عمر بن الخطاب يواجه استجواب أبى عبيدة - نادر بكار - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 6:51 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عمر بن الخطاب يواجه استجواب أبى عبيدة

نشر فى : الثلاثاء 4 يونيو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 4 يونيو 2013 - 9:58 ص

لم يعد أمام عمر بن الخطاب فى قضية طاعون الشام «طاعون عمواس» سوى خيار الرجوع إلى المدينة تطبيقا لقواعد الشورى التى تشترط الأغلبية فى إصدار القرار، وفى ذلك يقول الإمام النووى معلقا: (وكان رجوع عمر رضى الله عنه لرجحان طرف الرجوع لكثرة القائلين به، وأنه أحوط، ولم يكن مجرد تقليد لمسلمة الفتح، لأن بعض المهاجرين الأولين وبعض الأنصار أشاروا بالرجوع، وبعضهم بالقدوم عليه، وانضم إلى المشيرين بالرجوع رأى مشيخة قريش، فكثر القائلون به، مع ما لهم من السن والخبرة وكثرة التجارب وسداد الرأى).

 

فلمَّا أعلن فى الناس قراره وهمَّ بالرجوع، فوجئ عمر وفوجئ الناس بأن رئيس أركان الجيش وأحد أبرز قيادات الدولة فى ذلك الوقت أبو عبيدة بن الجراح يطلب (استجوابا) علنيا لرئيس البلاد إذ يقول: (أفرارا من قدر الله ؟).. (الاستجواب) كأداة من أدوات الرقابة على السلطة التنفيذية مثَّل ركنا من أركان النظام السياسى فى الإسلام.

 

لكنه فى هذه الحالة لم يكن له ما يبرره حقيقة، لأن عمر أدار جلسات استماع مجلس المستشارين بأقصى درجات الشفافية واطلع الجميع على نتائجها، بل إنه حتى لم يستخدم حقه فى إبداء رأيه الشخصى فضلا عن رأيه المرجح، واعتمد فقط على أصوات الأغلبية وهو ما عبَّر عنه عمر بمرارةٍ قائلا: (لو أن غيرك قالها يا أبا عبيدة) يلوم عليه ذلك، لما بينهما أولا من شدة انسجام وتفاهم يصعب معه ألا يعرف أبوعبيدة لمَ اتخذ عمر هذا القرار وثانيا لاطلاع أبى عبيدة على عملية الشورى برمتها وثالثا لأن هذا اتهام صريح (استجواب) لم يسبقه (طلب إحاطة) يترك لعمر فرصة سوق مسوغات هذا القرار تحديدا..

 

غير أن القائد الأعلى استجاب لطلب رئيس الأركان، فما دام اتخذ قرارا فعليه أن يقدم مسوغات هذا القرار لعامة شعبه ويتحمل ذلك نيابة عن مستشاريه وقادته باعتباره رأس السلطة التنفيذية؛ فقال: (نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل فهبطت واديا له عدوتان، إحداهما مخصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله؟).. لا بد أن يدفع عن نفسه تهمة الجبن، وأن يبرهن على قراره بالأسلوب العلمى المنطقى المقنع.

 

لاحظ أن عمر هنا يتحدث بوصفه قائدا سياسيا يصيب ويخطئ، فنزع عن نفسه كل أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم التى زكَّته ورفعت قدره على من سواه، كمثل حديث: (إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه) أو حديث: (لو كان بعدى نبى لكان عمر بن الخطاب) أو غيرهما، فلم يستخدم أيا من ذلك سلطانا لنهر من استجوبه.

 

(القياس) كان هو الأسلوب المنطقى التحليلى الذى استخدمه الخليفة الراشد لتبرير موقفه، فلجأ إلى مثال يومى استقاه من البيئة المحيطة، ليدلل على أن التفكير المنطقى السليم الذى يقود راعى الإبل إلى ترك الأرض المقفرة الجدباء والتوجه بإبله إلى الأرض الخصبة كنوع من الأخذ بأسباب طلب الرزق للبهيمة لا يتم إلا بقدر الله لأنه سبحانه خلق كل شىء بقدر؛ فكذلك الأمر فى قضيتهم تلك.