خواطر حول (الجماعة) - معتز بالله عبد الفتاح - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 6:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خواطر حول (الجماعة)

نشر فى : السبت 4 سبتمبر 2010 - 10:14 ص | آخر تحديث : السبت 4 سبتمبر 2010 - 10:14 ص
لست إخوانيا ولن أكون، ولست علمانيا ولن أكون. هذا ما أعتقده الآن. وأركز على كلمة «الآن» لأن الإنسان ينضج ولا ينبغى عليه أن يغلق باب التطور والقبول بالحق والقول به إذا علمه. وليلتحق أحدنا بمدرسة «المنهج العلمى» التى ترى أن الإنسان مهما كان موقنا بشىء، خلا وجود الله وما أمرنا به، فلا ينبغى أن يصل فى يقينه لأكثر من 99 بالمائة ويترك واحدا بالمائة للشك والتشكك والفكر والتفكر والعلم والتعلم لأن «فوق كل ذى علم عليم» و«ما أوتيتم من العلم إلا قليلا».
هذه كانت المقدمة.

أما الموضوع فهو الجدل المفيد الذى يثيره مسلسل «الجماعة».
فأنا ضد الغلاة من أنصار «الإخوان» وضد الغلاة من خصومهم العلمانيين. وأرى فى كل منهما عوارا لا يقبله عقلى المتواضع. فلا أرى حقا فى أن يتحزب المسلمون بين جماعات وفرق، ولا أرى حقا فى أن يتقوقع الدين ولا يخاطب فى المسلمين حرصهم على صلاح أوضاعهم السياسية.

وهو ما يثيره مسلسل الجماعة بوضوح، ففى الدقيقة 17 من الحلقة 17 يقول الشيخ طنطاوى جوهرى لحسن البنا «السياسة تفسد الدين والدين يفسد السياسة.» وأعتقد أن هذه هى الرسالة الأساسية التى يريدها المسلسل. وهو كلام صحيح متى خلط البعض بين جاه الدنيا وقداسة الدين خلطًا يجعلون فيه الثانى عدةَ للأول. وهو مرض ابتلى به المسلمون منذ أن قال عمرو بن العاص لمعاوية: «أترى أننا خالفنا عليا لفضل منا عليه؟ لا والله إن هى إلا الدنيا نتكالب عليها، وأيم الله لتقطعن لى قطعة من دنياك وإلا نابذتك» وهى مقولة وقف أمامها العقاد فى كتابه عن معاوية طويلا للكشف عن التحول الذى شهدته علاقة الدين بالدولة مع الفتنة الكبرى وما أعقبها من ملك عضوض.

ولكن هناك من مبادئ الدين ما لا تستقيم السياسة إلا به، ففى الدين حرص على أن يكون المؤمنون حاملى رسالة لصلاح الدنيا. وحين وصف القرآن الكريم المؤمنين من أهل الكتاب قال تعالى: «ليسوا سواء، من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون، يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر». وحين أثنى على أمة الإسلام قال فيهم: «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله».

وحين ذم من كفر من بنى إسرائيل قال فيهم «كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه». والأمر والنهى هنا يتطلب الحكمة والموعظة الحسنة والجدل بالتى هى أحسن كما أوضح القرآن، وهو ما ترجمته النظم المدنية الحديثة بوضع قوانين ومؤسسات لضمان حرية الرأى والتعبير والمشاركة السياسية.

وهذه ليست مصادفة أن يكون الثناء على المؤمن فى أى دين حين يرتبط إيمانه برسالة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
تعالوا نتأمل واقعنا، كنت أدرب طلاب قسم العلوم السياسية فى جامعة القاهرة على أدوات جمع البيانات فقاموا بعمل استطلاع رأى لطلبة الجامعة فوجدنا أن نسبة المنتمين لأى كيان سياسى (حزب أم جماعة) من بين شباب الجامعة لا يزيد على 5 بالمائة ومن لهم انتماء كُروى بينهم يصلون إلى نحو 82 بالمائة ونسبة من يستمع منهم للدعاة الجدد بانتظام نحو 78 بالمائة. ما هذا الانسجام العجيب بين تشجيع الكرة والتدين الشكلى والعزوف عن السياسة؟

بمزيد من التأمل لا يرى المرء عجبا، فهذا نتاج طبيعى لانحراف التدين عن الصواب حين يتحزب، وينحرف التدين عن الصواب حين يتقوقع. والفضيلة وسط بين هاتين الرذيلتين: التحزب والتقوقع.

زعماء التحزب فى زمننا هم إسلاميو التنظيمات الدينية، وزعماء التقوقع هم نشطاء العلمانيين. ومعهما دعاة الفضائيات الذين وجدت فيهم النظم الحاكمة بديلا عن الجماعات الإسلامية لأنهم يرون الاستبداد ويصرفون الناس عن إنكاره بتجاهله فى خطابهم.

