ثلاثة مطالب للقطاع الخاص معادية للعدالة الاجتماعية - سلمى حسين - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 5:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ثلاثة مطالب للقطاع الخاص معادية للعدالة الاجتماعية

نشر فى : الجمعة 4 نوفمبر 2022 - 9:20 م | آخر تحديث : الجمعة 4 نوفمبر 2022 - 9:20 م
ضيقة، معاكسة للاتجاه العالمى، مستفزة للحالمين بوطن أكثر عدلا. هكذا يمكن وصف بعض مطالب القطاع الخاص المالى غير المصرفى، أى كبار مستثمرى البورصة وسوق المال، فى إحدى جلسات المؤتمر الاقتصادى. مثل تلك المطالب تختزل القطاع الخاص فى الشركات الكبرى وممثليها، تاركة عشرات الآلاف من وحدات القطاع الخاص المتوسط والصغير، الذى لا صوت لهما، ولا نقاش حقيقيا لمشكلاتهما. أو بتعبير الاقتصادى عمرو عدلى، هى غلبة الصوت لما أسماه «الرأسمالية المدللة» Dandy capitalism على حساب «الرأسمالية البلدى» Baladi Capitalism.
للحق، جاءت اثنتان من المداخلات قوية، وخاصة تلك المتعلقة بسوق التأمين، وأخرى معبرة عن مطالب المستثمرين العرب الراغبين فى دخول السوق المصرية. ولكن، عبر عدد من المطالبات عن التناقض الكامن بين الاحتياجات التنموية للاقتصاد بالمعنى المجتمعى، وبين مصالح وأرباح فئة صغيرة من كبار الشركات (وأصحابها من المستثمرين). وبينما استمع السيد رئيس مجلس الوزراء وكتب تلك المطالب، فيما يلى الأسباب التى تدعو لرفض المطالب، ورفض ما وراءها أى المنهج المعادى للعدالة الاجتماعية.
• • •
المطلب الأول: إلغاء الضريبة على الأرباح الرأسمالية فى البورصة.
طالب أحد ممثلى مجتمع مستثمرى البورصة بعدم فرض الحكومة لتلك الضريبة. والتى يشتد الهجوم عليها منذ عام 2013، ونجح هذا اللوبى القوى فى تفادى دفعها من ذلك الحين، عبر استجابة الحكومة للضغوط التى يمارسها هؤلاء. ولعل الآن الحجة بأن سوق المال حالها متردٍ، ورأسمالها السوقى (أى إجمالى قيمة الشركات المتداولة فى البورصة) ضئيل. فلماذا عاد الكلام حولها وحول رفضها؟
يتوقع أن يزيد عدد الشركات المباعة خلال الفترة المقبلة خاصة فى ظل خطة جذب الاستثمارات الأجنبية وترويج الشركات المصرية لدى المستثمرين من دول الخليج. ويساعد انخفاض أسعار الأسهم فى البورصة، وكذا انخفاض قيمة الجنيه المرتقب على زيادة إقبال على الشراء (لانخفاض الثمن). فإذا كانت تلك الأسباب التى يدفع بها القطاع المالى غير المصرفى كذريعة لعدم تطبيق الضريبة، فلماذا يجب على الحكومة الإصرار على فرضها وإغلاق باب التجنب الضريبى فى وجه هؤلاء؟
