متى يشن ترامب هجمته المضادة؟ - جميل مطر - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 3:30 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

متى يشن ترامب هجمته المضادة؟

نشر فى : الأربعاء 4 أبريل 2018 - 9:20 م | آخر تحديث : الأربعاء 4 أبريل 2018 - 9:20 م

أتصور أن الرئيس دونالد ترامب صار يشعر بالخناق المفروض عليه يشتد إحكاما. أتصور أنه أدرك أن خصومه عادوا ينظمون الصفوف ويستعدون لتوجيه ضربتهم الحاسمة. الكل يعرف أن نظام الرئيس ترامب مهدد بالسقوط وحزبه مهدد بفقد أغلبيته البرلمانية إذا الرئيس نفسه تقاعس أو أظهر ضعفا أو انحشر وأعوانه فى مواقع الدفاع. رأيناه مناورا قادرا وعرفناه صاحب مشروع، وبناء على ما رأينا وعرفنا نستطيع أن نتصور أنه يستعد الآن لشن هجمة استباقية تنشر الارتباك فى صفوف خصومه وتزيد أو تثير الشكوك فى صدقية ونزاهة مؤسسات فى الدولة والمجتمع ناصبته العداء لأكثر من عام. ترامب يبدو لى أنه يستعد ليستعيد زمام المبادرة.
***

عام وأكثر والرئيس ترامب مشتبك فى معركة حياة سياسية أو موت على جبهات عديدة. الأشد قسوة وفاعلية، ربما كانت الجبهة التى استخدم فيها الطرفان جميع أنواع الأسلحة التقليدية والأحدث تكنولوجيا المتوافرة فى ترسانتيهما، إنها الجبهة الإعلامية. لا أبالغ، وأنا مدرك جيدا حقيقة أن كل الأطراف تبالغ هذه الأيام، لا أبالغ حين أسجل أننى على امتداد تجاربى المتشعبة فى مهن متعددة لم أمر بفترة عشت فيها شاهدا على حرب إعلامية، خارجية أو داخلية، اتسمت بالقسوة والتفنن والتنوع التى اتسمت بها فترة العام وأكثر قليلا التى عشتها شاهدا على الحرب الدائرة بين معسكر الرئيس ترامب من ناحية والمعسكرات الليبرالية والإصلاحية والديموقراطية من ناحية أخرى. أسجل أيضا أن ترامب، رغم شراسة المعسكر الآخر لا يزال واقفا على قدميه صامدا، بل ومتحديا وساعيا لمزيد من النزالات. تلقى، ويتلقى، ضربات موجعة يصدها ويردها بضربات أوجع.

عرف مثلا كيف يلتف حول الإعلام التقليدى باستخدام أسلوب يصعب مجاراته بالأساليب التقليدية. بتغريداته هو الأسبق زمنيا، بمعنى آخر هو الحائز بفضلها على ميزات السبق والمبادرة. وبقدراته الهائلة على الكذب وتزييف الوقائع أو صنع وقائع خائلة وعدم إنكاره أولوية مصالحه ومصالح عائلته الخاصة على مضمون شعار «أمريكا أولا»، بهذه القدرات استطاع أن يحتفظ لنفسه بنفس أطول نسبيا من نفس أقوى القنوات التليفزيونية تأثيرا وأوسع الصحف الكبرى انتشارا.