الدين يأمر أتباعه بأن تكون لهم كلمة حق فى شئون الحياة والحكم: لأن «أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر» وينهاهم عن أن يكونوا «إمعات السكوت» لأن «الساكت عن الحق شيطان أخرس».

ومن هنا فأنا أتحفظ على حجج العلمانيين الذين يرون كل دور للدين فى الحياة العامة خطرا.
وأتحفظ ضد حجج الإسلاميين الذين يرون أن «الإسلام هو الحل» لأنهم عادة يحصرون الإسلام فى مبادئ جماعتهم أو حزبهم. بل الحل الإسلامى هو حل إنسانى يقبله الإسلام، على نحو ما قال ابن رشد بقبوله الحق المكتوب فى كتب أهل الباطل.

كما أجدنى ضد حجج بعض الدعاة الذين يمطروننا بالكلام عن فضل الصلاة والصيام والقيام ويروون لنا القصص الشيقة عن الماضى العظيم دون أن يطلبوا من مسلمى هذا الزمان أن يتخلقوا بأخلاق هؤلاء الصحابة إلا فى حدود المظهر الشخصى والتبتل الفردى.

وكأنهم يقولون لنا: إن أجدادنا اخترعوا الملابس ونحن عرايا فلنفتخر بهم ولا نفعل مثلهم لأننا لو أردنا أن نكون مثلهم فينبغى أن ننهى عن المنكر ضد كل صاحب منكر. وبما أننا لا نتحدث فى السياسة فلننه عن المنكر الذى يأتيه الشخص الضعيف الغلبان ولا ننهى عن المنكر الذى يأتيه الحاكم المستبد، فلنذم الجنود بكل قسوة ولا نذكر فرعون وهامان بسوء فهما ذوا بأس شديد.

والأمر ليس بعيدا عن ظاهرة عرفناها فى الثمانينيات تحت اسم «شركات توظيف الأموال الإسلامية» فى حين أنها كانت شركات «توظيف الإسلام لتجميع الأموال» وقد ظلمونا حين أوهمونا أنهم يخدموننا بطريقة إسلامية وقد ظلمتنا وظلمتهم الدولة حين كشفت زيفهم بهمجية ولا مهنية بما جعل الظلم ظلمات. ومثلهم الآن من يدعى أنه «داعية إسلامى» يناضلون بحماس على شاشات الفضائيات وما عرفنا أنهم اتخذوا موقفا نضاليا ضد فاسد أو مزور قط بل يمارسون التقية والتورية والتعريض فى أسوأ صورها دون التزام بضوابطها الفقهية. فيزدهرون اسما ومالا وجاها ونفوذا، ويزداد المجتمع نفاقا ورياء وجهلا وتخبطا.

إذن:
إن استغلال الدين لأغراض سياسية يؤدى إلى أحد بديلين: إما الاستبداد (إن نجحت الدولة فى تأميم الدين والسيطرة على معظم روافده) أو الفتنة (إن تحزب المتدينون إلى فرق وجماعات متصارعة).

كما أن استغلال الدين لأغراض تجارية يؤدى إلى ما نشاهده من ثقافة النفاق والرياء والجهل إن أقنع الإعلاميون من الدعاةِ الناسَ بأن الدين الحق هو الطقوس التى لا تغضب الفاسد ولا تعارض المستبد.

كما أن انزواء الدين تماما عن الحياة العامة كما يقول نشطاء العلمانيين سيفضى إلى مزيد من الدروشة دون أمر بالمعروف ونهى عن المنكر بالحسنى ودون شاركة فى إدارة شئون المجتمع بالعقل والحكمة.

لابد للخطاب الدينى أن ينشط فى تربية الناس على مبادئ العدل والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر دون أن تحتكر جماعة لنفسها هذا الخطاب أو أن تعطى لنفسها اسما أو مضمونا يوحى بأنها دون غيرها تعبر عن هذه المبادئ.

المذكور فى السطور السابقة هو رأيى المتواضع فى يومنا هذا، وقد أغيره غدا إن تبينتُ خطأه. فرأيى ليس جزءا من كرامتى ولا ينبغى أن يكون. وأدعو الجميع كى يفكروا فى هذه الكلمات، فنحن بحاجة لأن نفكر معا، لا أن يعطى أحدنا لغيره تفويضا بالتفكير نيابة عنه. ولتعتبروا كلامى هذا خطأ حتى نتأكد من صحته وأنا مستعد لتصويبه شاكرا إذا حضرت البينة على خطئه.
معتز بالله عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعتي القاهرة وميشجان، ويدير حاليا وحدة دراسات الإسلام والشرق الأوسط في جامعة ميشجان المركزية في الولايات المتحدة. حصل على ماجستير العلوم السياسية من جامعة القاهرة وماجستير الاقتصاد ودرجة الدكتوراه في العلوم السياسية من الولايات المتحدة. كما عمل في عدد من مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة ومصر، له ثمانية كتب والعديد من المقالات الأكاديمية منشورة باللغتين الإنجليزية والعربية.
التعليقات