ضريبة الأرباح الرأسمالية هى كما يبدو من اسمها تفرض على الربح فقط أى لا يدفعها أى شخص أو شركة تعانى من خسارة. وهو الربح المتأتى نتيجة بيع أصل يملكه (وهو فى هذه الحالة شركة أو جزء من شركة مدرجة فى البورصة). وهو ربح يحصل عليه بائع الأصل، محققا إضافة لثروته. هى لحظة كبرى لتحقيق التراكم. فعلى سبيل المثال، أسس شخص شركة، ثم كبرت الشركة وتحقق أرباحا، مما أضاف لقيمتها؛ حيث زاد رأس مال الشركة من مليون جنيه لحظة التأسيس إلى 6 ملايين لحظة البيع، وتعرض شركة أخرى شراء تلك الشركة (الاستحواذ عليها) مقابل 10 ملايين جنيه، أى أن البائع قد حقق ربحا صافيا بلغ فى مثالنا 9 ملايين جنيه. وفقا للضريبة على الأرباح الرأسمالية، يفترض أن تقتطع الدولة جزءا لنقل 10% أى أقل من مليون جنيه، ويبقى للبائع أكثر من 8 ملايين جنيه. المثال تبسيطى، لكنه يوضح كيف تحقق الدولة إيرادا تستطيع إعادة استخدامه بغرض إعادة التوزيع، سواء فى شكل تعليم حكومى جيد أو غيره. من مهام الدولة التنموية، بينما يحتفظ البائع بمعظم أرباحه، ليستخدمه كما شاء. هى أحد الأشكال المهمة للضريبة على الثروة، وبالتالى أحد أهم وسائل مكافحة اللا مساواة فى بلد تتركز أكثر من 90 % من الثروات فى يد 1% فقط من السكان. كما أنها أداة غير تضخمية لملء خزانة الدولة. ويعلم اللوبى كما تعلم الحكومة أنه لا توجد دولة رأسمالية متقدمة لا تفرض تلك الضريبة.
• • •
المطلب الثانى: إلغاء العمل بالضريبة العقارية على الشركات
أخطأت الحكومة مرتين خلال العامين الماضيين؛ حيث وافقت ضمن ما وافقت على إجراءات لتدليل القطاع الخاص، على تجميد الضريبة العقارية للقطاع الخاص الصناعى. تحتفظ الشركات بمخزون كبير من الأراضى المرفقة غير المستغلة. فلا هى تؤجرها، ولا تبنى هى عليها المصانع. وهذا يعد من قبيل رأس المال الميت. لا يضيف قيمة مضافة ولا سلعا ولا تشغيلا. ولكنه يمثل ربحا محتملا سهلا عاما بعد عام، بفضل زيادة أسعار الأراضى عاما بعد عام.
وتعتبر الضريبة العقارية على تلك الأراضى من قبيل الضرائب على الثروة (الثروة العقارية).. وهى ذات فائدة مزدوجة من الناحية التنموية: أولا، من شأنها أن تحد من سلوك تخزين الأراضى ومن ثم تشجع على التخلص منها أو تأجيرها أو استثمارها، بشرط أن يزيد معدل الضريبة على الزيادة المتحققة بفعل زيادة أسعار الأراضى. ثانيا، الضريبة هى وسيلة غير تضخمية لملء خزانة الدولة. وهكذا بعد أن تجاهلت الحكومة كل تلك الموارد التى كانت يمكن أن تحصل عليها خلال عامى الجائحة (تخيلوا المليارات التى كان من الممكن توجيهها لزيادة مرتبات الأطباء لتشجيعهم على البقاء فى بلادهم بدلا من الهجرة إلى الدول الغنية، بسبب سوء ظروف العمل فى القطاع الصحى المصرى). يضغط ذلك اللوبى من أجل الإبقاء على ذلك الوضع الشاذ فى أعوام عجاف قادمة. فهل تظل الحكومة على موقفها غير المفهوم من تضحية بموارد هى فى أمس الحاجة إليها؟.
