساسية التى يجب أن تتوافر فيمن يمكن أن يصبح رئيسا للجمهورية قبل أن تطبق عليه المواد الأخرى المرتبطة بالترشيح وعملية الانتخاب وخصوصا المادتين 76 و77، وهى المادة 75. وقد سبق لنا فى عدة مناسبات سابقة ومنذ فتح الحوار العام فى مصر حول تغيير المادة 76 عام 2005 ثم التعديلات الدستورية الأوسع عام 2007 أن حاولنا لفت نظر النخبة المصرية وصناع القرار فى البلاد إلى خطورة الصياغة الحالية لهذه المادة على مستقبل المنصب الأسمى فى النظام السياسى، إلا أن مساحة الاهتمام بها ظلت ضئيلة ولم تصل إلى الاهتمام الأوسع الذى لقيته المواد الأخرى المشار إليها سابقا، على الرغم من أنها تعد القاعدة التى تقوم عليها.

والنص الحالى للمادة 75 التى لم تتعرض لتعديلات منذ صياغة الدستور عام 1971 هو: «يشترط فيمن ينتخب رئيسا للجمهورية أن يكون مصريا من أبوين مصريين، وأن يكون متمتعا بالحقوق المدنية والسياسية، وألا تقل سنه عن أربعين سنة ميلادية». فحسب هذه الصياغة يشترط فيمن يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية ثلاثة شروط فقط، هى أن يكون مصريا من أبوين مصريين، وأن يكون متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية، وألا تقل سنه عن أربعين سنة ميلادية. ويبدو الخلل الحقيقى فى تلك الشروط الموضوعة للترشيح للمنصب السياسى والعسكرى الأسمى فى البلاد، عند مقارنتها بالشروط التى يضعها القانون للترشيح لكل من مجلسى الشعب والشورى بل وحتى عضوية المجالس الشعبية المحلية. ففى حالة مجلس الشعب يحدد القانون ٣٨ لسنة ١٩٧٢ تلك الشروط، وفى مقدمتها أن يكون المرشح «مقيدا فى أحد جداول الانتخاب، وألا يكون قد طرأ عليه سبب يستوجب إلغاء قيده، طبقا للقانون الخاص بذلك»، ويعنى هذا أنه من الممكن أن يرشح أحد الأشخاص نفسه لرئاسة الجمهورية مع تمتعه بحقوقه المدنية والسياسية إلا أنه غير مقيد فى أحد جداول الانتخاب ولم يسبق له الانتخاب أو الترشيح لأى مجلس منتخب، الأمر الذى ينتقص دون شك من مقام منصب الرئاسة الذى يمكن أن يرشح نفسه له أو يصل إليه من لم يمارس قط حقوقه السياسية التى يعطيها له الدستور والقانون. ويثار هنا تساؤل قانونى مهم وهو: هل يحق لأحد الطعن على ترشيح شخص لرئاسة الجمهورية إذا لم يكن مقيدا بأحد الجداول الانتخابية قياسا على ما هو مشترط للترشيح لعضوية مجلسى الشعب والشورى، وهل يعطى ذلك الحق للجنة قبول طلبات الترشيح للرئاسة رفض طلبه لنفس السبب والقياس؟

كذلك يشترط القانون للترشيح لعضوية مجلس الشعب «أن يكون حاصلا على شهادة إتمام مرحلة التعليم الأساسى أو ما يعادلها على الأقل، ويكتفى بإجادة القراءة والكتابة بالنسبة إلى مواليد ما قبل أول يناير سنة ١٩٧٠»؛ يجيد المرشح القراءة والكتابة، فهل يمكن فى ظل غياب أى نص على ذلك فى المادة 76 أن يكون رئيس الجمهورية فى مصر شخصا أميا مع كل الاحترام لهؤلاء الذين حرمتهم ظروفهم من نعمة التعليم؟ ويعد الشرط الأخطر الحاضر فى شروط الترشيح لعضوية مجلس الشعب والغائب تماما عن شروط الترشيح للرئاسة فى المادة 75 هو أن «يكون قد أدى الخدمة العسكرية الإلزامية أو أعفى منها طبقا للقانون». فغياب هذا الشرط يفتح الباب أمام من قد يكون متهربا من أداء الخدمة العسكرية الوطنية لكى يجلس على مقعد المسئول التنفيذى الأعلى فى البلاد، بل والأخطر أن يكون بحكم منصبه أيضا القائد الأعلى للقوات المسلحة التى تهرب يوما من الخدمة فى صفوفها. وإذا حدث ــ ولو بالمصادفة ــ أن نجح أحد المرشحين فى الوصول لمنصب الرئاسة دون توافر شرط أداء الخدمة العسكرية فيه، فهل يمكن وفقا لنصوص الدستور الحالية عزله من المنصب بسبب ذلك؟ والإجابة بسيطة وواضحة: لا يمكن، حيث لا يوجد أى نص دستورى أو قانونى يمكن من ذلك، وبالتالى سيكون مكتوبا على مصر أن يرأس جمهوريتها ويقود قواتها المسلحة من تهرب من أداء الواجب الوطنى الذى يكون هو بحكم منصبه مسئولا عن قيام المواطنين المصريين المتوافر فيهم شروطه القيام به.

