مع أول يوم عمل لحكومة محلب؛ ينبغى أن يتنبه أعضاؤها قبل غيرهم إلى أن دورهم محدد اختصارا فى أمرين؛ أولهما إيقاف النزيف الاقتصادى وثانيهما تهيئة المناخ لانتخابات رئاسية وبرلمانية؛ أمَّا الحديث عن أهداف تحتاج إلى سنوات لتطبيقها ــ هذا إن صحت ابتداء ــ فليس محل ذكر أو نقاش.
كنت قد كتبت بعد تولى د.الببلاوى المسئولية قبل ثمانية أشهر بعض ملاحظات تهدف لتلافى الأخطاء الاستراتيجية التى وقعت فيها إدارات ما بعد ٢٥ يناير؛ واليوم أكررها فى مستهل حقبة حكومة محلب؛ لعلها أن تحسن التدارك وتعوض إخفاق سابقتها.
انتهاج سياسة المصارحة للكشف عن حجم التحديات الاقتصادية والأمنية التى تواجهها الحكومة بأرقام دقيقة، والتيقظ لمحاولات جرنا إلى معارك وهمية تتشتت فيها الجهود وتُثبط الهمم، ومواجهة الاحتجاجات الفئوية بحزم أمضى من ذى قبل بعيدا عن الوعود غير المنطقية؛ وتحويل دفة الاهتمام إلى توظيف طاقة ملايين الشباب العاطل واستيعابها فى المشاريع الصغيرة والمتوسطة؛ كل هذه مؤشرات أولية إمَّا على استفادة من أخطاء الماضى أو سقوط فى براثنها.
وتبنى فلسفة الحكومة الرشيقة Agile Government سيكون حلا ناجعا لإدارة الجهاز الحكومى البيروقراطى شديد الترهل، وقد سبق لى أن أشرت إليها أكثر من مرة تعقيبا على أداء حكومة قنديل وأفردتها بالذكر فى مقالة من جزءين بعنوان بين الحكومة الرشيقة وإدارة عموم الزير.
ومن أهم ملامح فلسفة كهذه حتمية ترشيد العدد الهائل للحقائب الوزارية - أكثر من ثلاثين وزيرا - مقارنة بدول أخرى كالولايات المتحدة الأمريكية مثلا التى تتصدر المشهد العالمى بإدارة مكونة من أربعة عشر وزيرا فقط، أوالفرنسيين الذين يكتفون بخمسة عشر وزيرا، أو حتى الصين التى تدير شئون مليار و300 مليون نسمة بسبعة وعشرين وزيرا... وهو ما بدأ به م. محلب بالفعل فى إشارة إيجابية للغاية تحتاج إلى جرأة أكبر لدمج السياحة والآثار؛ والنقل مع الإسكان والرى مع الزراعة وغيرها.
الحكومة الرشيقة التى استفادت من تجارب وأخطاء المرحلة السابقة هى تلك التى ستنتهج أسلوب الإدارة بالأهداف بحيث ننتظر من وزرائها فضلا على رئيسها الحديث منذ اليوم الأول عن أهداف محددة بخريطة زمنية؛ أهداف ممكنة التحقيق ويسهل تقييم التقدم فى إنجازها بعيدا عن الشعارات الإعلامية الفضفاضة.
وتفعيل دور الحوكمة Governance ينبغى أن يحتل حيزا كبيرا من اهتمام الحكومة الجديدة، والحوكمة التى أعينها تنتقل خطوة واسعة من تنظير الكتب إلى خُطط عملية تضيق الخناق على الفساد الممنهج المستشرى فى أوصال الجهاز الحكومى العميق، وتضع بذرة عمل مؤسسى فى هذا المضمار يستكملها تشكيل حكومى مستقبلى.
وعلى ذكر العمل المؤسسى تجدر الإشارة إلى ضرورة البناء على ما تقدم من عمل حتى نقضى على أسطورة إهدار الطاقات التى ورثها المصريون كابرا عن كابر، فأقل إنجاز حققه وزراء سابقون ينبغى استيعابه والبناء عليه فى خطط الوزراء الجد.