• • •
المطلب الثالث: عدم تعديل قانون دعم المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية
تعد الحكومة قانونا جديدا (أو ربما هو تعديل قانونى) لدعم المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، وهو قانون من شأنه أن يحمى الاقتصاد والمواطنين من توغل شركة أو مجموعة شركات فى سوق إنتاج أى سلعة من السلع، بحيث تصبح لديه القدرة على فرض السعر الذى يروق له (سعيا وراء أرباح غير عادية بلغة الاقتصاد). وفى علم الاقتصاد الرأسمالى الكلاسيكى يعتبر احتكار أقلية من الشركات لأى سلعة أو خدمة من الأخطار القليلة التى يمكن أن تهدد عمل السوق الحرة. ومن ثم وجبت مكافحته حتى يظل أكبر عدد ممكن من الشركات تتنافس فى سوق تقديم وإنتاج تلك السلعة أو الخدمة، فتكون النتيجة اختيارات متعددة أمام المستهلك ليختار أفضل سلعة بأقل سعر. فلماذا ينزعج هذا اللوبى من ذلك القانون المتوافق تماما مع قواعد السوق الحرة التى يطالب القطاع الخاص الدولة باتباعها؟
يستشرف اللوبى عمليات اندماج (أى أن تتحد شركتان فى كيان واحد جديد) واستحواذات (أى أن تشترى شركة أو أكثر شركات محلية أو أجزاء من شركات) عديدة فى الأجل القريب، بسبب انخفاض أسعار أسهم الشركات المصرية، وخاصة بعد انخفاض سعر الجنيه. وينتج عن عمليات الاندماج والاستحواذ عادة ما يسمى بتركز السوق أى أن يتحكم فى السوق عدد أقل من الشركات، أى مواقع احتكارية من شأنها أن تزيد أرباح أصحاب الكيانات الجديدة، وأيضا قدرتهم على خلق مصاعب أمام أى مستثمرين جدد فى تلك السوق التى تسودها أوضاع احتكارية، مما يحد من فرص التشغيل والنمو والتوسع فى تقديم تلك السلع والخدمات، فضلا عن تردى نوعية السلعة بسبب انعدام المنافسة على المدى البعيد.
يفترض أن يحمى التعديل القانونى ضد كل تلك المخاطر وتلك الأضرار للاقتصاد فى الصورة الأوسع، حيث يقتضى أن يوافق الجهاز المعنى بتطبيق القانون على أى عمليات اندماج واستحواذ قبل أن تتم، ولديه سلطة تعديل شكل الصفقة أو رفضها من أساسها. لا أعلم إن كان التعديل المعنى بهذه القوة، خاصة وأن الجهاز نفسه غير ممكن ولا يتمتع بالقوة الكافية. ولكن على أى حال، هكذا يفترض أن تكون مواد القانون، أسوة بالحال فى الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة وتركيا وغيرها من الدول الناشئة. وكما هو الحال فى المطلبين السابقين، وقف لوبى الشركات الكبرى أمام أى تعديل من شأنه الحد بشكل فعال من الممارسات الاحتكارية منذ 2005. وبقى حتى الآن منتصرا.
الخلاصة أن اختزال مصاعب القطاع الخاص فى توسع الاستثمار الحكومى ووقف الاستيراد بشكل مؤقت هو اختزال مخل. فهى أمور لا تهم سوى القطاع الخاص الكبير الذى لا يشكل أكثر من 10ــ15% من الناتج المحلى الإجمالى، وحوالى 5% من التوظيف. ولكنه يستطيع دوما ممارسة الضغط السياسى لانتزاع مطالبه، حتى ولو كانت غير عادلة.
فى حين لا تناقش المشاكل التى يتسبب فى خلقها، مثل فرط الاستثمار فى العقارات فائقة الرفاهية، أو الاستثمار المالى، ومثل قدرته الفائقة على التهرب من دفع الضرائب ونقل أرباحه التى تقدر بالمليارات كل عام إلى خارج البلاد، أو مثل غياب الالتزام بحقوق العاملين لديه من ناحية الحماية الاجتماعية. أما الأغلبية العظمى من القطاع الخاص، الرسمى منه وغير الرسمى، فقد غابت عن تصميم جلسات المؤتمر. والرجاء ألا يغفلها الحوار الوطنى بدوره.
سلمى حسين صحفية وباحثة متخصصة في الاقتصاد والسياسات العامة. قامت بالمشاركة في ترجمة كتاب رأس المال في القرن الواحد والعشرين، لتوماس بيكيتي. صدر لها في ٢٠١٤ كتاب «دليل كل صحفي: كيف تجد ما يهمك في الموازنة العامة؟».
التعليقات