يسجل له أيضا أنه استمر فى الوقت نفسه مشتبكا مع قطاعات مهمة فى النخبة البيروقراطية وأهمها جهاز التحقيقات الفيدرالى والذى تتوقف مصير حكومة ترامب على علاقته المضطربة به. وكالة التحقيقات نموذج مهم ولكنه ليس النموذج الأوحد للطبقة الحاكمة فى الولايات المتحدة، ولا يخفى أن ترامب جاء بمشروع أهم بنوده غير المعلنة القضاء على رموز هذه الطبقة وكسر احتكارها مسئولية إدارة الدولة الأمريكية. نذكر أن الرئيس بدأ ولايته بحملة رئاسية شنها ضد أجهزة الاستخبارات جميع، انتصر فى أجزاء منها كما مع وكالة الاستخبارات المركزية التى كافأها بتعيين رئيسها وزيرا للخارجية. كذلك ضمن حملته ضد قلاع البيروقراطية هجوما لاذعا وشجاعا على مواقع عديدة فى قطاع القضاء انتصر فى بعضها واستمر يهاجم البعض المتبقى. إن نسينا بعض معاركه العديدة فصعب أن ننسى تطور علاقته بزعامات الحزب الجمهورى. تجاهلهم فى حملته الانتخابية وخلال معظم شهور عامه الأول حتى احتاجوا له فى العام الثانى فأخضعهم لقيادته رئيسا للحزب لا ينافسه أحد من العتاولة.
***

لم يتجاوز محللون الحقيقة عندما وصفوا دونالد ترامب بالرئيس تحت الحصار. الرجل محاصر من جهات متعددة. تحاصره كوكبة من النساء يتهمنه بالتحرش وبما هو أبشع من التحرش. هو متهم بخيانة جميع زوجاته وبينهن ميلانيا آخرهن وأقلهن رغبة أو مصلحة فى إثارة المشاكل له، ربما لأنها لا تريد أن تحرم ابنها من الحصول على مثل ما حصل عليه أخوه من نصيب فى جاه الأب وثرواته إن هى أثارت غضب الأب المحاصر من عديد النساء.

تحاصره أيضا وعوده التى قطعها على نفسه أثناء الحملة الانتخابية. يحاصره زمر من العمال من ذوى البشرة البيضاء يرفضون تطوير أنفسهم تكنولوجيا بعد أن فقدت مصانعهم القديمة سبب وجودها فى بيئة عولمة سريعة التغير أو التقدم. ويحاصره متدينون متصلبون فى طائفة ينتشر أعضاؤها فى قلب الدولة ومجتمعاتها الريفية والهامشية. هؤلاء يحركهم المستر بينس نائب الرئيس وحاكم ولاية أنديانا السابق ومن أشد القادة السياسيين تطرفا، وبخاصة فى المسألة الفلسطينية الاسرائيلية. لا أحد ينكر أن الرئيس ترامب واقع تحت ضغط هائل لإنهاء مرحلة أساسية فى الصراع الفلسطينى والاسرائيلى وضغط مقابل من جهات فى البيروقراطية الأمريكية، عسكرية ومدنية، تنصح بالتروى. وفى الغالب لن يتروى. يحاصره تيار صاعد وواعد يقوده قوميون متطرفون، هم فى الحقيقة وراء شعار أمريكا أولا وسياسات العداء لحرية التجارة والإنفاق على تحالفات ومسئوليات دولية لا تخدم بالضرورة أو فورا مصالح أمريكية.. هذا التيار يقوى ولا يضعف كما يتوهم البعض. ففى أوروبا ستيف بانون كبير مستشارى الرئيس سابقا يعمل ليل نهار، تساعده الاتصالات «السيبرانية» ومنشأها روسيا أو غيرها، من أجل «تشبيك» الحركات القومية الأوروبية بعضها بالبعض الآخر وإلحاقها جميعا بالحركة القومية الصاعدة فى أمريكا. بانون من الخارج وجون بولتون ولورنس كودلو فى الداخل وجيش من أكفأ الاعلاميين فى قناة فوكس نيوز الواسعة المشاهدة.
***

