سلامات يا ثورة - عماد الغزالي - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 2:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سلامات يا ثورة

نشر فى : الإثنين 4 فبراير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 4 فبراير 2013 - 8:00 ص

كانت زيارتى الأخيرة إلى الأقصر وأسوان فى يناير ٢٠١٠، أى قبل عام من الثورة مباشرة، ولابد أن أقول لك فى مفتتح الكلام إننى من عشاق الجنوب، ولو قدر لى لاخترت أن أعيش فى بيت صغير يصافح مع كل طلعة شمس وجه رمسيس الثالث فى معبد الكرنك، أو تتنفس جدرانه رائحة نيل أسوان العظيم، لكننى حتى الآن، ولأسباب لا تغيب عن فطنتك، مضطر للعيش فى هذه القاهرة، وسط أكوام من الزبالة والسباب والقبح والزحام والأنانية والغلاء والغبار والضوضاء والتدليس والفهلوة وانعدام الذوق، لكننى مازلت أحلم بأن أغادر ذلك كله، بعد أن فقدت الأمل فى أن تغادر هذه المفردات حياتنا.

 

لكن ما علينا، ليس هذا هو موضوعنا على كل حال، موضوعنا هو الحالة التى رأيت عليها الأقصر وأسوان بعد ثلاث سنوات من الغياب، وهى من الآخر، لا تسر عدو ولا حبيب..

 

الكآبة هى السمة الغالبة على ناس الأقصر الذين يعمل معظمهم فى السياحة أو فى أنشطة ذات صلة بها، يعنى سواقين التاكسيات والحناطير وأصحاب البازارات والمطاعم والكافيهات وباعة الهدايا التذكارية والبياعين المتجولين والعاملين فى الفنادق وغيرهم، آلاف الأسر ارتبط عيشها بهذا القطاع، الذى يحتل مكانة متقدمة جدا فى ايرادات الدولة من العملة الصعبة، وفى اقتصادها بشكل عام، لكنه من سوء الطالع، شديد الحساسية لأى متغير طارئ، وأرجو أن تتذكر التأثير المدمر لحادثة الأقصر ١٩٩٧وحوادث دهب وسيناء بعدها على حركة السياحة فى تلك الفترة.

 

الناس فى الأقصر وأسوان يعيشون منذ اندلاع الثورة فى هذه الحال، والتى وصلت ذروتها فى هذا العام..

 

نسب الاشغال فى الفنادق ضعيفة جدا، أعداد السائحين هزيلة، وحتى هذه الأعداد القليلة، لا تلمح فى وجوهها نظرة الرضا والاطمئنان والانشراح المعتادة، فهم أيضا مكتئبون ومذعورون، أو فى أحسن الفروض متوجسون مترقبون، فلديهم علم بما يجرى فى المحروسة، وسفاراتهم لا تتوانى عن تحذيرهم من الفوضى والعنف والانفلات، ناهيك عن دعاوى الكراهية الجاهلية البغيضة التى تتمسح بمسوح الدين.

 

كى تعرف حجم ما جرى، أقول لك إننى قبل ثلاث سنوات، وفى رحلتى الأخيرة إلى الجنوب، حصلت بالعافية على حجز بأحد فنادق البر الغربى بالأقصر، وفى أسوان اضطررت للمبيت مع أسرتى فى فندق شعبى يشبه فنادق كلوت بك وعماد الدين، قبل أن أحصل على غرفتين فى فندق بضعفى أسعارهم المعتادة، لأن الاشغالات فى كل الفنادق تقريبا كانت ١٠٠ %.

 

بائعو الهدايا والتماثيل الصغيرة والذين يتناثرون أمام المعابد والمزارات السياحية، يطاردون السياح على قلتهم، ويتوسلون إليهم للشراء بطريقة مهينة لم ألحظها فيهم من قبل، سائقو الحناطير والتاكسيات يتسابقون لاختطاف زبون، ويرضون بنصف ما كانوا يطلبونه من قبل للتوصيلة، وقد يجلس بعضهم نهاره كله، دون أن يحظى بزبون واحد.

 

لذلك كله يا عزيزى، لو سمعت من أى مسئول فى الدولة التى نعيش فيها أن السياحة منتعشة ومزهزهة، فتأكد أنه كاذب وكذوب.

 

أما أكثر ما آلمنى، فهو أن أرى شارع البازارات فى أسوان، والذى كان المشى فيه متعة حقيقية، قد تحول إلى سويقة، فاحتل بائعو الطماطم والخضار والسمك والمفارش وحلل المطبخ وسطه، ونشروا القذارة على جانبيه، وانتزعوا البلاطات المميزة من أرضيته ليقيموا متاريس عرباتهم الخشبية، فيما أغلقت عشرات المحلات أبوابها بفعل الكساد وانكماش حركة البيع.

 

لم يدهشنى بعد ذلك كله أن كل من سألته عن حاله بعد الثورة كان جوابه: ثورة.. سلامات يا ثورة.

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات