هل أخطأ التيار المدنى بالمشاركة فى ٣٠ يونيو؟ - زياد بهاء الدين - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:38 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل أخطأ التيار المدنى بالمشاركة فى ٣٠ يونيو؟

نشر فى : الإثنين 4 يوليه 2016 - 8:55 م | آخر تحديث : الإثنين 4 يوليه 2016 - 8:55 م
جاءت الاحتفالات التى نظمتها الدولة هذا العام بمرور ثلاث سنوات على ٣٠ يونيو فى ظل ظروف اقتصادية مضطربة واحتقان سياسى متصاعد، ولذلك فقد أثارت العديد من الأسئلة حول طبيعة ما حدث فى هذا اليوم، والنتائج التى أفضى إليها، وما إذا كان التيار المدنى قد أخطأ بالمشاركة فيه. والسؤال الأخير بالذات تردد حتى بين صفوف ورموز هذا التيار ممن شاركوا فى الاحتجاج الشعبى الذى انتهى بسقوط حكم الإخوان.

وفى تقديرى أن التيار المدنى الديمقراطى يخطئ فى حق نفسه وفى حق الوطن حينما يندفع نحو هذه النتيجة متناسيا الحقائق الثلاث التالية:

الحقيقة الأولى أن فشل الإخوان فى الحكم، وخروجهم على الشرعية الدستورية التى جاءت بهم إلى السلطة، واعتمادهم على الأهل والعشيرة فى إدارة شئون البلاد، وتجاهلهم للتعدد الذى يتميز به المجتمع المصرى، كل هذا كان حقيقيا وليس من الصواب إغفاله الآن كما لو كان مجرد أسطورة روج لها الإعلام. الواقع أن قيادة الجماعة، وقد أتيحت لها فرصة تاريخية للوصول إلى الحكم من خلال الصناديق، قد أهدرت ثقة الناس ودفعت الملايين للخروج عليها والمطالبة بإسقاطها. وهذا التحرك الشعبى كان بدوره حقيقيا ولا مجال لإنكاره. وقد كتبت على صفحات هذه الجريدة وقت الحكم الإخوانى مقالا عنوانه «شرعية الرئيس ليست دائمة ولا ملكا له»، عبرت فيها عن اعتقادى أن الرئيس السابق محمد مرسى يهدر هذه الفرصة بخروجه على الدستور وتركه لأمور البلد تدار من مقر الجماعة بالمقطم. ولذلك فلا داعى لأن يأخذنا الحماس اليوم ــ فى غمرة المعارضة للعديد من السياسات الراهنة ــ وننسى أن نزول الشعب المصرى فى ٣٠ يونيو كان حقيقيا ويستحق الكثير من الاحترام.

والحقيقة الثانية أن ما جرى تسميته فى ٣٠ يونيو بالتيار المدنى لم يكن كتلة واحدة بل توافقا واسعا ومؤقتا بين كتل وتيارات متنوعة جمعها قاسم مشترك هو الرغبة فى إسقاط الحكم الاخوانى، ولكن تباينت بينها الرؤى والأهداف والمصالح، ولذلك فقد كان تفرقها حتميا والصراع بين أطرافها آت لا محالة. ولكن للأسف أنه صراع خسره سريعا من كانوا حريصين على إعادة البلد إلى مسار ديمقراطى سليم وتقديم بديل يبعد الوطن عن ثنائية الدولة الدينية والدولة الأمنية. ولذلك فإن الحديث اليوم عن تيار مدنى واحد لم يعد مناسبا، ويلزم أن يعيد المعسكر الديمقراطى منه تنظيم صفوفه باعتباره التيار المتمسك بمدنية الدولة وبالمساواة بين المواطنين وبحكم الدستور والقانون وبالعدالة الاجتماعية، وأن يعيد تحديد هويته وأولوياته ومبادئه دون أن يجد نفسه مضطرا للاندفاع نحو هذين القطبين عوضا عن تقديم نفسه بديلا مستقلا، وأن يكون مستعدا للخوض مرة أخرى فى المعترك السياسى والاشتباك مع القضايا التى تشغل الجماهير.

أما الحقيقة الثالثة فهى أنه لا يوجد تناقض بين موقف هذا التيار المدنى الديمقراطى الذى كان معارضا للحكم الإخوانى حينما ارتمى الكثيرون فى أحضانه وبحثوا عن مصالحهم معه، وبين الاستمرار فى معارضة ورفض ما يلمسه الآن من مظاهر الاستبداد والتضييق على الحريات، واهدار دولة القانون، والتنكيل بشباب ثورتى يناير ويونيو، وتجاهل أن فى البلد دستور حظى بموافقة الغالبية الساحقة من أبنائه. بل الموقف الوحيد المتسق مع نفسه كان رفض ما جاء به الحكم الإخوانى فى وقته، والتمسك الآن بالعودة إلى المسار الديمقراطى وبتطبيق العدالة والدستور والقانون.

التيار المدنى الديمقراطى لم يخطئ بالمشاركة فى ٣٠ يونيو ولا بدعم الحراك الشعبى ضد الحكم الإخوانى ولا بمساندة دولة ما بعد ٣٠ يونيو حينما كانت الفرصة متاحة للخروج بالوطن نحو مجال أكثر رحابة وحرية. وإنما كان خطؤه أنه لم ينجح فى الاستمرار فى توحده وفى خوض معركته بنجاح وبوضوح رؤية وفى الوقوف مع دولة القانون حينما تعرضت للانتهاك.

ومع ذلك فان هذا كله حوار من الماضى. والمستقبل أهم بكثير. والمستقبل هو أن يتنازل عقلاء الوطن من كل الاتجاهات السياسية عن محاولات إثبات صحة تصرفات هذا التيار أو ذاك، وأن يتجهوا للبحث عن مساحات التوافق والتعاون على أرضية وطنية.
المراجعة والتعلم من الماضى واجب على التيار المدنى الديمقراطى كما أنها واجب على كل التيارات والقوى السياسية التى ارتكبت جميعا الكثير من الأخطاء خلال السنوات الخمس الماضية. ولكن الرجوع لما قبل يونيو أو ما قبل يناير ليس ممكنا وانكار حقيقة نزول الشعب مرتين ليس مجديا. فدعونا ننظر إلى الأمام ونبدأ حوارا مطلوبا حول العودة للمسار الديمقراطى وكيفية مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية الجسيمة التى يتعرض لها الوطن.
زياد بهاء الدين محام وخبير قانوني، وسابقاً نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التعاون الدولي، ورئيس هيئتي الاستثمار والرقابة المالية وعضو مجلس إدارة البنك المركزي المصري.