ويضيف القانون شروطا أخرى للترشيح لعضوية المجلس النيابى، منها «ألا تكون قد أسقطت عضويته بقرار من مجلس الشعب أو مجلس الشورى، بسبب فقد الثقة أو الاعتبار، أو بسبب الإخلال بواجبات العضوية بالتطبيق لأحكام المادة ٩٦ من الدستور»، ومع ذلك يجوز له الترشيح فى إحدى حالتين: انقضاء الفصل التشريعى الذى صدر خلاله قرار إسقاط العضوية، أو صدور قرار من مجلس الشعب، بإلغاء الأثر المانع من الترشيح، المترتب على إسقاط العضوية. ولا نجد أى أثر فى المادة 75 لمثل تلك الحالات الواقعية الممكن توافرها فى بعض المرشحين لرئاسة الجمهورية سواء من أعضاء مجلسى الشعب والشورى الحاليين أو السابقين، الأمر الذى يجعل أيادى اللجنة المختصة بقبول طلبات الترشيح للرئاسة ومعها القضاء الإدارى والدستورى مغلولة أمامها، فليس هناك من نصوص دستورية أو قانونية تتيح لهم أى تصرف أو قياس على شروط الترشيح لعضوية مجلس الشعب، فليس أمامهم جميعا سوى قبول طلبات جميع المرشحين بمن فيهم من «أسقطت عضويته بقرار من مجلس الشعب أو مجلس الشورى، بسبب فقد الثقة أو الاعتبار، أو بسبب الإخلال بواجبات العضوية بالتطبيق لأحكام المادة ٩٦ من الدستور»، ولنا فى هذه الحالة أن نتخيل مصير وهيبة المنصب الأسمى فى النظام السياسى بالبلاد.

وقد أضاف القضاء الإدارى المصرى شرطا جديدا للشروط السابقة للترشيح لعضوية مجلسى الشعب والشورى بالحكم الصادر عنه، وإن رفض الحزب الوطنى الحاكم وضعه فى القانون، وهو عدم تمتع المرشح بجنسية أجنبية أو أكثر بجانب الجنسية المصرية، وهو الشرط الذى تم بموجبه إسقاط عضوية عدد من أعضاء مجلس الشعب السابق. ويبدو نص المادة 75 الحالى من هذه الزاوية أخطر مما قد يراه البعض، فهى بتجاهلها موضوع ازدواج الجنسية الذى رأى فيه القضاء خطرا فى حالة عضوية مجلسى البرلمان، تفتح الباب أمام مخاطر أكثر تأثيرا تتعلق بمصالح البلاد العليا السياسية والعسكرية والإستراتيجية فى حالة تولى منصب رئاسة الجمهورية أحد حاملى جنسية أجنبية أو أكثر بجانب الجنسية المصرية. إن مقارنة هذا النص الدستورى الخطير فيما يخص المنصب الأسمى فى البلاد مع تشريعات بعض الدول مثل ألمانيا التى ترفض أن يحمل مواطنوها جنسية أخرى بجانب جنسيتها يوضح لنا إلى أى مدى ذهب بنا التساهل والإهمال فى التدقيق فى شروط الترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية والقيادة العليا للقوات المسلحة.

ويبقى بعد كل هذا التجاهل والغياب لشروط أولية للترشيح لرئاسة الجمهورية فى المادة 75 من الدستور بما يفتح أبوابا لا يمكن توقع خطورتها على المصالح العليا للبلاد، أن المادة أيضا تبدو مترهلة الصياغة فيما يخص الشرط الثالث للترشيح بنصها على ألا يقل سن المرشح عن أربعين سنة ميلادية، حيث لم تحدد موعد بلوغ ذلك السن كما فعل قانون مجلس الشعب الذى حدده بيوم الانتخاب وتركت ذلك الموعد للاجتهاد، وهو ما يعد خللا دستوريا وقانونيا فادحا يمكن أن يفتح الباب بدوره لمطاعن دستورية وقانونية تطيح بما تبقى من مكانة وهيبة لمنصب رئيس الجمهورية بعد أن تكفلت النصوص الأخرى من المادة 75 المعيبة بالقضاء على الجزء الأساسى منهما.

ضياء رشوان  كاتب مصري وباحث في شئون الجماعات الإسلامية
التعليقات