مشكلتنا مع الغرب - عز الدين شكري فشير - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:45 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مشكلتنا مع الغرب

نشر فى : الأحد 4 أكتوبر 2009 - 9:38 ص | آخر تحديث : الأحد 4 أكتوبر 2009 - 9:38 ص

 
علاقتنا بالغرب معقدة ومختلطة، ولكنها فى العموم تسير فى الاتجاه الخاطئ. وبرغم محاولة بعض الأطراف من الجانبين تصحيح مسار هذه العلاقة، فإنها تتدهور بشكل منتظم، وأحيانا متسارع. صحيح أن ساس العلاقة لايزال رغبة الجانبين فى التعاون، لكن مواقع المواجهة تتكاثر، وهناك روح صدامية ــ مكتومة، لكنها قريبة من السطح.

وبين الفينة والأخرى يندلع هذا الصدام، حول الرسوم الدنماركية أو حول تصريحات البابا، حول العراق أو حول المحكمة الدولية، حول حقوق الانسان عندنا أو عندهم، حول الأسلحة النووية لهذا الطرف أو ذاك، وهكذا. وفى كل مرة، تنتهى المواجهة بسرعة رغبة من الجانبين فى تفادى التصعيد، لكن دون معالجة أصل المشكلة.

وما لم يحدث تغيير فى هذا النمط فإن علاقتنا بالغرب ستصل لحالة يكون الصدام فيها هو الأساس وليس الاستثناء. ومن ثم تقتضى الحكمة أن نفحص هذه العلاقة المتشابكة ونعيد تقييمها.

وأول خطوات إعادة التقييم هذه هى أن نراجع نحن مع أنفسنا رؤيتنا للغرب وموقفنا منه ومصالحنا معه «بغض النظر مؤقتا عن رؤية الغرب لنا وما يضمره أو يعلته من نوايا نحونا»، بحيث نحدد أولا ما نريده نحن من الغرب ورؤيتنا لمستقبل علاقتنا به كيلا نجد أنفسنا بعد قليل فى موقف لم نطلبه ولا يحقق مصالحنا.

بداية، فإن إعجابنا المعروف بالتقدم العلمى والاقتصادى والسياسى الغربى مضفر بضغينة دفينة نكنها للدول الغربية. أول أسبابها هو سعى هذه الدول المستمر للسيطرة على العالم وعلينا، منذ أيام الحملة الفرنسية على مصر وحتى النظام الدولى الحالى الذى نعامل فيه معاملة الأيتام على مائدة اللئام. قسم الغرب المنطقة العربية بين الإمبراطوريات فى أول القرن العشرين، واتفق على تسويات للحرب العالمية الأولى والثانية خانت وعوده للعرب، ودبر العدوان الثلاثى وغيره من حروب بالوكالة ونظم أحلافا وحاك دسائس فاقت فى خستها نظريات المؤامرة.

فى كل هذا، ومن خلال كل هذا «إضافة لحصار روسيا واحتواء اليابان ثم الصين»، خلق الغرب نظاما دوليا تحت سيطرته المباشرة، أدمجنا فيه بشروطه، وظللنا فيه مقيدين: لا نستطيع كسر النظام ولا تغيير شروطه. ونحن فى أعماقنا نكره ذلك، وإن تناسيناه أحيانا.

ونحن نحمل على حكومات الغرب ومؤسساته السياسية مساندتهم للصهيونية وتقسيم فلسطين، ثم مساندته لإسرائيل والتواطؤ معها ضدنا حين حاولنا منعها من القيام أو منعها من التوسع بعد قيامها. ونحمل على الغرب ــ حكومات وهيئات اقتصادية ــ سرقته لمواردنا أيام الاستعمار، ثم سيطرته على هذه الموارد بعد ذلك من خلال نظام اقتصادى دولى غير عادل يكبلنا بأثقال تجعل الخروج من التبعية أمرا يحتاج معجزة.

وأخيرا وليس آخرا نحن نحمل على الغرب فى مجمله استعلائه على المسلمين وعدائه للإسلام، ما أظهره منه وما أبطن.

فى تعاملنا مع الغرب انقسمنا تاريخيا إلى معسكرين نسميهما تبسيطا أنصار التحديث وأنصار الأصولية. لكن الغرب باع أنصار التحديث من الليبراليين لصالح مقتضيات السيطرة على المنطقة، فجردهم من مصداقيتهم حتى هزموا فى مجتمعاتهم وحل محلهم فى الخمسينيات لون ثانٍ من أنصار التحديث أكثر عداء فى تعامله مع الغرب وأكثر تشددا فى دعاواه القومية.

وهكذا ظهر المصطلح الأمريكى «المعتدلين والمتشددين» فى وصف دول المنطقة (وقتها كانت مصر فى قلب معسكر «المتشددين» وإيران فى قلب معسكر «المعتدلين»).

وبعد حروب وانقلابات سقط فيها مئات الآلاف من الضحايا (العرب طبعا)، تمت هزيمة «المتشددين» واحدا بعد الآخر. هُزم المتشددون، لكن «المعتدلين» لم ينتصروا! فلم يسمح لهم الغرب المسيطر بتغيير قواعد النظام أو الإفلات من سيطرته، ولم ينصفهم فى قضاياهم الرئيسية: فلا ساند التنمية الاقتصادية والاجتماعية بجدية، ولا ساند السعى لمواجهة إسرائيل أو الصلح معها. وهكذا هُزم الراديكاليون وخرج المعتدلون من المولد بلا حمص.

ومع تعثر المعتدلين من أنصار التحديث (وهزيمة المتشددين منهم)، شد الأصوليون حيلهم وصعد نجمهم فى المجتمعات العربية، ثم تبنى فريق منهم مبدأ قتال الغرب «من اليهود والصليبيين» فى أوائل التسعينيات ووجهوا عددا من الضربات لأهداف غربية فى العالم كان أهمها «غزوة مانهاتن».

وكانت النتيجة إطلاق القوة الغربية من عقالها ضد البلاد العربية والإسلامية، وزيادة التدخل الغربى فى المنطقة العربية لدرجة غير مسبوقة بهدف التغيير العمدى والمعلن لنظمها السياسية والاجتماعية التى تم تحميلها المسئولية عن انتشار «الإرهاب الإسلامى». وهكذا، فى حين فشل أنصار التحديث فى إخراجنا من قبضة السيطرة الغربية فإن أنصار الأصولية لم ينجحوا إلا فى إخراج أسوأ ما فى الغرب وإطلاقه علينا.

باختصار، لا التشدد ولا الاعتدال ولا الأصولية المسلحة نجحت فى إقناع الغرب بأن يتركنا فى حالنا. فما العمل مع هؤلاء الناس؟

www.ezzedinechoukri.com

التعليقات