ضيق السطور - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 5:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ضيق السطور

نشر فى : الإثنين 4 مارس 2019 - 11:45 م | آخر تحديث : الإثنين 4 مارس 2019 - 11:45 م

فى ديسمبر عام 1983، اصطحبنى وعدد من الزملاء الطلبة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، إلى مبنى نقابة الصحفيين فى شارع عبدالخالق ثروت، الدكتور سامى عزيز، رحمه الله، وكان رئيسا لقسم الصحافة، إضافة لرئاسة تحرير جريدة «وطنى»، إثر خلاف على عدم نشر تحقيق صحفى، فى جريدة «صوت الجامعة» يتناول ملفى الحرس الجامعى ولائحة 79 الطلابية باعتبارهما أهم قضيتين كانتا تشغلان المجتمع الطلابى فى ذلك الوقت.
كان حماسنا كطلاب يدرسون فنون الصحافة فى أعرق جامعة مصرية، قد بلغ مداه عن حرية النشر والتعبير، وضرورة خلق رأى عام متفاعل مع القضايا الوطنية والحياتية، لكن هذا الحماس كان فى نظر أساتذتنا وبينهم الدكتور سامى عزيز، زائد عن الحد الذى يمكن تمريره فى صحيفة معارضة، فما بالك بصحيفة صادرة عن الجامعة؟!.
فى البهو الكبير بمبنى نقابة الصحفيين القديم، قبل هدمه وإعادة تشييده على النحو القائم حاليا، رحت أجادل الدكتور سامى عزيز، بشأن حجب التحقيق الذى بذلنا فيه مجهودا كبيرا وتحاورنا فيه مع مجموعة كبيرة من قادة الحركة الطلابية فى سبعينيات القرن الماضى، وفى مقدمتهم حمدين صباحى، وعبدالمنعم أبو الفتوح وأحمد عبدالله رزة، وأحمد بهاء شعبان، هؤلاء الذين ساهموا فى ظهور لائحة 76 الطلابية التى وضعها الطلاب بأنفسهم وقبلتها القيادة السياسية تحت الضغط قبل الانقلاب عليها عقب مظاهرات 18 و19 يناير 1977.
كان الرجل يستمع بكل سماحة وحب، لدفاعى المستميت عن ضرورة نشر التحقيق تأكيدا لما تعلمناه على يديه عن حرية الرأى والتعبير، وبعد أن تركنى، والزميل عبدالفتاح طلعت، مدير تحرير الأسبوع الحالى، نتحدث باستفاضة عن القيم الديمقراطية، والتقاليد الجامعية، والمثل العليا، ودور الإعلام فى تنوير الرأى العام، قال الدكتور عزيز: هل أنشر الموضوع مقابل تعرضكما للفصل من الجامعة؟!
هنا أسقط فى أيدينا، وظهرت علامات التعجب والذهول على وجهينا، فكرر أستاذنا على مسامعنا القول: «نعم هل أنشر التحقيق مقابل التضحية بمستقبلكما؟»، ثم راح يشرح لنا الفرق بين الصيغة المثالية التى يسعى أستاذ الإعلام إلى زرعها وترسيخها فى أذهان تلاميذه، والواقع الصعب فى الحياة العملية التى تحطم فى طريقها العديد من القيم المهنية والأخلاقية، وهو ما سنكتشفه بأنفسنا بعد سنوات التخرج والتجوال فى دهاليز صاحبة الجلالة.
تذكرت هذا الجدل، وترحمت على الدكتور سامى عزيز، الذى شرح لنا فى وقت مبكر طبيعة الواقع المرير الذى يتطلب على الصحفى التعامل معه حسب المكان والزمان، فبين الواقع والمثال بون شاسع، ربما يضيق فى بعض الفترات، أو يزداد اتساعا فى فترات أخرى، لكنه يبقى فى كل الأحوال شاهد على الضيق بأصحاب الأقلام، ما يدفع بعضهم إلى استدعاء الماضى أو الاستغراق فى الخيال.
وفى ظل هذه المعادلة، لا تستغرب عندما يهجر الكتاب، عمدا أو كرها، نوافذهم، أو تغيب أقلامهم عن القضايا الملحة فى مواجهة افتعال البعض معارك صحفية وهمية، ظاهرها الدفاع عن المصداقية والشفافية وباطنها تدمير المتون الجادة التى تحاول سطورها، وما بينها، القول تلميحا أكثر منه تصريحا، وهى أتعس مهمة يمكن أن يقوم بها صحفى فى مناخ غير موات لحرية الرأى والتعبير.
هذا الوضع، وإن استفاد منه البعض فى حجب معلومه هنا، وتشتيت الرأى العام فى هذه القضية أو تلك، يدمر فى طريقه القدرة على احتواء جمهور المتلقين، وثقتهم فى وسائلك الإعلامية، وطبيعيا أن تلجأ نسبة منهم، تتزايد يوما وراء الآخر، إلى وسائل بديلة ربما تكون أشد خطرا، ويصعب الوقوف فى مواجهتها، بعد أن تكون الناس قد فقدت الثقة فى أذرعك الإعلامية، فتخسر معارك قبل خوضها.
الإعلام المصرى يواجه مرحلة صعبة تحتاج إلى فتح النوافذ والأبواب، وتفهم أكبر لطبيعة العمل الصحفى الذى يتطلب الوصول إلى منابع الأخبار، وإفراد الصفحات لأوسع مساحة من التنوع فى الآراء، وبغير ذلك لا أحد يسأل لماذا يذهب الناس لوسائل أخرى؟ فصحافة كله تمام لم يعد لها مكان.

التعليقات