قطاع الأعمال العام.. فلسفة القانون - مدحت نافع - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 9:51 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قطاع الأعمال العام.. فلسفة القانون

نشر فى : الإثنين 3 يونيو 2019 - 10:10 م | آخر تحديث : الإثنين 3 يونيو 2019 - 10:10 م

عندما يصدر الشارع قانونا جديدا، فإن فلسفة القانون تكون رفق النص التشريعى فى هيئة مذكرة إيضاحية لمشروع القانون. وإذا أردت أن تقرأ النص بعين المتدبر لأهداف القانون ومقاصده، فعليك دائما بقراءة تلك المذكرة التى تروى قصة التشريع والغرض من سنه ومزاياه التى تجعله فريدا بين سائر النصوص. أقول هذا ناصحا بما لم أفعل عندما طالعت لأول مرة قانون قطاع الأعمال العام الصادر برقم ٢٠٣ لسنة ١٩٩١، ومنذ وقت قريب فقط أمسك صديق عزيز بصحيفة القانون ولائحته التنفيذية التى لا تفارق مكتبى، وقرأ لى عدة سطور من المذكرة الإيضاحية للقانون رقم ٢٠٣ لم أكن قرأتها من قبل.

المذكرة ممهورة بتوقيع الدكتور عاطف صدقى رئيس وزراء مصر الأسبق، الذى قاد مسيرة الإصلاح الاقتصادى الأبرز فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك. وقد تزامن إصدارها مع وضع حجر الأساس لبرنامج التثبيت الاقتصادى والتكيف الهيكلى، والشق الأخير معنى فى المقام الأول بالحد من تدخل الدولة فى النشاط الاقتصادى، وإطلاق برنامج الخصخصة فى المشروعات المملوكة للدولة والتى لا تديرها بكفاءة القطاع الخاص. البرنامج الإصلاحى يهدف إلى تحرير الاقتصاد، وكذا كانت المذكرة الإيضاحية لقانون قطاع الأعمال العام بدأت بالنص على ما يلى: «إن تحرير القطاع العام هو من المطالب الملحة التى طالما نادى بها الكثيرون وأوصت بها خلاصة التجارب والبحوث، باعتبار ذلك يمثل الركيزة الأساسية فى تطوير القطاع العام بهدف تحقيق النتائج الاقتصادية المرجوة، ويتحقق ذلك بالفصل بين الملكية والإدارة حيث يقتصر دور الدولة بصفتها المالكة للقطاع العام على المحاسبة على النتائج، وتمارس الإدارة فى ذات الوقت نشاطها فى الاستثمار بذات الأسلوب والمنهج الذى تدار به الاستثمارات الخاصة بعيدا عن سيطرة الأجهزة الحكومية والتعقيدات الإدارية وهو ما أجمعت عليه التجارب فى مختلف الدول التى لديها استثمارات عامة وأظهرته حقائق العصر الذى نعيشه. «تلك الافتتاحية الرائعة كاشفة للهدف من التشريع، وأن الفصل بين ملكية الدولة وإدارة القطاع كان دائما نصب أعين الحكومة وهى تضع مشروع القانون أمام نواب الشعب.

ثم تتحول المذكرة من الرسالة إلى الأهداف التفصيلية التى صاغها رئيس الوزراء الأسبق ومعاونوه على نحو بديع، وبعبارات حاسمة تطلق يد إدارة قطاع الأعمال العام متمثلة فى شركاته القابضة والشركات التابعة لتصريف جميع الشئون المالية والإدارية وشئون إدارة الاستثمارات، وتدبير التمويل، على نحو يعزز من قدرتها التنافسية مع القطاع الخاص، ووفق آليات العمل فى السوق الحرة. وتمثلت الأهداف فيما يلى:

1 ــ تقليص دور الأجهزة الحكومية التى تمارس حاليا شكلا من أشكال الإشراف والتدخل والرقابة على الوحدات الاقتصادية ليقتصر الإشراف على جهة واحدة تمثل المالك.

2 ــ أن تتوافر للوحدات الاقتصادية إدارة لا تختلف فى نوعيتها وشكلها عن الإدارة المستخدمة فى المشروعات الخاصة، وأن تمنح هذه الإدارة القدر من الحرية الذى يتوافر لنظيرها فى المشروعات الخاصة، سعيا إلى أن تكون العلاقة بين المالك والإدارة شبيهة بالعلاقة التعاقدية والتى يوكل فيها المالك للإدارة مهمة إدارة الاستثمار ويمنحها فى ذلك صلاحيات وحريات كاملة، دون أن يفقد حقه فى الرقابة والمحافظة على ماله.

3 ــ أن تصبح شركات القطاع العام قادرة على تجديد طاقاتها وقدرتها على الإنتاج، إذ يستحيل تجديد هذه الطاقات فى ظل التزايد المستمر فى الأسعار العالمية للآلات والمعدات دون أن تتوافر المصادر الآمنة لتمويل هذا التجديد.

4 ــ أن تتمكن شركات القطاع العام من تصحيح هياكلها التمويلية من خلال الاعتماد على الذات بعد أن أصبح الاعتماد على إضافة استثمارات جديدة من الدولة أمرا يكاد يكون صعبا نتيجة ندرة المواد المتاحة وبعد أن بات من المتعذر الالتجاء إلى الجهاز المصرفى.

5 ــ تدوير جزء من الاستثمارات الحالية حتى يمكن تعبئة المزيد من الأموال لإنشاء مشروعات جديدة، وخلق فرص عمل جديدة.

6 ــ أن تتوافر الرقابة القادرة على منع الخطأ قبل حدوثه والخطر قبل حلوله، وأن تكون لدى هذه الرقابة الخبرة على أن تميز بين الخطأ الملازم للممارسة الجادة والخطأ الذى يخفى وراءه رغبة فى التكسب وإصرارا على الانحراف.

7 ــ أن يتم الإصلاح من أجل مساهمة الوحدات الاقتصادية فى زيادة الإنتاج وزيادة القيمة المضافة.. وزيادة دخول العمل فى إطار الخطة القومية للتنمية الاقتصادية للدولة لزيادة قدرة المجتمع على توفير الرفاهية لأفراده والعاملين فى مشروعاته الاقتصادية.

ويلاحظ فى الأهداف السبعة أنها راعت التوازن بين إطلاق الحريات فى الإدارة وفصلها عن الملكية وما ينشأ عن تدخلها من تعارض فى المصالح، وبين توافر الرقابة الوقائية الخبيرة التى تميز بين الخطأ الناشئ عن الممارسة الجادة وذلك الذى يخفى رغبة فى التكسب، حتى لا تتحول الرقابة إلى قيد يغل يد الإدارة عن العمل وفق آليات السوق، ويحرم المؤسسات من المنافسة بحرمانها من العناصر المتميزة، وتجنب المخاطر عوضا عن إدارتها بحرفية. ولا يمكن أن يتحقق الهدف الأبرز والمرتبط بتوفير إدارة للوحدات الاقتصادية المملوكة للدولة لا تختلف عن الإدارة المستخدمة فى المشروعات الخاصة، إلا بتوافر الحوافز والمقومات الداعمة لذلك والتى لا تتحقق إلا عبر فصل الملكية عن الإدارة.

***

ولتحقيق هذا الفصل وذلك التوازن تنشئ المذكرة عددا من المبادئ الأساسية نصها:

أولا: إنشاء شركات قابضة تكون مملوكة بالكامل للدولة وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، وتتخذ شكل شركات المساهمة، وتمثل الجهات المالكة لرأسمالها فى ملكية الشركات التابعة لها، وتتولى من خلال هذه الشركات استثمار أموالها، كما يكون لها مباشرة النشاط بنفسها والقيام بجميع الأعمال بما فى ذلك تأسيس شركات المساهمة بمفردها أو بالاشتراك مع الغير، وشراء وبيع أسهم الشركات المساهمة، وتكوين وإدارة محفظة الأوراق المالية... الخ.

ثانيا: إنشاء شركات تابعة تمتلك الشركة القابضة 51% من رأس مالها على الأقل بمفردها أو بالاشتراك مع شركات قابضة أخرى أو أشخاص اعتبارية عامة أو بنوك القطاع الخاص وأسسها فيما زاد على النسبة المشار إليها تكون قابلة للتداول، وتتولى هذه الشركات عملية الاستثمار الفعلية بصفة أساسية.

ثالثا: الوزير المختص، ويكون حلقة الوصل بين كل من الشركات القابضة والتابعة وبين الحكومة ويقدم إلى مجلس الوزراء تقارير دورية عن نشاط هذه الشركات ويكون رئيس الجمعية العامة للشركة القابضة.

رابعا: يكون للشركة القابضة مجلس إدارة من غير العاملين بها مدته عدة سنوات قابلة للتجديد ولا يجوز تجديد تعيينه إذا لم تحقق الشركة الأهداف المحددة لها فى خطتها السنوية كما يجوز عزل أعضاء المجلس أو بعضهم أثناء مدة العضوية إذا كان من شأن استمرارهم الإضرار بمصلحة الشركة.

خامسا: يكون للشركة التابعة مجلس إدارة يشكل من أعضاء غير متفرغين بالإضافة إلى الأعضاء المنتخبين عن العاملين.
سادسا: يتولى الجهاز المركزى للمحاسبات مراقبة حسابات الشركات القابضة والتابعة وتقييم أدائها طبقا لقانونه.
سابعا: إلغاء التحكيم الإجبارى فى المنازعات التى تنشأ فيما بين الشركات الخاضعة لأحكام هذا القانون أو بينها وبين الأشخاص الاعتبارية العامة أو أية جهة حكومية.
ثامنا: حق كل شركة من الشركات القابضة والتابعة فى وضع اللوائح المنظمة لشئون العاملين بها بما فى ذلك اللوائح المنظمة لشئون أعضاء الإدارة القانونية بها وانحسار سريان قانون الإدارات القانونية عنهم بصدور هذه اللوائح.

تاسعا: حق كل شركة فى وضع نظم الأجور والحوافز والمكافآت وغيرها بمراعاة الحد الأدنى للأجور مع ربط كل ذلك بما تحققه الشركة من إنتاج أو رقم أعمال وما تحققه من أرباح.

عاشرا: سريان أحكام قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981 وأحكام قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981 فيما لم يرد بشأنه نص خاص فى هذا القانون.

حادى عشر: تحل محل هيئات القطاع العام والخاضعة لأحكام القانون رقم 97 لسنة 1983 شركات قابضة كما تحل محل الشركات التى كانت تشرف عليها هذه الهيئات شركات تابعة من تاريخ العمل بالقانون وذلك دون حاجة إلى أى إجراء آخر ــ وينقل العاملون من الهيئات والشركات المشار إليها إلى الشركات التى حلت محلها، ويحتفظ لهم بجميع أوضاعهم الوظيفية وحقوقهم المالية بصفة شخصية كما تستمر مجالس إدارة الهيئات والشركات سالفة الذكر فى إدارة الشركات الجديدة لحين تشكيل مجلس إدارة لها طبقا لهذا القانون.

ثانى عشر: يحظر على هيئات الرقابة عدا الجهاز المركزى للمحاسبات مباشرة أى عمل من أعمال الرقابة داخل المقر الرئيسى أو المقار الفرعية لأى شركة من الشركات الخاضعة للمشروع إلا بعد الحصول على إذن بذلك من الوزير المختص.

من المبادئ السابقة يتضح أن الدولة قد انتبهت عند وضع مشروع القانون إلى احتمالات وأضرار تعارض المصالح وتداخل الاختصاصات وتعدد مستويات الرقابة والتنظيم، وحرصت على أن يتضمن القانون من خلال منظومة قطاع الأعمال المستحدثة جميع الضوابط المحققة للحوكمة والرقابة بشقيها الوقائية واللاحقة، مع إطلاق يد الشركات فى وضع لوائحها المنظمة ونظم أجورها وحوافزها ومكافآتها... بما لا يخل بحق مجالس الإدارات والجمعيات العمومية فى وضع الضوابط الحاكمة عبر ذات القنوات التى تسلكها الشركات الخاصة لتحقيق أهدافها الاقتصادية فى ظل توافر مبادئ الشفافية والحوكمة.

اليوم ونحن بصدد إعادة النظر فى «نصوص» قانون 203 والتى اتضح عبر التطبيق الطويل أنها تحتاج إلى تعديل، تظل تلك المذكرة الإيضاحية مصباحا منيرا تضئ بفلسفة وروح القانون موطئ قدم الشارع عند المضى قدما فى طريق وضع النصوص الجديدة، كذلك وارد أن نستلهم من مذكرتنا أن تعثر هذا القطاع دون تحقيق الأهداف الاقتصادية المرسومة له عبر السنين هو نتاج أكيد لابتعاد تطبيق نصوص القانون عن أهدافه ومبادئه.

مدحت نافع خبير الاقتصاد وأستاذ التمويل
التعليقات