أتصور أن دونالد ترامب مقتنع بأنه ضحية مؤامرة كبرى. يدفعنى لإعلان هذا الاعتقاد حقيقة أن المؤامرة صارت منهاج حكم تعتنقه أنظمة حكم من هذا النوع ويتبادل قادتها ومفكروها المعلومات التى تعزز اقتناعهم بوجودها. يتوهمون أن كل الضغوط التى يتعرضون لها هى من صنع متآمرين وليست نتيجة اختيارات سياسية خاطئة أو أسباب هيكليه فى تركيبة الدولة والمجتمع. يقول «هانيتى» أحد كبار الإعلاميين المقتنعين بالرئيس ترامب والمشكلين لبعض فكره وملهم تغريداته: «إن الاعلام الأمريكى المعارض طرف أساسى فى المؤامرة التى تستهدف الرئيس ترامب وحكومته. هناك وفى أجواء الحديث المتكرر عن المؤامرة، وحيث الرئيس ونظامه واقعان تحت الحصار تتردد كثيرا عبارة «الدولة العميقة التى تعارض السلطة الحاكمة وتحاول إسقاطها».
***

مؤشرات غير قليلة العدد والأهمية لفتت النظر إلى ما يمكن أن يكون بدايات فى سلسلة إجراءات تصعيدية لحماية حكم الرئيس ترامب والقوى السياسية والاقتصادية المدافعة عنه. هناك على سبيل المثال ما اتخذه ترامب مؤخرا من عمليات «تطهير» فى البيت الأبيض تخلص بفضلها من عشرات من الموظفين المشكوك فى ولائهم المطلق، ومن موظفين سربوا أو يمكن أن يسربوا خفايا من البيت الأبيض. هناك ثانيا طرده ثلاثة من أهم مساعديه وهم وزير الخارجية ومستشار الأمن القومى ووزير الاقتصاد، الثلاثة بشكل أو بآخر عارضوا بعض أهم سياساته وأسلوب عمله، والثلاثة لا يستطيع الرئيس أن يغامر بوجودهم فى لحظة اتخاذ موقف حاسم من خصومه. هناك ثالثا التسريب المتعمد من مواقع متعددة فى البيت الأبيض والكونجرس عن خطة ينفذها الرئيس لتشتيت «المجموعة العسكرية» التى عاشت معه فى البيت الأبيض، وكان غرضها فيما يبدو حماية الدولة والمؤسسة العسكرية من قرارات رعناء يصدرها رئيس عديم الخبرة تماما بقضايا الأمن والحرب والسلم. فاجأهم بقراره استعداده الاجتماع برئيس كوريا الشمالية وكانوا يأملون فى منعه من المساس بالاتفاق النووى الذى عقده المجتمع الدولى مع إيران، ومنعه من التمادى فى التدخل فى الشئون الإدارية للقوات المسلحة، وها هو يعلن نيته سحب جميع القوات الأمريكية من سوريا. رابعا، ومن المؤشرات أيضا، المهمة التى يقوم بها مستشاره السابق ستيف بانون فى القارة الأوروبية بهدف حشد وتعبئة القوى القومية المتطرفة وحثها على الانتقال إلى مرحلة جديدة فى التنظيم والعمل السياسى ودعم النظام القائم فى الولايات المتحدة. خامسا، استدعاء جون بولتون من فضاء الإعلام المتطرف إلى العمل السياسى المباشر، رغم كل ما يحيط بالرجل من غضب وأحيانا كره. هو الرجل الذى كذب فى الأمم المتحدة ليبرر غزو أمريكا للعراق. لافت للنظر أن ترامب لم يتوقف عن مطالبته العراق، رغم الدمار الذى تعرض له، دفع تعويضات لأمريكا عما تكلفته فى هذه الحرب. سادسا، إطلاق حملة منظمة تستهدف سمعة مؤسسات بيروقراطية تصدت له منذ اليوم الأول لتوليه المسئولية، وعلى رأسها مؤسسات الأمن القومى ووكالة التحقيقات الفيدرالية، توقعا من جانبه لنجاح هذه المؤسسات جمع أدلة تدينه على مستويات عدة.

المؤشرات كثيرة على أن الرئيس ترامب يستعد لتوجيه ضربة لخصومه يعطل بها ما يتصوره مؤامرة حيكت بإتقان لإسقاطه، وبعد إسقاطه إسقاط أمريكا.

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي